بين الإشادة والعتاب.. كيف يؤثر "الطلاق الشفهي" على العلاقة بين الرئاسة والأزهر بمصر؟

السيسي وشيخ الأزهر
مصدر مسؤول في الأزهر أكد تقدير الرئاسة لشيخ الأزهر كما أكد تمسك الأزهر بموقفه تجاه قضية الطلاق الشفهي (الجزيرة)

القاهرة- يبدو أن قضية الطلاق الشفهي ستعيد الجدل القديم حول العلاقة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب.

فقد أكد السيسي الأسبوع الماضي -خلال احتفالية عن المرأة المصرية التي غاب عنها شيخ الأزهر- أن الحكومة ماضية في إصدار قانون الأحوال الشخصية وأنها لن تمرر "ما يخالف الشرع"، مشيرا إلى أن أي قانون جديد يثير بعض الإشكاليات قبل أن يستقر في المجتمع لاحقا.

ويتضمن القانون المقترح بنودا حول الاعتراف فقط بالطلاق الموثق وعدم الاعتراف بالطلاق الشفهي ما لم يتم توثيقه، وهو ما رفضه الأزهر مرارا، مؤكدا دعمه لتوثيق الطلاق لكن مع الاعتراف أيضا بالطلاق الشفهي وفقا للضوابط الشرعية.

ولم يتسنَّ الحصول على تعليق من المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المستشار أحمد فهمي، لكن مصدرا مسؤولا بمشيخة الأزهر قال للجزيرة نت "إن مؤسسة الرئاسة وباقي مؤسسات الدولة تقدر الأزهر والإمام الأكبر، وإن المشيخة مؤسسة وطنية ضمن مؤسسات الدولة وستشارك في أي نقاش مطروح، لكن موقفها ثابت فيما يخص توثيق الطلاق".

ويرى أكاديمي ومحلل سياسي مصري في حديثه للجزيرة نت أن الاستقطاب السياسي يحمّل العلاقة بين مؤسسة الرئاسة ومشيخة الأزهر أكثر مما تحتمل، مؤكدا وجود مخرج من اختلاف وجهتي النظر الحالية حول توثيق الطلاق، فيما يرى أكاديمي أزهري معارض وجود خلاف حقيقي قد يصل إلى الصدام، وفق رأيه.

وتنص المادة 7 من الدستور المصري على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية"، كما تنص على أن " شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".

موقف الأزهر ثابت والتقدير مستقر

يوضح مصدر مسؤول بمشيخة الأزهر أن للإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب وعلماء الأزهر تقديرهم في كل مؤسسات الدولة، وفي القلب منها مؤسسة الرئاسة، وأن أي نقاشات حالية، سيقدم فيها الأزهر رأيه في حينه ويعلنه للكافة، فهو أحد مؤسسات الدولة المصرية، وهو ما حدث بوضوح عندما أعلن الأزهر موقفه مما تردد حول توثيق الطلاق وإلغاء الطلاق الشفوي.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف المصدر -طلب عدم نشر اسمه- أن علماء الأزهر في مختلف هيئاته لا يعلمون سر الإصرار الرسمي على الاعتراف بالطلاق الموثق فقط، وتجاهل حكم وقوعه شفهيا، وأن هيئة كبار العلماء حسمت الأمر بإجماع أعضائها على اختلاف مذاهبهم وتخصصاتهم في فبراير/شباط 2017، حول وقوع الطلاق الشفوي المكتمل الأركان والشروط، مع ضرورة توثيقه وإصدار تشريع قانوني لمعاقبة المخالفين.

ويتوقع المصدر ألا تغير مشيخة الأزهر رأيها في القضية، قائلا "هذه مسألة دينية بحتة، وإن صدر قانون مخالف لأسس الشرع في الطلاق، فمن أصدره مسؤول عن ذلك أمام الله، والأزهر لن يوافق عليه".

مرونة المشيخة وحكمة الدولة

يرى الأكاديمي المصري وأستاذ العلوم السياسية خيري عمر، أن العلاقة بين مؤسسة الرئاسة ومشيخة الأزهر يتم تناولها بأكثر مما تحتمل، مفسرا ذلك بتأثير الاستقطاب والاصطفاف السياسي، مشيرا إلى أن المواقف بين المؤسستين تأتي في إطار النقاش وعرض الرؤى والتشاور حولها.

