هل يدفع التقارب التركي المصري باتجاه الحل السياسي في ليبيا؟

رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح
عقيلة صالح (يمين) وخالد المشري اتفقا في الرباط على تسمية المناصب السيادية (الفرنسية)

طرابلس- بعد اتفاق رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في الرباط على تسمية المناصب السيادية تمهيدا لإعلان حكومة تحل محل حكومتي الدبيبة وباشاغا؛ اتجهت الأنظار إلى مدينة الزنتان؛ حيث كان يفترض أن يعقد الطرفان لقاء حاسما اليوم الأحد قبل أن يعلن المبعوث الأممي عبد الله باتيلي إخفاق إجراء الاجتماع بين الرجلين لبحث الاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات.

وكانت مصادر خاصة في الزنتان رجحت للجزيرة نت تأجيل اجتماع اليوم الأحد لأسباب تنظيمية، ويقول مراقبون إن التقارب المحلي يدفعه التقارب بين مصر وتركيا ويعولون عليه لإحداث اختراق في المشهد السياسي الليبي المتعثر.

وكان من المقرر أن يتناول لقاء الزنتان "النقاط الخلافية بالقاعدة الدستورية ومسارات توحيد السلطة التنفيذية والمناصب السيادية" وفق عضو المجلس الأعلى للدولة فتح الله السريري، مضيفا في تصريحات صحفية أن المشري تحدث عن تشكيل حكومة جديدة مصغرة ومهنية يتم تزكية أعضائها من المجلسين، إضافة إلى تشكيل لجنة حوار مشتركة لمتابعة وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.

عراقيل حكومية

ولم يصدر عن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس موقف إزاء حراك الرجلين، وفي المقابل أعلنت بلدية الزنتان رفضها الاجتماع بدون تفويض حكومي رغم تأكيد عميد البلدية عمران العمياني أن البعثة تواصلت معهم بشأن استضافة اللقاء، في حين رحبت قيادات قبلية على رأسها رئيس مجلس أعيان الزنتان مصطفى كرواد بالاجتماع.

مسار مواز

ولا تلقى خطوات عقيلة والمشري ترحيبا كاملا تحت قبة مجلسيهما، غير أن صوت المعارضة في المجلس الأعلى للدولة أعلى من البرلمان، إذ قدم 24 عضوا مقترحا للمبعوث الأممي لتنظيم عقد جلسة مشتركة مفتوحة للمجلسين في غدامس، مقترحين في رسالتهم أن تدار الجلسة برئاسة مشتركة على أن تدعم مخرجاتها البعثة، بهدف الخروج بقاعدة دستورية وقوانين انتخابية توافقية تجرى على أساسها الانتخابات في المدة الزمنية المنصوص عليها دستوريا.

من الرباط إلى القاهرة

ولعقيلة والمشري ترتيب آخر للمشهد، خلافا لتصور الأعضاء المذكورين، المبني على القاعدة الدستورية، فالرجلان رتبا أولوياتهما في لقائهما بالرباط في أكتوبر/تشرين الأول الماضي واتفقا على تغيير السلطة التنفيذية وشاغلي المناصب السيادية، حيث صرح عقيلة حديثا عقب لقائه نظيره المصري حنفي الجبالي في القاهرة، أن هناك اتفاقا بينه وبين المشري على إعادة تكوين المؤسسات السيادية، وأن الأمر سيُفصّل خلال الأيام القادمة، إضافة إلى تكوين سلطة واحدة.

"تعاون بدل التنافس"

ويعكس التقارب المحلي تقاربا دوليا، فطالما توحدت مواقف عقيلة علنا مع الجارة مصر، وكذا الحال في التماهي بين المشري وأنقرة، وقد سار الرجلان المدة الماضية من توافق قبيل تشكيل حكومة باشاغا إلى خلاف وتنافس، ثم توافق أخيرا على بنود أخرى كالمناصب السيادية. والتصريحات الأخيرة لوزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو تجاري هذه الحالة.

