ترتيبات الفرصة الأخيرة.. ما الذي يمكن أن تسهم به قمة القاهرة في حل الأزمة السودانية؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل رئيس الوزراء الإثيوبي والوفد المرافق له المشارك بقمة القاهرة لدول الجوار السوداني (صفحة الرئاسة تويتر 13 يوليو 2023)
الرئيس المصري يستقبل رئيس الوزراء الإثيوبي المشارك بقمة دول الجوار السوداني (الرئاسة المصرية)

القاهرة– تتجه الأنظار -اليوم الخميس- إلى القاهرة حيث تستضيف قمة أفريقية موسعة لدول جوار السودان، لبحث تسوية الأزمة السودانية التي تقترب من دخول شهرها الرابع منذ اندلاع الحرب في البلاد، منتصف أبريل/نيسان الماضي، بين الجيش وقوات الدعم السريع.

المبادرة المصرية تأتي بالتزامن مع مبادرات وجهود إقليمية ودولية يقودها الاتحاد الأفريقي، والآلية الرباعية للهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا "إيغاد" (IGAD) والمبادرة السعودية الأميركية "منبر جدة" بيد أن جميعها لم تحدث -حتى الآن- اختراقا ووقفا دائمًا لإطلاق النار في الحرب التي ألقت بتوابعها السلبية على دول الجوار السوداني السبع.

وخلال الساعات الماضية، تأكد حضور كل من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ووفد سوداني يترأسه مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة، ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ونظيره الإريتري أسياس أفورقي، بالإضافة إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي.

ومساء أمس، انطلقت الجلسة التحضيرية للقمة على مستوى كبار المسؤولين، حيث من المقرر أن تناقش القمة وضع آليات فاعلة بمشاركة دول الجوار، لتسوية الأزمة بصورة سلمية بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى لتسوية الأزمة.

وبين الفرصة الأخيرة والخروج الآمن من الأزمة، اتفق مراقبون مصريون -في أحاديث منفصلة للجزيرة نت- على أن نجاح القمة يبقى مرهونا بمدى قبول طرفي النزاع بمخرجاتها، والأدوات والآليات التي سيتم توظيفها لتخطي ما فشلت فيه المبادرات السابقة، وسط تحذيرات من الوصول إلى سيناريو قد يفضي إلى ولادة تكتلات مناوئة وأزمات إقليمية تغذيها الأزمة السودانية.

الخروج الآمن

وحول ما يمكن أن تسهم به القمة في حل الأزمة السودانية، يقول رخا أحمد حسن مساعد وزير الخارجية الأسبق إنها تعبر عن إسهام ورؤية جديدة لاعتبارات الارتباط العضوي بين دول الجوار وما يحدث بالسودان، وتفهم طبيعة الأزمة، وما يمكن أن تمثله من خطورة على المنطقة كلها من ناحية، وعلى السودان وتفكيكه من ناحية أخرى.

وعن أهداف القمة وفرص نجاحها، يرى حسن -وهو أيضا عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة- أنها لا تستهدف إلا تحقيق الأمن والاستقرار، وأن التوصل إلى وقف لإطلاق النار سيكون إنجازًا مهمًا شريطة التزام الطرفين المتحاربين، بما يساهم في وقف تدفق النازحين داخل السودان، واللاجئين لدى دول الجوار، ووقف التصعيد نحو الحرب الأهلية.

وتوقع نجاح القمة في الإسهام بوقف جدي لإطلاق النار، مشيرا إلى أن ذلك سيتبعه بدء عملية تفاوض تضمن ترضية للطرفين، مؤسسة الدولة (الجيش) من جانب، وقوات الدعم السريع من جانب آخر، بحيث يكون هناك نوع من الخروج الآمن يمكن تصور حدوثه كحل للأزمة.

وفيما يتعلق بموقف قوات الدعم السريع من قمة القاهرة، يعتقد حسن أن الترحيب بها من جانب الدولة السودانية لا يعني رفض "الدعم السريع" لها، موضحًا أن هناك دولا مشاركة تتعاطف مع تلك القوات، وستظهر نتيجة ذلك فيما ستتمخض عنه القمة من أفكار ومبادرات ومدى القبول بها.

وبسؤاله عن مدى ارتباط القمة بالمبادرات السابقة وهل هي مكملة أم معادلة لها؟ أوضح الدبلوماسي المصري أن بلاده تبني على إيجابيات المبادرات السابقة التي يقبلها الطرفان، مشيرًا بهذا الصدد إلى مبادرة جدة الأخيرة.

أما عن مبادرة الإيغاد، فأوضح أن الخرطوم ترفضها منذ البداية، وتتهم كينيا وإثيوبيا بعدم الحياد من ناحية، ومن ناحية أخرى ترى مسألة الدعوة لفرض حظر جوي وإرسال قوات حفظ السلام تدخلا في الشؤون الداخلية للسودان، معتبرًا أنها حل غير واقعي سابق لأوانه.

وفيما يتعلق بالمشاركة الإثيوبية بالقمة، قال الدبلوماسي السابق إنها قد تعبر عن مساع لكسر حدة التوتر القائم مع مصر بسبب سد النهضة.

