مراسل الجزيرة نت في تركيا يروي مكابدته وأسرته إثر الزلزال المدمر

HATAY, TURKEY - FEBRUARY 08: People gather around collapsed buildings on February 08, 2023 in Hatay, Turkey. A 7.8-magnitude earthquake hit near Gaziantep, Turkey, in the early hours of Monday, followed by another 7.5-magnitude tremor just after midday. The quakes caused widespread destruction in southern Turkey and northern Syria and were felt in nearby countries. (Photo by Burak Kara/Getty Images)
مبان منهارة بعدما ضرب زلزال قوته 7.8 درجات بالقرب من غازي عنتاب (غيتي)

غازي عنتاب -رغم مشاهد الموت والدمار التي عاصرتها في سوريا على مدى 10 سنوات خلت، فإن اللحظات والساعات القليلة الماضية ربما هي الأقسى والأشد تأثيرا في النفوس، فطالما كنا في الجزيرة نت نصنع الخبر، ونروي قصص سوريا والسوريين، لكننا أصبحنا اليوم نحن الخبر والشاهد على محنة إنسانية جمعت السوريين والأتراك.

يقول مراسل الجزيرة نت في غازي عنتاب جنوبي تركيا عمر يوسف إنه في فجر الاثنين الماضي عايش وأسرته "أهوال يوم القيامة"، حيث استفاق مذعورا على اهتزاز المنزل جراء زلزال تبيّن لاحقا أنه مدمر وفتك بآلاف المباني والمدنيين من السوريين والأتراك على حد سواء.

يقول يوسف كانت تلك اللحظات والثواني مع اهتزاز الأرض المرعب ربما الأطول وكأنها ساعات وأيام وأشبه بكابوس بدأ ولم ينته بعد، فمع آمال أن تهدأ الأرض خلال بضع ثوان كما حدث في هزات أرضية سابقة، ابتعد هذا الرجاء وطال الوقت كثيرا، مما دفعني إلى إخطار زوجتي بأن تلبس طفليّ النائمين الملابس الشتوية على عجل لمغادرة المنزل سريعا نحو الشارع.

في حديقة قريبة من البناء، تجمّع المئات من الأتراك والسوريين في مشهد مثير للحزن والألم، حيث علا نحيب كبار السن المرتجفين من شدة البرد، وتصاعد بكاء الأطفال المذعورين من المغادرة الطارئة للمنزل قبيل الفجر، وسط تساقط الثلوج وانخفاض درجات الحرارة، حيث ابتعد الجميع عن الأبنية التي أصبحت مصدرا للتهديد بعد أن كانت ملاذا للأمن والاستقرار.

وخلال دقائق من الانتظار، بدأ الكشف عن أن الزلزال كان مدمرا عقب تداول مجموعات واتساب تسجيلات مصورة تظهر تساقط العديد من الأبنية، وتحوّلها إلى حطام فوق رؤوس من لم يتمكن من المغادرة إلى الشارع في الوقت المناسب.

تبعث الرعب في النفوس

كان الشتاء والطقس البارد يزيد المشهد سوءا وقتامة، وكانت وجوه الناس يتطاير منها القلق والمخاوف، في وقت كانت فيه أصوات سيارات الإسعاف وفرق الإطفاء التي تتجول في أرجاء المدينة تبعث الرعب في النفوس.

بعد انتظار أكثر من ساعتين في الحديقة العامة وسط طقس شديد البرودة، بدأ تداول تحذيرات من موجات ارتدادية متلاحقة للزلزال المدمر من الجوار ومسؤولي الإنقاذ والمنظمات الإنسانية، داعية الأهالي إلى عدم العودة إلى المنازل المتضررة.

في هذه الأثناء -يقول يوسف- توجهت مع أسرتي لإحدى صالات البلدية التي كانت تستقبل الأهالي لتقديم القليل من الحساء والخبز، وشعرنا هنالك بالقليل من الدفء في الوقت الذي كان متعذرا التواصل مع الأهل والأقارب في سوريا وتركيا للاطمئنان عليهم نتيجة الضغط الهائل على شبكة الإنترنت كما بدا لنا.

كانت الأخبار عن الضحايا من السوريين والأتراك والصور والتسجيلات المصورة التي تصلنا، تدمي القلب وتشعر بأن عمرا جديدا كُتب للناجين من الكارثة التي ضربت المنطقة.

صراخ ونحيب بعد هزة جديدة

ويضيف يوسف "لم نكن قد استفقنا من الصدمة لتعاجلنا هزة أرضية جديدة ربما كانت أشد قوة ونحن داخل الصالة حيث تعالت أصوات الصراخ والنحيب، وهرع الجميع إلى مغادرة المكان مجددا نحو الشارع وسط تساقط كثيف للأمطار".

مع الزلزال الجديد، أصبحت فكرة العودة إلى المنزل شبه مستحيلة، وبدأنا رحلة البحث عن مكان إيواء في المدينة المنكوبة. مررنا في الطريق على أبنية سويت بالأرض، وعلى أكوام ركامها بدأت فرق الإنقاذ والكلاب البوليسية المدربة تبحث عن عالقين. الإحساس لوهلة بأنك ربما كنت ستكون مكانهم يجعلك تذرف الدموع عليهم دون أن تعرف من هم.

بعد رحلة طويلة استمرت ساعات، مكثت وأسرتي -يقول يوسف- في صالة عزاء ملحقة بمسجد كانت تستقبل العوائل النازحة من منازلها، لتجمعنا الصالة بالعشرات من السوريين والأتراك الهائمين على وجوههم.

أهوال ورعب وخوف

روى لي السوريون أهوالا من الرعب والخوف من الزلزال، وكيف فقد عدد منهم أقاربهم وأحباءهم على طرفي الحدود في سوريا وتركيا، وتقاسمنا سويا آلامنا ومخاوفنا القادمة، واتفقنا جميعا على أنها أصعب ما مر علينا في سنوات الحرب السورية.

كان المكان آمنا من ردات الزلزال كونه أرضا فارغة، وفكرة الاستعداد للهروب التي كانت تراود الجميع أثناء الزلزال القادم غير المتوقع كانت معالمها واضحة. تقاسمنا في الصالة مع الأسر المنكوبة الطعام والشراب الذي كان يصل من المحسنين وأصحاب الخير لسد الرمق.

افترشنا أرض الصالة بما كان متوفرا من بطانيات لقضاء ليلتنا ونحن مستلقون ونفكر جميعا في فكرة واحدة متى ستكون الهزة الأرضية القادمة؟ وكيف سيكون أثرها؟ وهل ستكون فجرا كما كانت يوم أمس؟

المصدر : الجزيرة