انعكس سلبا على معيشة المواطن الإيراني.. انتقادات لأداء الحكومة في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي

يعتقد مراقبون إيرانيون أنه بغض النظر عن الطرف الذي يتحمل مسؤولية عدم إحياء الاتفاق النووي، سواء إيران أو أميركا، فإن استمرار توقفها يخلف تداعيات متفاوتة على الداخل الايراني جراء سياسة الصبر الإستراتيجي التي تعتمدها الحكومة لإحقاق حقوق شعبها.

مراقبون إيرانيون ينتقدون أداء حكومة إبراهيم رئيسي في إدارة المفاوضات حول النووي بسبب خسائر بالمليارات (الجزيرة)

طهران – بعد شهر من توقف المفاوضات النووية في فيينا، يواصل الجانبان الإيراني والأميركي رمي الكرة في ملعب الآخر، وتلاشت الآمال بإحياء الاتفاق، بعد أن كان يوصف باستمرار -على لسان أطراف المفاوضات- بأنه وشيك وفي متناول اليد.

وفي حين اعتبرت طهران أن حل المسائل العالقة باتت في ربع الساعة الأخير ويتوقف على الولايات المتحدة، قالت واشنطن إن إحياء الاتفاق النووي ليس وشيكا ولا مؤكدا، وإنها مستعدة لاتخاذ "قرارات صعبة" لإعادة القيود على برنامج إيران النووي.

وسواء كانت المطالب الإيرانية، أو عدم رغبة الولايات المتحدة باتخاذ قرارات سياسية، سببا وراء عرقلة المفاوضات النووية في فيينا، فإن استمرار توقفها يخلف تداعيات متفاوتة على الداخل الايراني جراء سياسة الصبر الإستراتيجي التي تعتمدها الحكومة لإحقاق حقوق شعبها.

مطهرنيا يتهم التيار المحافظ بعرقلة مفاوضات إحياء الاتفاق النووي (الجزيرة)

أزمة معيشية

في السياق، انتقد الناشط السياسي الإيراني المحافظ محمد مهاجري أداء وزارة الخارجية ووفدها المفاوض في فيينا، متهما إياها بتفويت فرصة إحياء الاتفاق النووي، ومجاملة الموقف الروسي حيال مباحثات فيينا.

وفي تعليق نشره على قناته في تليغرام، رأى مهاجري أن استمرار توقف المفاوضات النووية يصب في صالح سماسرة العقوبات، موضحا أن الحكومة السابقة كانت قد أعلنت الصيف الماضي عن توصلها لاتفاق بشأن الملف النووي، إلا أن عدم استغلال تلك الفرصة حمّل البلاد خسائر بمليارات الدولارات.

من جانبه، يصف الباحث الأكاديمي في العلاقات الدولية، مهدي مطهرنيا، الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بأنه إنجاز فريد للدبلوماسية الإيرانية، متهما التيار المحافظ بعرقلة مفاوضات إحياء الاتفاق الأيام الأخيرة من حكومة الرئيس السابق حسن روحاني من جهة، وخلال الجولة الأخيرة من مفاوضات فيينا من جهة أخرى.

ويوضح مطهرنيا -في حديثه للجزيرة نت- أن التنافس السياسي في إيران كبّد الاقتصاد الوطني خسائر فادحة خلال السنوات الثماني الماضية، مما أدى إلى تراجع الوضع المعيشي، مضيفا أن عدم مصادقة طهران على الاتفاقات الدولية لمجموعة العمل المالي "فاتف" (FATF) وقوانين دولية أخرى زاد الطين بلة.

ويشير إلى أن إحياء الاتفاق النووي سينعكس إيجابا على الاقتصاد الإيراني ومعيشة المواطن، محذرا من أن تأجيل المفاوضات النووية، وإبقاءها في الطريق المسدود الذي بلغته، سينعكس سلبا على الأمن القومي، موضحا أنه لا يستبعد أن تشهد البلاد احتجاجات خلال الفترة المقبلة بسبب الأزمات المعيشية.

ويخلص الباحث في العلاقات الدولية إلى أن معيشة المواطن أصبحت رهينة سياسة بلاده الخارجية، مؤكدا أنه حتى الاقتصاد أصبح مسيسا.

عدم التوصل لإحياء الاتفاق النووي الإيراني انعكس سلبا على معيشة المواطن الإيراني (الجزيرة)

سماسرة العقوبات

من ناحيته، يرى الباحث في الشؤون السياسية، مهدي ذاكريان، أن استمرار الأزمة النووية وبقاء الضغوط الدولية على طهران يصبان في صالح سماسرة العقوبات، متهما شريحة من ساسة بلاده بأنها لا تحرك ساكنا من أجل رفع العقوبات، إلى جانب شريحة أخرى تعمل على وضع العصي في عجلة إحياء الاتفاق النووي.

ونقلت صحيفة شرق الإيرانية عن ذاكريان، قوله إن فئة قليلة في إيران ترى مصلحتها السياسية والاقتصادية والتجارية في مواصلة سياسة الضغوط القصوى الأميركية على طهران، مؤكدا أن الشعب يدفع ضريبة المواجهة مع واشنطن.

وأضاف أن هناك من يستغل صبر الشعب الإيراني وتحمله في مواجهة العقوبات الأجنبية، متهما سماسرة العقوبات بالتضحية بالمنفعة الشعبية من أجل أطماعهم الشخصية، تحت مسميات الالتفاف على العقوبات، والعلاقات التجارية الخاصة مع بعض الدول، فضلا عن نشاطاتهم التجارية في الأسواق السوداء والرمادية.

وختم ذاكريان بالقول إنه بالرغم من أن السياسة الاقتصادية في إيران ساهمت فعليا في تشديد الأزمة المعيشية، فإنه يرى العقوبات الأميركية وانعدام المبادلات بين بلاده والمجتمع الدولي سببا رئيسيا وراء الأزمات التي يعاني منها الشعب.

حداد: المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني هو الذي يرسم السياسات العلياء بالمفاوضات النووية (الجزيرة)

سياسة موحدة

في المقابل، ينفي محلل الشؤون السياسية مختار حداد حدوث أي اختلاف في السياسة النووية بين حكومتي روحاني ورئيسي، مؤكدا أن المجلس الأعلى للأمن القومي هو الذي يقوم بترسيم السياسات العليا في المفاوضات النووية.

ويردف حداد في حديث للجزيرة نت "الخارجية الإيرانية تنفذ السياسات العليا المعدة مسبقا، ولا فرق بين حكومة إصلاحية أو محافظة سوى في الأساليب" مشددا على أن حكومة رئيسي لم تدخر جهدا في سبيل إحياء الاتفاق النووي وفق المصلحة الوطنية.

ويشير إلى أن الفريق الإيراني المفاوض في فيينا تمكن من حلحلة قضايا كانت شائكة خلال السنوات الماضية. مؤكدا أن "طهران لا تعتبر المفاوضات النووية قد فشلت وبلغت طريقا مسدودا، وإنما هناك خطوط وطنية حمراء تحرص علی عدم تجاوزها".

ويوضح حداد أن الحكومة تعمل ليلا ونهارا من أجل النهوض بالاقتصاد وتحسين الوضع المعيشي، مؤكدا أنه خلافا للحكومة السابقة فإن الحالية لم ترهن معيشة المواطن بمصير الاتفاق النووي.

ويخلص إلى أنه في ظل جائحة كورونا هناك العديد من السلع الأساسية أضحت شحيحة جدا في العديد من الدول، إلا أن إيران حققت اكتفاء ذاتيا في العديد من المجالات.

المصدر : الجزيرة