محرقة اللطرون.. هل يمكن لمصر مقاضاة إسرائيل دوليا؟

في قرية اللطرون مات الجنود المصريون حرقا بأيدٍ إسرائيلية وهم أحياء.

مقبرة جماعية في منطقة اللطرون غربي القدس تحتوي على رفات 80 جنديًا مصريًا شاركوا في حرب يونيو 1967
مقبرة جماعية في منطقة اللطرون غربي القدس تحتوي على رفات 80 جنديا مصريا شاركوا في حرب يونيو/حزيران 1967 (مواقع التواصل)

القاهرة –هل يمكن لمصر مقاضاة إسرائيل دوليا؟ هكذا يتساءل مصريون إثر ما كشفته الصحافة الإسرائيلية حول مقبرة جماعية دفن فيها جنود مصريون أُحرقوا أحياء قرب مدينة القدس في أثناء حرب 1967.

وطالبت مصر السلطات الإسرائيلية بإجراء تحقيق كامل وشفاف بشأن القضية، وأعلنت وزارة الخارجية المصرية أنها كلفت سفارتها في تل أبيب بمطالبة إسرائيل بفتح تحقيق لاستيضاح مدى مصداقية هذه المعلومات وإفادة السلطات المصرية بشكل عاجل بالتفاصيل ذات الصلة.

وقال مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية يائير لبيد -في بيان- إنه أوعز إلى سكرتيره العسكري ببحث هذه القضية "بشكل جذري واطلاع الجهات المصرية على المستجدات".

وأشار البيان إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثار هذه القضية في اتصال هاتفي مع لبيد.

من جهته، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية إن لبيد أكد أن إسرائيل ستتعامل مع القضية بكل إيجابية وشفافية بالتنسيق مع السلطات المصرية.

وفي اتصال هاتفي، بحث وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قضية المقبرة الجماعية مع مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل، وأكد غانتس أن "المؤسسة الأمنية ستنظر بهذا الموضوع باحترام كبير"، وفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

الجنائية الدولية

في هذا السياق، طالب الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري، الخارجية المصرية بتقديم شكوى عاجلة ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.

وقال بكري في تدوينة له "كانوا أبطالا شرفاء، لكن العدو تعمد قتلهم ودفنهم دون حتى إبلاغ السلطات المصرية، مخالفا بذلك اتفاقية جنيف والقوانين الدولية المتعلقة بمعاملة الأسرى".

وأكد أن مصر لن تسكت عن دماء أبنائها ولا يجب أن تصمت تجاه هذه الجريمة البشعة، ويجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة البشاعة الصهيونية، وفق قوله.

وحول حق مصر في مقاضاة إسرائيل دوليا، يقول عصام زناتي أستاذ القانون الدولي ونائب رئيس جامعة أسيوط السابق، إنه من الناحية القانونية فإن جريمة قتل وحرق جنود مصريين من قبل الإسرائيليين ودفنهم بالجرافات من دون الإعلان عن وجود مقبرة، هي جريمة حرب بلا شك، وجريمة ضد الإنسانية ولا تسقط بالتقادم.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف زناتي أن إسرائيل ارتكبت جريمة حرب وفق اتفاقيات جنيف الأربعة الخاصة بالحرب ومعاونة المدنيين تحت الاحتلال.

وأوضح خبير القانون الدولي أن المُساءلة الدولية تكون وفق اتفاقيات جنيف، لكن لا يمكن التعويل على المحكمة الجنائية الدولية لأنها لا تنظر في الجرائم التي وقعت قبل بدء عمل ميثاق روما الذي وُقّع عام 1998؛ وهو الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، كما لم تدخل حيز التنفيذ سوى في بداية الألفية الجديدة.

وأكد أن هذا السبب يمنع مصر من تحريك الدعوة تجاه المحكمة الجنائية الدولية، ولكن تبقى هناك المسؤولية الدولية، وفق القانون الدولي الابتدائي واتفاقيات جنيف.

وأشار إلى أن مساءلة الجناة وإنزال العقاب من صميم القانون الدولي، ومصر من حقها في إطار دعوى المسؤولية الدولية أن تطالب إسرائيل بكشف الحقائق عن الحادث، والتعويض الملائم للدولة والضحايا.

وأشار إلى أن الجزاء في القانون الدولي يعني أن الدولة مسؤولة عن الأشخاص الذين يتصرفون باسمها وعن كل ما يرتكبونه من أفعال وفقا لقواعد المسؤولية الدولية، فالدولة هنا تسأل ومن الممكن أن يترتب على هذه المسؤولية تعويض أدبي أو أن تقدم اعتذارا للدولة والشعب، أو تدفع تعويضا ماليا لأهالي الضحايا.