وقال جاويش أوغلو "عندما حاول فتحي باشاغا المكلف من مجلس النواب دخول طرابلس، أوقفناه، فما فعله كان غير مقبول"، ويضيف -خلال الدورة الثامنة لمنتدى حوارات روما المتوسطية المنعقد في إيطاليا- أن "هناك دولا مجاورة وبلدانا أوروبية أخرى تريد التنافس معنا.. وكذلك روسيا عبر مجموعة فاغنر"، ويتابع "هناك تعاون أكثر من المنافسة بين اللاعبين الرئيسيين".

وقد وصف جاويش أوغلو الوضع في ليبيا بالهش ورأى قضية الشرعية مفتوحة، قائلا "آمل أن نتمكن أيضا من العمل جنبا إلى جنب مع مصر، ومن الضروري أن يضمن البرلمان والمجلس الأعلى للدولة أساسا دستوريا للعملية الانتخابية في الوقت الحالي"، مؤكدا أن "الانتخابات النزيهة والديمقراطية هي السبيل الوحيد لضمان إعادة توحيد ليبيا".

الحكومة الجديدة حل ثالث

ويرى الدكتور خيري عمر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سكاريا التركية أن هذا التقارب التركي المصري قد يدفع إلى إعادة النظر في الوضع السياسي في ليبيا، سواء بدفع المجلسين إلى الذهاب للانتخابات أو إلى تشكيل حكومة ثالثة. ويضيف أن العلاقات المصرية التركية يمكن أن تشكل على صعيد إقليمي رافدا للتفكير بشكل مختلف وبأسلوب جديد، فتأجيل الانتخابات لا يصلح أن يكون حلا في المدى المنظور من خلال التمسك بحكومة بعينها.

ويقول عمر إن هذا المسار بطيء ومترنح نتيجة ضعف التجانس بين المجلسين، "لذلك تسير الأمور ببطء شديد لا يتناسب مع الوضع الأمني والاقتصادي في ليبيا". في حين اعتبر وزير الثقافة الأسبق الحبيب الأمين أن رهان المبعوث الأممي عبد الله باتيلي "على ثنائية عقيلة والمشري تؤكد أنه ما زال تحت وطأة تعليمات الأطراف الإقليمية"، وهو ما عده مؤشرا سلبيا على قدرات باتيلي في صياغة خطة مختلفة تتفادى الإخفاق السابق للبعثة على حد تعبيره.

الشرعية والأزمة والحل

ووفق عمر فإنه بعد إخفاق الانتخابات نشب خلاف بين بعض الدول حول تحديد الحكومة التي تمثل الشرعية، وانتهت الأمور بعدم استطاعة باشاغا الوصول إلى طرابلس واستلام مهامه، وفي هذه الأثناء كان الاتجاه الدولي متوافقا على شرعنة حكومة الدبيبة وفقا لقرارات مجلس الأمن ولم يبق من معارضي هذه الحكومة سوى اليونان ومصر حينها.

الدستور عقدة أساسية

الوزير الأسبق الحبيب الأمين يوضح للجزيرة نت أنه لم تصدر عن المبعوث الجديد خطوات جادة حتى الآن، فكل لقاءاته بعيدة عن تأكيدات المسار الانتخابي "في تكرار لمشهدية عقيلة والمشري، ما يعني أن البعثة والمبعوث ما زالوا محدودي الأفق ولا يرون غير ذات الوجوه". لذا ما زالت البعثة تسير في متوازية مجلسي النواب والأعلى اللذين يعيشان حالة من التمديد المستمر في غياب لأي اتفاق دستوري واضح.

وهو ما يراه الدكتور عمر يتطلب "لتجاوز التحديات ضرورة ضبط المسار الدستوري سواء عن طريق القاعدة الدستورية أو عن طريق الاستفتاء الدستوري"، مشيرا إلى أن هذه النقطة ستظل العقدة الأساسية أمام الخروج من المرحلة الانتقالية، "فنحن نتحدث عن أوضاع تمديد يثير خلافا حول مدى قانونيته، لذلك فإن حلّ كل هذه المعضلات يتطلب توافقا بين الليبيين وتقاربا في المواقف الدولية اتجاه الخطوة التالية سواء أكانت انتقالية أم خطوة نحو الحل الدائم".

المصدر : الجزيرة