السودان.. قوة لمكافحة الإرهاب وإخراج مقاتلي الحركات خارج العاصمة يثيران التساؤل
الخرطوم- أبدى مصدر أمني استغرابه من إعلان مجلس الدفاع والأمن السوداني تأسيس قوة خاصة لمكافحة الإرهاب، رغم وجود مثل هذه القوة في القوات المسلحة وجهاز المخابرات، كما استنكرت بعض الحركات المسلحة قرار إخراج قوات حركات الكفاح المسلح من العاصمة والمدن الرئيسية.
وفي تطور لافت، وبالتزامن مع مظاهرات الاثنين التي انتهت بمقتل 7 من المحتجين في الخرطوم وإصابة العشرات بعد إطلاق القوات الأمنية الرصاص الحي، أعلن مجلس الدفاع والأمن السوداني عن تأسيس قوة خاصة لمكافحة الإرهاب، لمجابهة ما أسماه التهديدات المحتملة.
وفي ذات الوقت، وجّه المجلس قوات حركات الكفاح المسلح بالتجمع خارج الخرطوم والمدن الرئيسية في مناطق التجميع، بغرض الحصر وإنفاذ الترتيبات الأمنية.
الإرهاب أم الاحتجاجات؟
الخبير الأمني اللواء أمين إسماعيل قال إن تكوين القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب يتم دائما إذا كانت هناك تهديدات خارجية من مجموعات منظمة، وتريد الإخلال بالأمن الداخلي للدولة.
وأوضح للجزيرة نت أن كل ما يضرّ بالمصلحة العامة ومصلحة المواطنين يعتبر مهددا لأمن الدولة وعملا إرهابيا، وأضاف "لذلك تكون قوات ذات قدرات خاصة مدربة جيدا ولديها معلومات إقليمية ودولية ومحلية".
وقال إسماعيل إن القيادة السودانية هي التي تقدر الموقف لتشكيل مثل هذه القوات، مشيرا إلى إنشاء قوات مكافحة الإرهاب في السودان في السبعينيات تحت قيادة القوات المسلحة، كما أنشأت الشرطة وحدة لمكافحة الإرهاب، ويعتقد أن تأسيس هذه القوة الجديدة سيكون لتعزيز لهذه المجموعات.
لكن مراقبين ربطوا بين إنشاء هذه القوة وتصاعد حدة الاحتجاجات المطالبة بالدولة المدنية، وقالوا إن ما خرج به بيان المجلس السيادي يتعلق بالمظاهرات.
وقال الخبير العسكري وليد عز الدين -للجزيرة نت- إن تشكيل قوة لمكافحة الإرهاب يبدو غير منطقي، وتساءل عن جدوى تشكيلها مع وجود قوات عالية التدريب ومختصة بمكافحة التجسس والإرهاب، ووجود إدارة كاملة لجهاز الأمن معنية بمكافحة الإرهاب.
وأشار عز الدين إلى أن المجلس ثمّن المجهودات التي بذلتها عناصر المخابرات العامة في تفكيك الخلايا الإرهابية بعمليات استباقية ضد المخططات التي تستهدف أمن واستقرار الوطن، وقال إن هذا يعني وجود هذه القوة أصلا.
من جانبه، قال المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء في الحكومة المحلولة فائز السليك إن قرار تشكيل قوة لمكافحة الإرهاب في هذا التوقيت مع تصاعد حدة المظاهرات، يثير كثيرا من التساؤلات حول طبيعة وأهداف هذه القوة.
وقال للجزيرة نت إن تشكيلها يلقي بظلال من الشكوك بأن الغرض منها هو ممارسة مزيد من القمع ضد المتظاهرين السلميين، "في وقت تحكم فيه السلطة الانقلابية بقانون الطوارئ منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021″، مشيرا إلى أن القانون يمنح القوى النظامية حصانة من المساءلة على كل الأفعال، بما في ذلك القتل خارج القانون.
وأضاف السليك "كانت توجد في السابق وحدة لمكافحة الإرهاب تتبع جهاز الأمن والمخابرات، مع وجود هيئة العمليات، وهي هيئة أشبه بقوات خاصة مهمتها تنفيذ عمليات خاصة، بما في ذلك المشاركة في قمع المظاهرات السلمية.
