هجوم روسيا على أوكرانيا يتشابك مع صراع ديني بين الأرثوذكس

بوتين يقدم الزهور للبطريرك كيريل خلال حفل في نوفمبر/تشرين الماضي لتسليمه وسام القديس أندرو الرسول (رويترز)

يقول ديفيد إغناتيوس الكاتب بواشنطن بوست الأميركية (The Washington Post): إذا كان الهجوم الروسي على أوكرانيا يبدو أحيانا وكأنه حرب دينية مستعصية على الحل، فذلك لأنه متشابك جزئيا مع حرب مريرة بين الطوائف الأرثوذكسية للسيطرة داخل المجتمع الأرثوذكسي ظلت مستعرة منذ سنوات.

وأوضح في مقال أن هذه المعركة بين الطوائف لها عناصر نزاع عائلي. فقد تأسست الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في كييف عام 988، ثم انتقلت إلى موسكو، التي تؤكد هيمنتها منذ ذلك الحين. وعندما سعى بعض الأرثوذكس فترة ما بعد احتجاجات كييف عام 2015 للحصول على وضع مستقل عن موسكو (في مصطلحات الكنيسة المعروفة باسم "الاستقلالية" أو "العقلانية") رفض البطريرك كيريل رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في موسكو العرض.

هيمنة من موسكو بدفع من بوتين

وقال الكاتب إن غالبية الطوائف الأرثوذكسية في العالم تشكو من أن بطريركية موسكو تسعى بقوة للهيمنة بدفع من الرئيس فلاديمير بوتين والبطريرك كيريل.

ولفت الانتباه إلى أن بوتين شارك في التنافس الديني بنشره مقالا مشهورا في يوليو/تموز الماضي، واصفا ذلك المقال بأنه وضع الأساس العاطفي لغزو روسيا، حيث ركز على تأكيد أن أوكرانيا وروسيا "مرتبطتان ببعضهما البعض" من خلال العقيدة الأرثوذكسية الروسية المشتركة بينهما، وشجب الأوكرانيين "ذوي العقلية المستقلة" الذين قال إنهم "تدخلوا بشكل صارخ في حياة الكنيسة الأمر الذي أدى إلى انقسام أتباع الكنيسة".

وأضاف المقال أن كيريل دعم مقال بوتين. لكن قادة الطوائف الأرثوذكسية الأخرى عارضوا المقال بشدة. فالبطريرك المسكوني بارثولوميو القسطنطيني، الذي يشرف على إرث بيزنطة من مقعده في ما هو الآن إسطنبول، أفصح عن معارضته.

تصاعد التوترات

وبحسب الكاتب فإن التوترات تصاعدت بعد أن حاول بارثولوميو المصالحة في ما كان يُقصد به أن يكون تجمعا عالميا للمؤمنين في "مجلس مقدس وعظيم" في جزيرة كريت عام 2016. لكن كيريل قاطع الاجتماع.

عام 2018، وافق بارثولوميو على الاعتراف رسميا باستقلال الكنيسة الأوكرانية عن موسكو، وقطع كيريل العلاقات معه، وفي الواقع نفى أسبقيته في الترتيب الكنسي بالنسبة للعالم الأرثوذكسي، وكان ذلك انشقاقا.

وأشار إلى أن بابا الفاتيكان الكاثوليكي فرانشيسكو نفسه تدخل في هذه المعركة بين الطوائف الثلاثاء الماضي، وحذر كيريل بشدة من أنه لا ينبغي أن يكون "فتى لمذبح بوتين". وأخبر البابا صحيفة كوريري ديلا سيرا الإيطالية أنه نصح كيريل في محادثة يوم 16 مارس/آذار الماضي عبر زوم (zoom) قائلا له "لسنا رجال دين في الدولة، لا يمكننا استخدام لغة السياسة ولكن لغة يسوع".

وقال الكاتب "نحن نفكر في بوتين كزعيم علماني استبدادي" ونجهل أنه مؤمن أرثوذكسي يرتدي الصليب الذي أعطته إياه والدته سرا عندما كان طفلا في العهد السوفياتي.

حرب دينية باردة

وأضاف أن ضغط موسكو للسيطرة السنوات الأخيرة اتخذ جوانب من الحرب الباردة الدينية. وقاتل الأساقفة الروس والأرثوذكس الشرقيون للسيطرة على الكنائس في أفريقيا وكوريا وسنغافورة وأماكن أخرى. وأنشأ كيريل كنيسة تابعة لموسكو في أفريقيا لتحل محل بطريرك الإسكندرية الموالي للكنيسة الشرقية.

واختتم المقال بأن أنتوني ج. ليمبيراكيس رئيس الجماعة في أميركا أخبره بأن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تحاول استبدال السيادة القديمة للقسطنطينية، التي يجسدها الآن بارثولوميو، مضيفا إن هدف موسكو "استخدام الكنيسة الأرثوذكسية أداة سياسية للقومية الروسية والتوسع".

المصدر : واشنطن بوست