انطلاق الحوار المباشر في السودان.. لماذا غابت أطراف رئيسية؟

غياب قوى رئيسية عن طاولة الحوار الذي بدأ اليوم الأربعاء يهدد فرص نجاحه بقوة، فمن جلسوا قبالة اللجنة العسكرية كانوا حلفاءها من الحركات المسلحة والكيانات التي أيدت الانقلاب على الائتلاف الحاكم السابق.

Meeting of representatives of the tripartite mechanism in Khartoum
الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر (يمين) مشاركا في الحوار (الأناضول)

الخرطوم – قبل ساعات من انطلاق الحوار المباشر الذي تسيره الآلية الثلاثية -الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد" (IGAD)- لتجسير الهوة بين الأطراف السودانية، والذي بدأ أعماله اليوم الأربعاء، ظهر رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان مخاطبا السودانيين، وحاثا الأطراف ذات الصلة على المشاركة في الحوار بوصفه فرصة تاريخية لإكمال المرحلة الانتقالية.

والخطاب المفاجئ للبرهان -والذي تم الإعلان عنه قبل نحو نصف الساعة من موعد بثه- تميز بلغة تصالحية ودعوات للتسامي فوق الخلافات مع تعهد المؤسسة العسكرية والتزامها بإنفاذ مخرجات الحوار، لكنه كرر في الوقت ذاته موقفه المعلن بأن تسليم السلطة وابتعاد العسكر عن السياسة رهين بوصول الأطراف السودانية لتوافق أو إجراء انتخابات، وهو ما ترفضه الهيئات التي تقود الاحتجاجات في الشارع منذ 7 أشهر للمطالبة برحيل العسكر عن السلطة وتسليمها لحكومة مدنية.

ولم تحظ دعوات البرهان بأي تجاوب من القوى السياسية الرافضة للمشاركة في الحوار المنظم من قبل الآلية الثلاثية، إذ شهدت الجلسة الافتتاحية التي التأمت اليوم الأربعاء غيابا كاملا للأطراف المعنية بالحوار، والتي تضم لجان المقاومة وتحالف الحرية والتغيير وحزب الأمة الذي وصلته دعوة منفصلة مع أنه جزء من الائتلاف، وبدت الجلسة الافتتاحية بصورة وصفت بأنها فاترة قبل أن يتم إغلاق المشاورات.

Meeting of representatives of the tripartite mechanism in Khartoum
فولكر (وسط): هناك إجماع عام وسط المشاركين على أن الأحزاب التي اعتذرت تمثل أصحاب مصلحة حقيقية (الأناضول)

وتوترت الأوضاع السياسية في السودان منذ إعلان البرهان إجراءات استثنائية يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنهى بموجبها الشراكة مع الحرية والتغيير- الائتلاف الحاكم، وفرض الطوارئ، كما اعتقل وزراء وقادة حزبيين، وأوقف كذلك رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي قرر لاحقا الاستقالة من منصبه في أعقاب تعذر التوافق بين الأحزاب السياسية التي رفضت العودة مجددا للشراكة مع العسكر والتي رفعت كذلك سقف مواقفها برفض الجلوس للتفاوض معهم ووصفهم بمنزوعي الشرعية.

ومع استمرار التصعيد في الشارع وتزايد العنف ضد المحتجين السلميين بسقوط عشرات القتلى وآلاف الجرحى، تضاعف الضغط الدولي على حكومة البرهان لإجبارها على التوصل لاتفاق يفضي لتكوين حكومة مدنية ويؤسس لانتقال سلمي ديمقراطي، وقبل ذلك وقف العنف والانتهاكات ضد المتظاهرين، وهو ما لم يتحقق بوصول الضحايا إلى 100 قتيل، بينهم 16 طفلا، علاوة على 5 آلاف مصاب، حسب إحصاءات طبية غير رسمية.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أطلق مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس عملية سياسية في محاولة لإنهاء الوضع المأزوم، وتطورت العملية لتصبح تحت رعاية الآلية الثلاثية بإضافة شركاء قاريين (الاتحاد الأفريقي وإيغاد)، وهو ما يعكس -حسب فولكر- اهتمام العالم بألا يتركوا السودانيين وحدهم في مسيرة تحقيق أهداف الحرية والسلام والعدالة.

ويقول بيرتس -في مقال كتبه عشية إطلاق الحوار المباشر- إن العملية السياسية الحالية لا تهدف إلى خدمة أهداف الإفلات من العقاب أو غض الطرف عما تم ارتكابه من جرائم وانتهاكات. ويضيف "مواضيع العدالة والعدالة الانتقالية مطروحة في أجندة العملية".