موقف الحركات المسلحة
وتزامن التوجيه الذي أصدره مجلس الأمن والدفاع مع تجمع قوات حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، خارج الخرطوم والمدن الرئيسية، مع تعالي صوت الاتهامات بمشاركتها في قمع الاحتجاجات السلمية.
واستند التوجيه الصادر عن المجلس على بنود اتفاقية سلام جوبا للترتيبات الأمنية، والتي تشمل حركات دارفور والمنطقتين "جنوب كردفان والنيل الأزرق"، وينص الاتفاق على بدء إجراءات الدمج والتسريح وفقا لجداول زمنية محددة تتراوح ببن 9 أشهر عقب التوقيع على الاتفاق، و39 شهرا المقررة لنهاية الفترة الانتقالية.
وقال إسماعيل إن طلب خروج قوات الحركات المسلحة من الخرطوم والمدن الرئيسية هو معالجة لأخطاء جوهرية وقعت فيها مفاوضات جوبا للسلام، تمثلت في عدم تحديد عتاد الحركات وإعداد القوات، والتي طلب منها رفع كشوفات بذلك في مناطق التجميع التي لم تحدد هي أيضا.
وأشار الخبير الأمني إلى أن الاتفاق حدد وجودها على بعد 50 كيلومترا من الحدود، وخارج المدن الرئيسية.
وأضاف أن دخول هذه القوات إلى العاصمة العام الماضي كان محاولة لفرض أمر واقع للحصول على المرتبات والتجهيزات اللوجستية الخاصة بها، مشيرا إلى حدوث تجاوزات في مواقع معينة، وأنه تم تحديد مواقع لها في الخرطوم بحري وشرق النيل وغيرهما.
وقال إسماعيل إن هناك تسريبات تفيد بأن الجبهة الثورية ترفض الخروج وتتمسك بإجراءات الترتيبات الأمنية، مضيفا "أعتقد أنها تريد إجراء الترتيبات داخل العاصمة لإحداث مزيد من الضغط على الحكومة في مسألة العتاد التي رفعت بأرقام خرافية".
كما تحدث عن وجود مجموعات تمازج وأخرى خرجت من الجبهة الثورية وتضغط للحصول على مكاسب، محذرا من أن هذا سيضيع اتفاق جوبا وسيضر الأمن القومي وربما يدخل البلاد في مربع الصراعات مجددا.
وفي بيان صادر عن إحدى حركات دارفور المسلحة، نفى مستشار الشؤون السياسية والإدارية في حركة تحرير السودان-المجلس الانتقالي سيف الدين عيسى، وجود قوات تتبع للحركة في ولاية الخرطوم وكل المدن، وذكر البيان أن القوات الموجودة في المدن معنية بتأمين الشخصيات المهمة المشار إليها في الاتفاقية.
ورفض البيان الربط بين قتل المتظاهرين ووجود قوات للحركات المسلحة في الخرطوم، وطالب مجلس الأمن والدفاع بتسمية الحركات التي لها قوات في مدن السودان.
لكن المستشار الإعلامي السابق السليك قال إن قرار المجلس إبعاد قوات الحركات المسلحة من الصعب تفسيره ما لم توضح الدوافع الرئيسية له، مشيرا إلى أن هذه القوات كان يتوجب إعادة انتشارها داخل مناطق القتال قبل اتفاق السلام بعد عملية حصرها وتحديد عديدها وعتادها، وقبل الشروع في عملية الدمج والتسريح.
وقال للجزيرة نت إن ما يثير التساؤلات حول هذا القرار هو تزامنه مع حديث السلطات عن وجود طرف ثالث هو من يقتل المتظاهرين، وقال "هل يشمل القرار كل القوات أم قوات حركات بعينها؟".
وفي الإطار، قال أسامة سعيد الناطق باسم الجبهة الثورية-تجمع الحركات الموقعة على اتفاق جوبا -في بيان صحفي- ليس هناك وجود لقوات باسم الجبهة الثورية في الخرطوم، والترتيبات الأمنية مع حركات الكفاح المسلح في دارفور والنيل الأزرق.