واستدرك بالقول "لكن مع كل ذلك وبحسب التجربة والتاريخ، لا تحسم هذه المسائل دائما بالقانون الدولي، بل تتوقف على مدى استجابة الأطراف".

تفاصيل الجريمة

وكانت صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس" الإسرائيليتان نشرتا تحقيقين من مواد أرشيفية ومقابلات مع سكان، تروي وقائع دفن عشرات من الجنود المصريين في مقبرة جماعية بدون علامات؛ في مخالفة لقوانين الحرب، وسط تقديرات لعددهم تصل إلى العشرات، وذلك بالقرب من قرية اللطرون بين القدس وتل أبيب، بعد أن حُرقوا أحياء في أثناء حرب 1967.

وقال الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان -في سلسلة تغريدات على تويتر- إنه "بعد 55 عاما من الرقابة الشديدة، يمكنني الكشف عن أن ما لا يقل عن 20 جنديا مصريا أحرقوا أحياء ودفنهم الجيش الإسرائيلي في مقبرة جماعية، ولم يتم وضع علامات عليها، ومن دون تحديد هويتهم، مخالفا قوانين الحرب، في اللطرون قرب القدس".

ووفق التحقيقات الصحفية، فإن وحدة من رجال الصاعقة المصرية تتألف من حوالي 100 جندي من "الكتيبة 33" انضمت إلى فيلق أردني تمركز في جيب اللطرون بالضفة الغربية، إذ خططت مصر للاستيلاء على قواعد جوية في 3 مناطق إسرائيلية؛ وذلك قبل أن يأمر قائد "اللواء 4" الإسرائيلي بالاستيلاء على جيب اللطرون، وأسفر القتال في اليوم الثاني من الحرب عن مقتل حوالي 80 مصريا حرقا بقنابل النابالم الفوسفورية، وفق ما ذكرته صحيفة هآرتس.

أما يديعوت أحرونوت، فقالت إن بعض الجنود المصريين نجحوا في الفرار، قبل أن تشتعل النيران بفعل القصف الإسرائيلي للمنطقة، وقد لقي نحو 20 جنديا مصريا حتفهم بعد أن احترقوا أحياء.

وفي اليوم التالي، حفر الجيش الإسرائيلي مقبرة كبيرة دفعوا فيها الجثث بما فيها المحترقة وغطوهم بالتراب، من دون أي علامات تشير إلى وجود مقبرة، وبعد ذلك بُني فوقها كراج للسيارات ثم حديقة سياحية.

نكسة 1967

اكتشاف مقابر جماعية لجنود مصريين تم دهسهم أحياء وإطلاق النار عليهم وهم عزل، ليس أمرا جديدا على ذاكرة المصريين، فالانسحاب غير المخطط من سيناء في حرب 1967 دفع ثمنه آلاف الجنود الذين وجدوا أنفسهم في قلب الصحراء بلا عتاد ولا مداد ولا غطاء جوي، فكانوا فريسة سهلة لقوات الاحتلال الإسرائيلي.

والهزيمة التي تحولت لاحقا إلى نكسة، دفعت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى إعلان التنحي قبل أن يعود للسلطة مجددا، وذلك إثر مظاهرات شعبية، اختلف المؤرخون والسياسيون في وصفها بالعفوية أو المدبرة.

كما أسفرت الهزيمة عن إقالة قائد الجيش المشير عبد الحكيم عامر صديق عبد الناصر المقرب ومعه أبرز قادة الجيش، ثم توفي عامر بعدها بأشهر قليلة، في واقعة اختلفت التفسيرات حولها ما بين الانتحار وفق الرواية الرسمية، أو القتل وفق أنصار عامر.

ورغم فداحة الهزيمة وما تركته من ندوب غائرة في الذاكرة المصرية، لكن عدد المفقودين في نكسة 1967 غير محدد، حيث قدرت الخسارة في الأرواح من قبل بعض الهيئات الدولية ما بين 9 آلاف و15 ألف جندي  قتلوا أو فقدوا.

والعام الماضي، نقلت صحيفة الوطن المصرية عن العقيد رجائي رشاد توفيق -أحد الأسرى فى حرب 1967- قوله "كانوا يقتلوننا بالرشاشات، ويضعون رأسنا تحت أسلاك شائكة".

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + وكالات