محاولة للانفصال أم مناورة سياسية؟ لماذا يطالب أكراد العراق بالكونفدرالية وما فرص نجاحها؟

المحلل عمر عبد الستار يرى أن كردستان العراق يسير فعليا نحو الكونفدرالية، لا سيما أن التحركات السياسية في زيارات حكومة الإقليم لتركيا والإمارات وبريطانيا تأتي في هذا الجانب

Boris Johnson Welcomes PM Of Kurdistan To Downing Street
مسرور البارزاني رأى أن تطبيق الكونفدرالية يجنب تكرار المآسي التي حدثت في الماضي (غيتي)

الموصل-  في خضم الأزمة السياسية التي يشهدها العراق بعد 6 أشهر على الانتخابات التشريعية التي عقدت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وفشل الكتل السياسية في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة اتحادية جديدة، عاد الجدل من جديد في إقليم كردستان العراق حول علاقته ببغداد.

محور هذا الجدل جاء إثر تصريحات رافقت زيارة رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني خلال مشاركته في مناقشة أجراها معهد "تشاتام هاوس" (Chatham House) بلندن في 20 أبريل/نيسان الحالي على هامش زيارته الأخيرة للعاصمة البريطانية، وأكد فيها أن تطبيق نظام الكونفدرالية في العراق سيمنح المكونات في العراق قوة أكثر، مضيفا "إن الوقت قد حان كي يعمل العراقيون بشكل مختلف بعيدا عن الخوف والترهيب، لضمان عدم تكرار المآسي التي حدثت في الماضي".

وأعادت تصريحات البارزاني إلى الأذهان تجربة إقليم كردستان في استفتاء انفصاله عن العراق عام 2017، الذي قوبل برفض محلي ودولي وأدى في حينه لتوتر العلاقات بين الحكومة الاتحادية والإقليم.

التميمي رأى أن من الصعوبة بمكان تحويل العراق إلى النظام الكونفدرالي (الجزيرة)

ما الكونفدرالية؟

يقول الخبير القانوني علي التميمي -تعليقا على مفهوم الكونفدرالية- إنها وفق الفقه الدستوري تعني اتحادا مشتركا بين دول مختلفة أعضاء في الأمم المتحدة حيث تتحد فيما بينها بتعاون ونظام داخلي مشترك على أن تحتفظ كل دولة بسياستها وسيادتها.

ويضيف التميمي -في حديثه للجزيرة نت- أن هناك أمثلة على ذلك مثل الاتحاد الكونفدرالي في الجامعة العربية وفي الاتحاد الأوروبي وفي المؤتمر الإسلامي وغيرها الكثير من الأمثلة.

وعن دعوة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني في لندن لتطبيق الكونفدرالية في العراق للخروج من المشكلات الحالية، أوضح التميمي أن العلاقة بين العراق الاتحادي وإقليم كردستان هي علاقة فدرالية تعني أن الدولة تقسم إلى مقاطعات وأقاليم على أن يكون القرار السياسي والسياسة الخارجية والداخلية والسيادة موحدة ضمن دولة واحدة عضوة في الأمم المتحدة.

صورة حصرية مرسلة من قبله - الكتاب الصحفي الكردي - سامان نوح
نوح: طرح مسرور البارزاني رؤية عامة للحل النهائي لمشكلة المكونات وصراعها داخل الدولة العراقية (الجزيرة)

ما إمكانية التحول إليها؟

ويتابع التميمي -حديثه للجزيرة نت- بالتأكيد على أنه من الصعوبة بمكان تحويل العراق إلى النظام الكونفدرالي على اعتبار أن الدستور العراقي ينص في المادة الأولى على أن العراق بلد فدرالي وعبارة عن أقاليم ومحافظات، وأن إقامة دولة جديدة تتطلب موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرارا من مجلس الأمن الدولي فضلا عن ضرورة إصدار عملة خاصة بالبلد الجديد، وهو ما يعد في غاية الصعوبة بالنسبة للإقليم، حسب التميمي.

أما الصحفي الكردي سامان نوح، فيرى من جانبه أن رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني لم يتحدث عن الكونفدرالية في إطار مشروع برنامج تتبناه القيادة الكردية وتعمل على تطبيقه، وإنما جاء كرؤية عامة للحل النهائي لمشكلة المكونات وصراعها داخل الدولة العراقية، وبالتالي لا يوجد مشروع كردي أو حتى مشروع محدد من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.

وتابع نوح -في حديثه للجزيرة نت- أن تجربة الاستفتاء عام 2017 فشلت وتم التخلي عنها من القيادة الكردية تحت ضغط الأمر الواقع داخليا وإقليميا ودوليا، مشيرا إلى أن الأوضاع لم تشهد أي مستجدات تدعو لإعادة إحياء المشروع، وبالتالي فإن التصريحات عن الكونفدرالية لا تخرج عن كونها مجرد رؤية عامة من دون برنامج أو مشروع لتبنيها.