الفرصة الأخيرة

وفي سياق غير بعيد، ذهب الخبير بالأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد إلى القول إن مؤتمر القاهرة "فرصة أخيرة للطرفين لوقف القتال" موضحا أن استمرار الأزمة وتغذية أطراف إقليمية ودولية سيطيلان أمدها، وقد تنتقل إلى مواجهات مباشرة ومفتوحة في أقاليم أخرى، وبالتالي دخول السودان حالة من الفوضى.

وعن محاور القمة، يشير عبد الواحد إلى أنها ستناقش:

  • صياغة رؤية مشتركة للأزمة وتداعياتها المدمرة على المنطقة بالكامل.
  • مسألة النازحين وما تشكله من عبء على دول الجوار.
  • عدم التعارض مع المسارات الإقليمية والدولية لحل الأزمة.
  • الاستفادة من أخطاء المبادرات السابقة، خاصة المسائل الشائكة، كفكرة وجود قوات دولية والانحياز لطرف على حساب آخر.
  • دعم الولايات المتحدة، حيث من المنتظر مشاركة وفد لديها في القمة.
  • مناقشة خطوات وآليات حل الأزمة ووقف شامل لإطلاق النار.
  • البعد الإنساني وفتح ممرات لوصول المساعدات، ومطالبة وكالات الإغاثة الدولية تقديم مساعدات أخرى.
  • إعادة إعمار السودان كإحدى الأوراق الرابحة التي يمكن توظيفها لنجاح القمة.

اتصالات سرية

وفيما لم يستبعد الترحيب الشعبي والرسمي السوداني بقمة القاهرة، يعتقد اللواء عبد الواحد وجود اتصالات سرية تتم بين مصر و"الدعم السريع" لإنجاح القمة، خاصة وأن قوات الأخيرة تريد أن تصدر رسالة للعالم أنها تؤيد جهود السلام وليست العنصر الرافض له.

وحول ما تملكه القمة من آليات وأدوات للضغط يمكن أن تؤثر على الطرفين وتلزمهما بمخرجاتها، قال إنه رغم أهميتها في مثل هذه الظروف لكنها قد تكون غير مؤثرة، مستشهدًا بالمبادرة الأميركية السعودية التي رآها تعبر عن أكبر دولة في العالم وأغنى دولة بالمنطقة، دون أن تتمكن من ممارسة الضغط على الطرفين لوقف الصراع.

وشدد الخبير الأمني على أن فرص نجاح القمة مرهونة بإرادة سياسية من طرفي النزاع، البرهان وحميدتي بصفة خاصة، بالإضافة إلى موافقة كافة القوى المدنية والحركات المسلحة الأخرى والعمل على إنجاحها وتشجيع الأطراف على استئناف العملية السياسية.

كما حذَّر من أن غياب الإرادة القوية من دول الجوار الجغرافي، وتشكيك كل طرف في الآخر، قد يصلان بالأزمة إلى سيناريو يعزز من فرص تشكيل تحالفات المضادة، وغيره من السيناريوهات المعززة للانقسام.

مسار إثيوبي مخالف

بدوره، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي خيري عمر أن دول الجوار الأربع للسودان (مصر وتشاد وإريتريا وجنوب السودان) لديها خطاب واحد متقارب يرى في استمرار النزاع أثرًا سلبيًا على أمنها الداخلي يتطلب التحوط منه.

وعلى خلاف موقف هذا الرباعي، يعتقد عمر أن إثيوبيا وكينيا، الدولتين اللتين تمثلان ربع عدد أعضاء "إيغاد" تتخذان مسارًا مخالفًا للأزمة، موضحًا فيما يخص الدور الإثيوبي أنه مخالف لدور دول الجوار، ويغذي النزعة الأفريقانية بأن يكون الحل أفريقيًا فحسب، على خلاف مبادرة القاهرة التي تطرح منظورًا عربيًا وأفريقيًا لحلها.

ولم يستبعد أن تطرح إثيوبيا فكرة البحث عن شرعية للدعم السريع خلال القمة، بيد أنه يراها في كل الأحوال لن تمتلك جرأة لطرح مثل هذه الأفكار، محذرًا من أنه في ضوء موقف الإيغاد وإثيوبيا والدور المصري الراهن، يبقى محتملاً أن تفضي الأزمة السودانية إلى تشكيل تحالفات وتكتلات إقليمية مناوئة، خاصة بعد المطالبة بحظر جوي في السودان.

غير أنه استدرك بالقول إنه لو التزمت إثيوبيا وكينيا بموقفهما فلن تلتزم بذات الموقف منظمة الإيغاد، لأن بقية الدول الست ليست في الخندق نفسه، وبالتالي يبقى اجتماع القاهرة الأكثر قبولاً لدى دول الجوار والداخل السوداني أيضًا.

كما أنه لا يتفق مع الرأي القائل إن قوات الدعم السريع لديها رؤية مؤيدة لاجتماع دول الجوار، نظرًا لكون قمة دول الجوار هدفها تثبيت شرعية مجلس السيادة والجيش كممثل وحيد للدولة، وفي الغالب سيتم التمييز بين الجهة الرسمية والجهة المتمردة.

المصدر : الجزيرة