أعلنت دفع 28 مليون يورو لأسر ضحايا عملية ميونخ.. هل فتحت ألمانيا الباب على نفسها لتعويض أطراف أخرى؟

الحكومة الألمانية: تسريب وثائق لأحزاب كبرى ونشرها على الإنترنت
الحكومة الألمانية ستقدم تعويضات لأسر ضحايا عملية ميونخ بقيمة 28 مليون يورو (الجزيرة)

برلين- بعد مضي 50 عاما على عملية ميونخ التي احتجزت فيها منظمة أيلول الأسود إسرائيليين وأسفرت عن مقتل 11 منهم، أعلنت السلطات الألمانية -الأربعاء- عن صيغة توافق مع أسر الضحايا بتقديم تعويضات بلغت 28 مليون يورو تدفعها الحكومة الألمانية وحكومة بافاريا ومدينة ميونخ.

الاتفاق الذي أعلن عنه لم يقف عند دفع التعويضات المشار إليها لأسر الضحايا فحسب، بل تعداه إلى الاتفاق على تشكيل لجنة من المؤرخين الألمان والإسرائيليين الذين يتعين عليهم الاطلاع على وثائق ما زالت سرية لكشف ملابسات عملية احتجاز الرهائن وفشل الشرطة الألمانية في إنقاذهم.

ووصف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الاتفاق بأنه "تعويض لظلم تاريخي"، وعبّر عن امتنانه لألمانيا على هذا الاتفاق.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن هيبيشترايت قوله -في بيان- إن الحكومة الفدرالية ترحب بالاتفاق مع أسر الضحايا، وأن هذا الاتفاق يجب أن "يهيئ الظروف لمقاربة فصل مؤلم من تاريخنا المشترك، للاعتراف به كما ينبغي وإرساء الأسس لثقافة جديدة للذاكرة".

ولإضفاء طابع رسمي على الاتفاق، فقد أعلن الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير ونظيره الإسرائيلي مشاركتهما في حفل يوم الاثنين، لإضفاء الطابع الرسمي على الاتفاقية.

يذكر أن أسر ضحايا عملية ميونخ كانوا قد رفضوا يوم 12 أغسطس/آب الماضي عرضا ألمانيا بـ 12 مليون يورو.

عملية ميونخ

تكاد تكون عملية ميونخ إحدى أكثر القضايا حساسية في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، لا سيما أنها تخص رهائن إسرائيليين، وألمانيا ملتزمة بدفع تعويضات لإسرائيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فيما عرف بالهولوكوست، وهذه العملية التي نفذتها منظمة "أيلول الأسود" التابعة لحركة فتح الفلسطينية في الخامس والسادس من سبتمبر/أيلول عام 1972 في مقاطعة بافاريا لم تتسبب في سقوط ضحايا فحسب، بل إن عملية الاقتحام الفاشلة التي قامت بها الشرطة الألمانية أدت لتلك المجزرة.

كان هدف منظمة أيلول الأسود -كما أعلنت في حينها- أن تقوم باحتجاز رهائن إسرائيليين إبان دورة أولمبياد ميونخ الصيفية، والمطالبة بالإفراج عن 236 أسيرا لدى إسرائيل، فضلا عن إطلاق سراح كوزو أوكاموتو من الجيش الأحمر الياباني.

ويعد أبو إياد الرأس المدبر للعملية مع فخري العمري وأبي داود، وبعد التخطيط للعملية الذي استغرق نحو عام وكانت الخطة تقوم على أن يتسلل الفلسطينيون المهاجمون إلى القرية الأولمبية على أنهم رياضيون، واستطاع الكوماندوز الفلسطيني اقتحام القرية الأولمبية في ميونخ والوصول إلى مقر الرياضيين الإسرائيليين، واحتجز 31 إسرائيليا.

وقد خاض الخاطفون مفاوضات مع السلطات الألمانية وباءت بالفشل بعد أن رفضوا أي فدية مالية، واشترطوا أن تؤمن السلطات الألمانية طائرة لنقلهم مع الرهائن إلى القاهرة.

وقد قامت طائرتان مروحيتان ألمانيتان بنقل الفلسطينيين والرهائن إلى مطار فورستنفيلدبروك، حيث كان التخطيط لتنفيذ عملية اقتحام وتحرير الرهائن، إلا أن العملية أسفرت عن مقتل 11 رياضيا إسرائيليا و5 من الخاطفين وشرطي وطيار ألمانيين، واعتقل 3 من الخاطفين.

تسوية سياسية

الجزيرة نت سألت خبير القانون الدولي طارق شندب عن الاتفاق الحاصل بين الحكومة الألمانية وأسر الضحايا، فقال إن التعويض الذي تم بين ألمانيا وأسر الضحايا يأتي في سياق ترضية سياسية، فالعملية الفاشلة كانت نتيجة تخطيط فاشل من الشرطة الألمانية التي أوهمت الخاطفين أن طلباتهم مجابة، كما رأت إسرائيل وقتذاك.

وأضاف شندب أن ما حصل من وجهة القانون الدولي هي تسوية سياسية، لأنه ليس هناك أي دعوة مقامة من قبل إسرائيل ضد الحكومة الألمانية، وأن المبلغ المدفوع لم يأت من قرار قضائي، فقد سبق أن عرضت الحكومة الألمانية 5 ملايين دولار ورفضت إسرائيل ذلك، مشيرا إلى أن السياسيين الألمان يحرصون على إرضاء إسرائيل.

هل أغلق ملف التعويضات؟

من جانبه، قال أستاذ القانون الدستوري محمود سليمان للجزيرة نت إن ملف التعويضات لا يبدو أنه أغلق، فثمة أطراف أخرى تعمل على فتح ملف التعويضات وربما حل مشكلاتهم الاقتصادية على حساب الاقتصاد الألماني.

وأشار إلى أن الحكومة البولندية قدرت حجم التعويضات التي تطالب ألمانيا بدفعها تعويضا عن خسائرها في الحرب العالمية الثانية ومقتل 5.2 ملايين مواطن بولندي.

وقد طالب ياروسلاف كاتشينسكي نائب رئيس الوزراء رئيس حزب القانون والعدالة الحاكم بدفع الحكومة 1300 مليار يورو، مما دفع المتحدث باسم الحكومة الألمانية إلى القول إن الحديث عن التعويضات انتهى.

وأكد سليمان أن التعويضات التي أقرّت -ولم تأت في سياق قانوني- ستفتح شهية دول أخرى ترى أنها تأذت من الحقبة النازية.

المصدر : الجزيرة