Meeting of representatives of the tripartite mechanism in Khartoum
(من اليمين) الفريق إبراهيم جابر والفريق محمد حمدان دقلو والفريق شمس الدين الكباشي في جلسة الحوار (الأناضول)

غياب يهدد الحوار

يهدد غياب القوى المؤثرة عن طاولة الحوار، الذي بدأ اليوم الأربعاء، فرص نجاحه بقوة، فمن جلسوا قبالة اللجنة العسكرية كانوا حلفاءها من الحركات المسلحة والكيانات التي أيدت الانقلاب على الائتلاف الحاكم السابق، كما ظهر بين المشاركين قيادات المؤتمر الشعبي والاتحادي الديمقراطي "الأصل"، علاوة على التجاني السيسي وميادة سوار الذهب من تحالف البرنامج الوطني، وجميع هذه القيادات والكيانات كانت تشارك في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير؛ وهذا ما يجعل الممانعين يتمسكون بمقاطعة الحوار باعتبار أن واجهات النظام السابق يجب ألا تُشرَك في العملية السياسية التي ينبغي حصرها في مرحلتها الأولى بين أطراف الأزمة الحالية، وهم العسكريون وحلفاؤهم من جهة، وائتلاف الحرية والتغيير ولجان المقاومة من الجهة الأخرى.

وفي لقاء تلفزيوني خلال مايو/أيار الماضي، شدد مبعوث الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد لبات على ضرورة مشاركة القوى المتحالفة مع النظام السابق في المرحلة الانتقالية، وقال إن الوضع السياسي في السودان تغيّر الآن منذ الإطاحة بالنظام السابق عام 2019، وسبق لقوى الحرية والتغيير أن اعترضت على هذا المقترح باعتباره استجابة لرغبة المكون العسكري في إشراك قوى سياسية داعمة لاستمراره في السلطة.

ويقول القيادي بمجموعة الميثاق الوطني علي عسكوري إن الأحزاب الرافضة للحوار تحاول فرض أجندتها على السودانيين، كما يرى أن المظاهرات التي تخرج في الخرطوم لا تمثل كل السودان، متوقعا -في حديث للجزيرة نت- تشكيل لجنة لإلحاق الممانعين، خاصة أن الجلسة التي عقدت اليوم كانت إجرائية لترتيب الأجندة.

رئيس حزب الأمة المكلف اللواء فضل الله برمة عزا مقاطعة حوار الآلية إلى الحرص على جمع الصف الوطني (مواقع التواصل)

إنهاء الانقلاب

وحسب رؤية تحالف الحرية والتغيير التي سلمت للآلية الثلاثية هذا الأسبوع، فإن الضرورة تقتضي تهيئة المناخ بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإيقاف العنف ضد المتظاهرين قبل الحوار المباشر، كما تنص الرؤية على أن الهدف من العملية هو إنهاء الانقلاب والتأسيس لمسار تحول مدني ديمقراطي في حكومة تكونها قوى الثورة، ومن ثم الحوار الدستوري الذي يعني المشاركة الواسعة لكل القوى السياسية قبل إجراء الانتخابات.

أما رئيس حزب الأمة فضل برمة ناصر، فأكد التزام حزبه بقرار مؤسساته والحرية والتغيير بعدم المشاركة في جلسات الحوار المباشر، حرصا علي وحدة الصف الوطني والسعي للوصول إلى حلول ذات مصداقية تؤدي إلى حل الأزمة الوطنية، لا إلى تعقيدها.

وخلال الجلسة الافتتاحية، قال ولد لبات إن الحضور بشكله الحالي لن يقود إلى الحل المطلوب، في إشارة إلى غياب أطراف الأزمة عن الطاولة، وهو ما عده مراقبون نعيا مبكرا للحوار بشكله الراهن.

وقالت مصادر -للجزيرة نت- إن جلسة المحادثات المغلقة شهدت نقاشا مكثفا حول الأجندة وكيفية إلحاق الممانعين وآليات الحوار، حيث جرى اتفاق على أن تتولى الآلية الثلاثية إدارة الحوار لحين الاتفاق على آلية وطنية.

وأفادت بأن نقاشا دار حول ضرورة التواصل مع الرافضين، وهو ما أكده فولكر بيرتس في نهاية الجلسات المغلقة، وقال للصحفيين "هناك إجماع عام وسط المشاركين في الاجتماع التحضيري على أن الأحزاب التي اعتذرت تمثل أصحاب مصلحة حقيقية ووجودهم مهم، سنسعى في الآلية في التواصل معهم".

وأوضح إبراهيم جابر أن المشاركين اتفقوا على رفع أسماء لاختيار 6 منهم لتشكيل الآلية الوطنية لإدارة الحوار، كما تقرر تعليق الجلسات حتى الأحد المقبل.

المصدر : الجزيرة