تداعيات قصف كردستان العراق.. لماذا اختارت إيران هذا التوقيت لاستعراض قدراتها الصاروخية؟

إيران قالت إن الغارات رد على ضربة إسرائيلية في سوريا

Iran's Revolutionary Guards take responsibility for attack on Erbil - Iran state media
آثار القصف الإيراني على كردستان العراق (رويترز)

تناولت وكالة رويترز في تقرير لها الهجوم الذي شنته إيران، أول أمس الأحد، على كردستان العراق، ووصفته بأنه تحذير لإسرائيل، وبمثابة تذكير قوي أيضا لخصومها الولايات المتحدة والعرب بقدراتها العسكرية في وقت حساس بالنسبة لها.

وتتزامن الضربة المباشرة غير المعتادة مع نقطة تحول محتملة في ميزان القوى بالشرق الأوسط، في وقت تواجه فيه محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني شبح الانهيار وتتزايد فيه كذلك مخاطر نشوب حرب في منطقة الخليج، بينما يحاول القادة العراقيون في بغداد تشكيل حكومة جديدة متحررة من النفوذ الإيراني.

ويقول محللون إقليميون إن كلا التطورين يساعدان في تفسير لماذا اختارت إيران هذه اللحظة لاستعراض استعدادها لاستخدام صواريخ باليستية، دائما ما تعتبرها طهران رادعا للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج العربية التي تنافس طهران على النفوذ الإقليمي.

وفي قرار الحرس الثوري الإيراني إطلاق الصواريخ مباشرة على أراض عراقية، ناهيك عن إعلانه وتبنيه، خروج على ما درجت عليه طهران من ممارسة الضغط العسكري من خلال فصائل مسلحة تعمل بالنيابة عنها.

وسقطت الصواريخ قريبا من مبنى من المقرر أن ينتقل إليه فريق القنصلية الأميركية في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق شبه المستقل. ولم تتسبب في سقوط ضحايا أميركيين وأصابت مدنيا واحدا فحسب.

وقال الحرس الثوري الإيراني إن الهجوم استهدف "مراكز إستراتيجية" إسرائيلية وجاء ردا على ضربة جوية إسرائيلية أودت بحياة اثنين من أعضائه في سوريا الأسبوع الماضي.

أما حكومة بغداد فلم ترد على أسئلة رويترز بشأن المواقع الإسرائيلية التي كان يشير إليها الحرس الثوري. ولم ترد السفارة الإيرانية في بغداد على طلب من رويترز للتعليق على ذكر الحرس الثوري الإيراني للمراكز الإستراتيجية الإسرائيلية. ونفت حكومة إقليم كردستان العراق وجود أي مواقع إسرائيلية على أراضيها.

رسائل متعددة

وقال مسؤولون وخبراء إن قتل إسرائيل عضوين من الحرس الثوري الإيراني في سوريا كان على الأرجح الدافع لهجوم أربيل، لكن الهجوم كان أيضا تحذيرا للولايات المتحدة وشركائها الخليجيين العرب وكذلك لقادة العراق الذين يهددون بتشكيل حكومة تستبعد حلفاء طهران الرئيسيين في بغداد.

وقال الأستاذ بكلية لندن للاقتصاد توبي دودج إن "هناك 3 أمور دائرة هنا.. هناك خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) والأعمال القتالية المتبادلة بين الإيرانيين والإسرائيليين والولايات المتحدة، والآن تشكيل الحكومة العراقية. لذلك طهران تبعث بسلسلة من الرسائل".

وشدد قائد فصيل مسلح عراقي متحالف مع إيران على أن إسرائيل كانت الهدف الأساسي، لكنه سلم بأن الرسالة التي بعث بها الهجوم قد تكون أوسع، وعلامة واضحة على أن إيران مستعدة للتصعيد إذا شعرت بالتهديد.

وقال قائد الفصيل الذي طلب عدم نشر اسمه "إنها رسالة لإسرائيل ولجميع الدول مفادها أن أي هجوم سيردون عليه بالصواريخ"، وليس عبر وكلاء فحسب.