ويقول عمر، في حديثه للجزيرة نت، إنه من المستغرب أن يتم بناء مواقف على صورة جزئية ناتجة عن تأويل المشاركة في احتفال ديني، ويتم البناء عليها دون بحث أي موضوع من جوانبه المختلفة، وهي في غالبها اجتهادات فردية يتم إشاعتها عبر وسائل تواصل اجتماعي مجانية وغير مُكلفة أو بعضٍ من الإعلام الخاص، مضيفا "وكثيرا ما فقدت هذه الحملات بريقها في أوقات سابقة، رغم إثارتها منذ سنوات".

ويعتقد أن الدولة لا ترغب في التهوين من شأن الأزهر، ولذلك استمرت في طرح مشروع قانون الأسرة لسنوات للتشاور بين المؤسسات المعنية وأتاحت الفرصة لمشاركتها على قدم المساواة، مؤكدا أن مثل هذه الأمور تظل معالجتها في إطار الجهات المختصة دون إثارتها وتحميلها أعباء أخرى واستغلالها سياسيا.

ولفت إلى أن بقاء مشروع القانون قيد النظر لسنوات يشير إلى إمكانية الوصول لصيغة مناسبة حول أي أمور عالقة أو متوترة داخل أطر الدولة، خاصة أن مشيخة الأزهر لديها مرونة وحكمة كبيرة لتجنب أي صدامات محتملة أو مرغوبة من البعض، متوقعا إمكانية الخروج من اختلاف وجهتي النظر بتكييف الطلاق الشفوي ووضع معايير لثبوته ثم توثيقه رسميا، فالاختلاف هنا لا يتعلق بالإرادة في حل عقدة الزواج، بقدر ما هي عملية تنظيمية لضمان الحقوق وضبط المسؤوليات، وفق اعتقاده.

مواجهة محتملة

في المقابل، يرى الأستاذ بجامعة الأزهر ووكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق جمال عبد الستار، أن السلطة تصر على إلغاء استقلال الأزهر وشيخه، ودفع الطيب للابتعاد تماما عن المشهد بإرادته تحت وقع الضغوط أو التنازل الكامل عن استقلاله ودفاعه عن ثوابت الشرع، وفق رأيه، الذي عادة ما تنفيه السلطات المصرية مرارا وتكرارا، مؤكدة حرصها على استقلال الأزهر.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف عبد الستار أن احتمالات المواجهة والصدام باتت أقرب، مع الحديث عن إلغاء الطلاق الشفوي، بعد أن مدت كل من السلطة ومشيخة الأزهر في أمد البقاء دون حسم للمواقف بينهما.

واعتبر أن ما عرقل أي قرار سلبي تجاه الطيب حتى الآن، هو مكانة شيخ الأزهر بين المسلمين على مستوى العالم ورمزية منصبه الدولية، وحساسية التغيير في منصبه المحصن دستوريا.

إشادة وعتاب وهجوم

وحظي الإمام الأكبر بإشادة رئاسية في وقت سابق، كما نال عتابا من الرئيس المصري وهجوما إعلاميا من المحسوبين على السلطات في أوقات سابقة.

وحرص السيسي على الإشادة بجهود الأزهر والإمام الأكبر في أكثر من مناسبة، ومنها إصدار الأزهر مشروع قانون الأحوال الشخصية في 2019، وجهد المشيخة في تعزيز الحضور المصري والدعوي الإسلامي في دولة مثل أوزبكستان في فبراير/شباط الماضي.

لكن تظل أبرز العبارات التي وردت على لسان السيسي، عتابه الشهير قبل 6 سنوات لشيخ الأزهر على الهواء مباشرة، قائلا "تعبتني يا فضيلة الإمام"، بعد رفض الأخير توثيق الطلاق وإلغاء الطلاق الشفوي.

وفي عام 2018 تابع المصريون مبارزة كلامية غير مباشرة بين السيسي والطيب حول السنة النبوية والتراث الإسلامي التي انحاز لها الطيب، بينما بدا أن السيسي يفتح الباب أمام مناقشتها بدعوى التجديد.

كما تعرض شيخ الأزهر إلى هجوم واسع من الإعلاميين المحسوبين على الدولة أكثر من مرة في السنوات السابقة خاصة في عام 2017، وطالب الإعلامي المقرب من السلطة محمد الباز، باستقالة الإمام الأكبر من منصبه حتى "يريح ويستريح"، وفق تعبيره.

ويرجع البعض توتر علاقة شيخ الأزهر مع السلطات إلى صيف عام 2013 عندما أصدر الطيب بيانا صوتيا عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة يوم 14 أغسطس/آب المؤيد للرئيس الراحل محمد مرسي، أكد فيه عدم علمه بقرار الفض، ومشددا على حرمة الدماء، وأن هناك مفاوضات كادت تنجح لحل الأزمة.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي