في الشوط الأخير للعملية السياسية بالسودان.. ما معايير اللحاق بالاتفاق النهائي؟

الخرطوم – من جديد احتدمت معركة القوائم والتكتلات التي يحق لها التوقيع على الاتفاق النهائي المقرر لحل الأزمة السياسية في السودان والمحدد بالأول من أبريل/نيسان المقبل، تمهيدا لتكوين حكومة انتقالية جديدة تنهي الحكم العسكري وتنتقل بموجبها السلطة كاملة لقيادة مدنية بحلول 11 في الشهر ذاته، وفقا لتصريحات المتحدث باسم العملية السياسية.

وكانت مجموعة من القوى الحزبية والحركات المسلحة قاطعت التوقيع على الاتفاق الإطاري الذي وقع بين القادة العسكريين ونحو 52 من القوى المدنية والسياسية في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد رفض ائتلاف الحرية والتغيير ضم الكتلة الديمقراطية للاتفاق، والإصرار على أن توقع اثنين من حركات دارفور فقط -العدل والمساواة وتحرير السودان- بعيدا عن الكتلة التي تضم نحو 16 تنظيما.

ومع تزايد الضغوط على القوى المدنية بضرورة توسيع قاعدة المشاركة بما يضمن تشكيل حكومة متفق عليها، قبِل ائتلاف الحرية والتغيير بدخول قوى جديدة تمثل شرق السودان ودارفور وكيانات أهلية، لكنه يمانع حتى الآن إشراك جماعات أخرى منضوية تحت لواء الكتلة الديمقراطية بذريعة مناصرتها لإجراءات قائد الجيش الذي أطاح بالحكومة المدنية في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وفي هذا التقرير تسعى الجزيرة نت للإجابة عن أبرز التساؤلات المتعلقة بالاتفاق النهائي.

  • كيف تبدو تقسيمات القوى الرافضة والمؤيدة للعملية السياسية؟

على النسخة الموقّعة من الاتفاق الإطاري، تُركت أماكن شاغرة خصصت لأحزاب وقوى سياسية لم توقع على الاتفاق، لكنها ما تزال أطرافا متفقا عليها لتكون جزءا من العملية السياسية النهائية، بينها: حزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الناصري، وحركة وجيش تحرير السودان قيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، فضلا عن قوى مهنية ونقابية أخرى.

وتحظى العملية السياسية بتأييد أحزاب رئيسية في الحرية والتغيير يتقدمها: الأمة القومي، والمؤتمر السوداني، والتجمع الاتحادي، وفصيل من تجمع المهنيين، والحزب الوطني الاتحادي، علاوة على قوى تمثل الجبهة الثورية أهمها: "حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي" بقيادة الهادي إدريس، وتجمع قوى تحرير السودان برئاسة الطاهر حجر، والحركة الشعبية بقيادة مالك عقار، والحركة الشعبية التيار الثوري الديمقراطي بقيادة ياسر عرمان، بالإضافة إلى مؤتمر البجا وآخرين.

في الجانب الآخر الرافض لدخول العملية السياسية تقف الكتلة الديمقراطية التي انقسمت غالب مكوناتها عن الحرية والتغيير وتضم 16 تنظيما وكيانا، بينها أطراف اتفاق السلام أبرزها: العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان قيادة مني أركو مناوي، وحركة تحرير السودان بقيادة مصطفى تمبور، والجبهة الثالثة "تمازج" بقيادة محمد علي قرشي، وكيان الشمال الحركة الشعبية بقيادة خميس جلاب، والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، حركة تحرير السودان بقيادة محمد شاكوش، و"الحزب الاتحادي – الجبهة الثورية".

أما القوى السياسية في الكتلة الديمقراطية فيمثلها: الحزب الاتحادي الأصل، التحالف الديمقراطي للعدالة، مضافة إليهما كيانات أهلية وأجسام مطلبية.

  • ما الأسس والمعايير التي تحدد الانضمام للاتفاق الإطاري؟

اتفقت القوى المدنية والعسكرية منذ الإطاحة بحكومة الرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان 2019 على أن ائتلاف الحرية والتغيير يمثل قوى الثورة التي ناضلت لإسقاط النظام السابق، وبالتالي هي صاحبة الحق في الالتحاق بالاتفاق الإطاري، وفقا لتأكيدات القيادي في التحالف محمد عبد الحكم، قائلا للجزيرة نت إنه المعيار الأساسي الذي كفل لها التوقيع على الاتفاق.

يلي ذلك -وفقا لعبد الحكم- ما يسمى بقوى الانتقال، وهي ليست جزءا من التحالف لكنها اتخذت موقفا رافضا لإجراءات الجيش في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهنا يبرز فصيل من حزب المؤتمر الشعبي وفصيل من الحزب الاتحادي الأصل بزعامة الحسن الميرغني.

وتحل ثالثا قوى السلام، وهي الحركات التي وقعت اتفاقا مع الحكومة الانتقالية في جوبا أواخر العام 2020، وألحقت بها كذلك الأطراف التي وقعت على اتفاقيات سلام مع الحكومة السابقة، ممثلة في التجاني سيسي الذي شارك في اتفاق الدوحة للسلام لإنهاء الحرب في دارفور عام 2011.

ووفق المحلل السياسي عثمان فضل الله، فإن قوى أخرى أضيفت بطلب من بعض دول الإقليم بغرض توسيع المشاركة، بينها الاتحادي الأصل بقيادة محمد عثمان الميرغني الذي أُلحق لإرضاء القاهرة باعتباره حليفها الإستراتيجي، وفق وصفه للجزيرة نت.

وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2022 طرح ائتلاف الحرية والتغيير رؤيته حول أسس ومبادئ الحل السياسي المفضي لإنهاء الانقلاب، متناولة أطراف العملية السياسية وأدوارها، حيث سمت قوى الثورة المناهضة لانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول وهي: الحرية والتغيير، والقوى السياسية، وحركات الكفاح المسلح، ولجان المقاومة، وتجمع المهنيين والأجسام النقابية، والمجتمع المدني الديمقراطي، ومنحتها حق اختيار رئيس الوزراء.

كما حددت الرؤية "قوى الانتقال" بأنها الموقعة على الإعلان السياسي وشاركت في مشروع الدستور الانتقالي المعد بواسطة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، ومنحتها الحق في أن يتشاور معها رئيس الوزراء خلال سعيه لتكوين السلطة التنفيذية، واستثنت هنا حركات مسلحة أيدت إجراءات الجيش لاستصحابها في العملية، وذلك من منطلق أن اتفاق السلام الموقع مع هذه الحركات يمثل قضية إستراتيجية.

  • من هم المرفوضون؟

يقول الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي الموحد محمد الهادي محمود، إن الجهات المعادية للثورة التي ارتبطت بالنظام المخلوع ولا تزال تحاول إرجاع عقارب الساعة للوراء، لا يمكن إضافتها للعملية السياسية، علاوة على مكونات أيدت إجراءات 25 أكتوبر/تشرين الأول ولا تزال مرتبطة به رغم أن الانقلابيين وقعوا على خروجهم من المشهد السياسي، لكن لا يزال هؤلاء يصرون على وجود العسكر في السلطة خلال الفترة الانتقالية، مضيفا للجزيرة نت "لا يمكن أن يؤتمنوا على التحول الديمقراطي وعليهم انتظار الانتخابات".

بدوره، يوضح المحلل السياسي عثمان فضل الله أن "خارطة القوى المشاركة موضوعة منذ فترة طويلة وتشمل القوى المصنفة وسطية وتستبعد قوى اليسار، والبعث، والشيوعي، والمؤتمر الوطني".

  • ما موقف الكتلة الديمقراطية المبعدة من الاتفاق؟

يؤكد المتحدث باسم الكتلة محمد زكريا أن قائمة الاتفاق الإطاري حددها المجلس المركزي للحرية والتغيير وفقا لمعاييره الخاصة، حيث شملت 18 تنظيما من التحالف، بينما وجهت الدعوات لـ4 تنظيمات فقط من الكتلة الديمقراطية للمشاركة في العملية السياسية "دون مبررات أو معايير"، وفق اعتقاده.

ويوضح زكريا للجزيرة نت أن المجلس المركزي احتكر سلطة تحديد الأطراف ورفض تعديل القائمة بمبررات واهية، بينها عدم إغراق العملية السياسية على الرغم من أن عدد من الموقعين على الإطاري سقطوا مع نظام البشير في 2019.

وتمنح القائمة بشكلها الحالي كما يشير المتحدث، المجلس المركزي الأغلبية المطلقة والسيطرة الكلية على آلية اتخاذ القرار، وذلك في كافة القضايا المتعلقة بتحديد الهياكل التنفيذية وتسكينها وأمد وبرامج الفترة الانتقالية، مضيفا "باختصار هو احتكار كامل للعملية السياسية مع تمثيل ترميزي وصوري للآخرين، وكل ذلك بموافقة المكون العسكري والآلية الثلاثية".

  • هل تنجح التفاهمات في ظل ابتعاد قوى أساسية؟

وفقا للمتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، فإن اليوم الأول من أبريل/نيسان القادم سيشهد التوقيع على الاتفاق النهائي بين العسكر والقوى المدنية التي انضمت للاتفاق الإطاري، على أن يجري في السادس من الشهر نفسه التوقيع على الدستور الانتقالي، ليتم في 11 من ذات الشهر تشكيل الحكومة المدنية واستلام مقاليد الحكم من العسكر، وهي المواقيت التي جرى تحديدها بتوافق المدنيين والعسكريين وأطراف دولية مهمة.

وتتباين الرؤى حيال احتمالات نجاح العملية السياسية حال مضت بشكلها الحالي بدون اكتراث لرافضيها، وتعليقا على ذلك يقول المتحدث باسم الكتلة الديمقراطية محمد زكريا إن أي عملية سياسية تقوم على روافع الإقصاء والاحتكار لن تنتج انتقالا ناجحا ومستداما لطغيان الأجندة الحزبية للمركزيين عليها ولن تصمد أمام معارضة الكتلة الديمقراطية والحزب الشيوعي وحزب البعث والتيار الجذري وقطاع عريض من القوى السياسية والمدنية والمجتمعية ولجان المقاومة وستنتهي إلى الإخفاق.

وأضاف أن "الشراكة السابقة إبان حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك تأسست على قاعدة حزبية ومدنية أعرض، ورغم ذلك واجهتها تحديات، وموقعو الإطاري أنتجوا شراكة بقاعدة ضيقة جدا مما يعزز فرضية الفشل".

لكن القيادي في الحرية والتغيير محمد عبد الحكم يبدي ثقته في أن العملية السياسية تمضي بثبات ونجاح خاصة بعد التوافق على تواريخ محددة لإنهاء الحكم العسكري وتسليم السلطة لقيادة مدنية، لافتا إلى أن التفاهمات حول المصفوفة الزمنية جرت بحضور أطراف دولية مهمة علاوة على القادة العسكريين والمدنيين.

ويتفق في ذلك الصحفي والمحلل السياسي عثمان فضل الله، قائلا للجزيرة نت إن الخيارات أمام قادة حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان محدودة، كما يلفت إلى أن نجاح المعادلة وإخفاقها رهينان بموقف الجيش الذي أكد قادته خلال الساعات الماضية أنهم أقرب للوقوف خلف العملية السياسية الجارية.

ويشير إلى أن المشروع صممته دول الإقليم والغرب بشكل كامل ويتم الآن الضغط على القوى السياسية للالتزام به وتنفيذه، لأن الدولة المنشودة في السودان دولة بمواصفات محددة تكون موالية للغرب بشكل كامل، ويتابع "لهذا مناوي وجبريل لا يستطيعون الوقوف أمام قاطرة بقوة دفع دولية وإقليمية".

ويرى فضل الله إن صعود العملية السياسية مشروط بالدعم الاقتصادي للحكومة المقبلة وحال توفره ستنجح مهما كانت التيارات المناهضة باعتبار أن الاقتصاد هو العامل الحاسم الآن.

غير أن القيادي بالكتلة الديمقراطية مبارك أردول يستبعد مضي الانتقال السياسي في غياب الكتلة الديمقراطية، ويقول للجزيرة نت إن الكتلة "ليست سهلة التجاوز وتعتبر جزءا وازنا من التنظيمات السياسية التي وقّعت على اتفاق السلام في السودان ولديها ارتباطات إقليمية ودولية".

  • أين المخرج؟

من وجهة نظر محمد زكريا، فإن الحل يكمن في تحرير العملية السياسية من قيود الاحتكار ليكون السودانيون شركاء في اتخاذ القرار وفي تشكيل مشهد الانتقال، والاتفاق على برنامج حد أدنى يؤسس لحكومة عريضة القاعدة محدودة البرامج تنفذ السلام وتستكمله، وتعالج قضايا المعاش وتقابل مطلوبات إجراء الانتخابات.

ويتحدث الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي محمد الهادي محمود للجزيرة نت عن ضرورة مراعاة المكونات السياسية والمدنية والمجتمعية التي تمثل أطراف العملية السياسية، خاصة بعد الثورة التي حصدت إعجاب العالم بما يمهد لخروج العسكر من السلطة وتكوين حكومة مدنية خالصة تقود الفترة الانتقالية إلى انتخابات حرة ونزيهة وصناعة دستور دائم.

المصدر : الجزيرة