وكلاء

وكثفت إسرائيل الهجمات على الحرس الثوري الإيراني والفصائل الموالية له في المنطقة، حيث نفذت ما لا يقل عن 15 غارة جوية بسوريا في العام الماضي، 9 منها في الأشهر الأربعة الماضية وفق إحصاء لرويترز.

وشنت فصائل مسلحة عراقية مدعومة من إيران مرارا هجمات معقدة على نحو متزايد على أهداف أميركية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك على قوة من نحو ألفي جندي انتشرت في العراق وسوريا لمحاربة فلول تنظيم الدولة الإسلامية.

وشملت أفعال واشنطن اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد مطلع 2020. وردت إيران على قتله بإطلاق وابل من الصواريخ على قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار غرب العراق التي تأوي قوات أميركية، وكان آخر هجوم مباشر معلوم لها على الولايات المتحدة.

ودخلت محادثات طهران مع واشنطن بهدف إحياء اتفاق 2015 النووي، بما من شأنه أن يؤدي إلى تخفيف للعقوبات تحتاجه إيران بشدة، في حالة من عدم اليقين بسبب مطالب روسية في اللحظات الأخيرة.

وقد يقرب انهيار المحادثات إيران من تطوير سلاح نووي إذا قررت ذلك، وهو ما قد يدخل المنطقة في اضطرابات. وتنفي طهران السعي لامتلاك قنابل ذرية.

ومن المعتقد على نطاق واسع أن إيران استخدمت الضغط العسكري من أجل ممارسة النفوذ قرب جولات سابقة من المحادثات، وقالت أمس الاثنين إن إحياء الاتفاق بيد واشنطن.

وقالت محللة الشؤون العراقية لدى مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيجل "هل كان الإيرانيون يفكرون في كل تلك العوامل عندما قرروا إطلاق الصواريخ؟ لست متأكدة كثيرا بشأن ذلك، الحادثة الإسرائيلية كانت السبب المباشر".

"لكن هناك عوامل كثيرة أخرى حاضرة… مثل طرح روسيا مطالب بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)".

خصوم شيعة

داخل العراق، اعتبر خصوم إيران الضربة تحذيرا لهم في خضم محادثات حساسة بشأن تشكيل حكومة جديدة بعد 5 أشهر من إجراء الانتخابات المبكرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ومنحت تلك الانتخابات انتصارا لزعيم الكتلة الصدرية مقتدى الصدر، الذي يعارض النفوذ الإيراني والمنافس الرئيسي لبني مذهبه المتحالفين مع إيران.

وهدد الصدر باستبعاد الجماعات المدعومة من إيران من الحكومة، وأقام تحالفا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، فضلا عن تحالف السيادة السني الذي يضم كتلتي "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي و"عزم" بزعامة خميس الخنجر.

وكتب الصدر تغريدة على تويتر الأحد قال فيها إن أكراد العراق كانوا هدفا للهجوم الإيراني، وتعهد بالمضي قدما في تشكيل "حكومة الأغلبية الوطنية"، للإشارة إلى حكومة متحررة من النفوذ الإيراني.

وقال مسؤول كبير في المكتب السياسي للصدر إن خطط الصدر ستستبعد فعليا ما يعرف بالإطار التنسيقي الذي يضم قوى شيعية بارزة مقربة من إيران من الحكومة لأول مرة منذ الغزو الأميركي عام 2003 الذي أطاح بصدام حسين.

وقال المسؤول "الضربات الصاروخية كانت رسالة موجهة إلى الصدر تحذره من التخلي عن الائتلاف مع الأحزاب الشيعية الأخرى والاصطفاف بدلا من ذلك مع طرف تربطه علاقات مع إسرائيل".

وتحدث المسؤول شريطة عدم الكشف عن هويته، لأن التيار الصدري أمر بألا يتحدث أحد إلى وسائل الإعلام أثناء محادثات تشكيل الحكومة.

وقال دودج إن رسالة إيران جريئة لكنها محفوفة بالمخاطر وإن العراق سيتحمل وطأة أي أعمال عنف أخرى. وأكد أن خصوم إيران سيسعون للرد على طهران أو الفصائل الموالية لها.

وأضاف "تنخرط مجددا في الهجمات والرد عليها. ومهما حدث بعد ذلك، فإنه سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في العراق".

المصدر : رويترز

إعلان