عبد الستار يرى أن مبررات الكونفدرالية كرديا جاءت بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة (الجزيرة)

على الجانب الآخر، يؤكد الباحث السياسي عمر عبد الستار أن إقليم كردستان العراق مرّ بـ3 مراحل تاريخية: أولها حصوله على الحكم شبه الذاتي بين عامي 1991 و2003، ثم دخوله ضمن العراق الفدرالي وفق المادة 117 من الدستور بعد الغزو الأميركي للبلاد والإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، وصولا للمرحلة الحالية التي باتت تشهد تعطيلا للشراكات الكردية سواء مع السنة أو الشيعة في العراق بضغوط إيرانية.

وفي حديثه للجزيرة نت، تابع عبد الستار أن مبررات الكونفدرالية كرديا جاءت بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقرارات المحكمة الاتحادية بشان استبعاد مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري من منصب رئاسة الجمهورية ثم إبطال قانون النفط والغاز الكردي ثم تطورات الأزمة من خلال استهداف أربيل بصواريخ بالستية من إيران.

حصرية - الباحث السياسي الكردي - محمد زنكنة
زنكنة رأى أن مسألة استقلال إقليم كردستان عن العراق حتمية (الجزيرة)

ما فرص نجاحها؟

تتعدد الآراء بين من يرى إمكانية ذهاب إقليم كردستان إلى الكونفدرالية وبين من يرى خلاف ذلك، إذ يعتقد الباحث السياسي الكردي محمد زنكنة أن المطالبة بتعديل النظام السياسي في العراق ليست بالجديدة، وأن العراق كان قد عايش المركزية التي لم تفد البلاد في شيء، لافتا إلى أن العراق ومنذ أن تحول إلى النظام الفدرالي بعد عام 2003 واجه تعطيل 55 مادة دستورية من خلال عدم تطبيقها أو تجاوزها.

ونتيجة لذلك، أوضح زنكنة -في حديثه للجزيرة نت- أنه وبسبب المشكلات والانغلاق السياسي، فإن الأكراد باتوا يفكرون ببديل للخروج من هذا الوضع، وأن الكونفدرالية المقترحة ستضمن حرية وصلاحيات أكبر لكل محافظة وإقليم من أجل أن تحكم نفسها بنفسها، وفق تعبيره.

وتشهد الساحة السياسية العراقية انغلاقا سياسيا غير مسبوق إثر تعطل تشكيل الحكومة بعد أن أخفق التحالف الثلاثي -الذي يضم التيار الصدري وتحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني- في تشكيل الحكومة، وذلك إثر معارضة كل من تحالف الإطار التنسيقي الذي يضم معظم القوى الشيعية البارزة -باستثناء التيار الصدري- وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني ولعبهما دور الثلث المعطل لجلسات البرلمان العراقي.

وعمّا إذا كان الحديث عن الكونفدرالية يعد استدعاء لتجربة استفتاء الانفصال عام 2017، يعلق زنكنة بالقول إن "مسألة استقلال إقليم كردستان عن العراق حتمية، إنها تتعلق بالوقت وبالظروف الداخلية والموضوعية للإقليم، إن الاستفتاء الذي جرى في الإقليم في سبتمبر/أيلول 2017 أفرز تأييد الأكراد بنسبة 90% للانفصال، وأن الاستقلال الكردي لن ينتظر الكونفدرالية أو غيرها وهي مسألة وقت فقط".

وبالعودة إلى سامان نوح، حيث يرى أن لا إمكانية لانفصال الإقليم أو التوجه إلى الكونفدرالية، معللا ذلك بأن الإقليم بات اليوم أضعف مما كان عليه قبل 5 سنوات، فضلا عن الانقسامات الكردية الداخلية التي وصفها بـ"الكبيرة"، وفشل إدارة الملف الاقتصادي الذي يدفع معظم الكرد إلى التخلي عن أي فكرة أو رؤية لقطع التواصل بشكل شبه كامل مع بغداد.

وتابع نوح معلقا "حاجة إقليم كردستان الاقتصادية لبغداد ستظل متأصلة لسنوات قادمة إلى جانب التداعيات الأمنية والإدارية لتوجه الانفصال، خاصة في ظل استمرار الموانع والعوائق الإقليمية والدولية، معتبرا أن تجربة الانفصال عام 2017 أفقدت الكرد نصف الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها سابقا في المناطق المتنازع عليها من سنجار غربا إلى كركوك وانتهاء بخانقين شرقا".

وكانت الخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وبين الاتحاد الوطني الكردستاني قد احتدمت إثر الخلاف على منصب رئيس الجمهورية، فضلا عن الخلافات المالية بين الطرفين ومطالبة بعض السياسيين في السليمانية بالعودة للارتباط ببغداد ماليا.

على صعيد آخر، يرى عمر عبد الستار أن الإقليم يسير فعليا نحو الكونفدرالية، سيما أن التحركات السياسية في زيارات حكومة الإقليم لتركيا والإمارات وبريطانيا تأتي في هذا الجانب، وبالتالي تعد الكونفدرالية استكمالا لمشروع الاستفتاء على الانفصال، لكن هذه المرة برعاية إقليمية ودولية باستثناء الرفض الإيراني، لافتا إلى أن الكونفدرالية قد لا تكون في إقليم كردستان فقط، بل إنها قد تشمل مناطق عراقية أخرى في محاولة إقليمية دولية لوقف التمدد الإيراني.

المصدر : الجزيرة