بين السفن الإيرانية والمساعي الأميركية لمد الغاز والكهرباء.. هل يتحول لبنان إلى ميدان معركة عنوانها "الطاقة"؟

حسن نصر الله: منذ اللحظة الأولى التي ستبحر فيها السفينة الإيرانية سنعتبرها أرضا لبنانية (رويترز)

بيروت – نقل الأمين العام حزب الله اللبناني حسن نصر الله لبنان إلى مستوى جديد من المعركة السياسية داخليا وإقليميا، بإعلانه الخميس انطلاق أول سفينة من إيران نحو لبنان، محملة بالمشتقات النفطية، محذرا الأميركيين والإسرائيليين من التعرض لها، ووصفها بأنها "أرض لبنانية"، مما اعتبره محللون أن الحزب يوسّع قواعد الاشتباك لتشمل البحار مع الحدود البرية جنوبي البلاد.

وفي تطورٍ موازٍ وبعد ساعات من خطاب نصر الله، أبلغت السفيرة الأميركية دورثي شيا رئيس الجمهورية ميشال عون قرار الإدارة الأميركية بمساعدة لبنان للحصول على الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا، بالإضافة إلى تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمال لبنان.

في هذا الوقت، يستمر انزلاق لبنان نحو حالة الفوضى، التي ارتفعت مؤشراتها بعد إقرار مصرف لبنان رفع الدعم عن استيراد المحروقات؛ مما أدى لتفاقم شحّ البنزين والمازوت، مع امتداد طوابير السيارات عند محطات الوقود، وأفرزت مواجهات وإشكالات أمنية بالشارع، كان آخرها مقتل نحو 30 شابًا وجرح العشرات إثر انفجار صهريج للمحروقات بعكار شمالي لبنان.

خلفيات إبحار السفينة الإيرانية

لم يوضح نصر الله تفاصيل تقنية حول حمولة السفينة وحجمها وآلية توزيعها وتفريغها وتسعيرها، لضمان إنجاح العملية، وقد يستغرق وصولها بين 10 و15 يومًا، وهي -حسب ما يرى الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حزب الله وسيم بزي- "تهدف لمساعدة اللبنانيين بعيدًا عن أي اعتبار طائفي أو مناطقي أو سياسي".

ويعتبر بزي أن نصر الله رسم معادلة عنوانها اعتبار السفن المتجهة من إيران أرضًا لبنانية، من دون أن يكشف آلية دخول الباخرة، "لكنها سترسو حتما على ميناء لبناني وليس في سوريا".

وقال المحلل السياسي للجزيرة نت إن تعريض السفينة لأي اختبار حربي، قد يكون الرد عليها باستهداف إسرائيل.

ويرى بزي أن إعلان السفيرة الأميركية استقدام الغاز المصري، هو تسجيل نقطة انتصار لصالح حزب الله، لأنه يثبت نظرية تورط أميركا بفرض حصار خانق على لبنان، وأن ليس لأميركا نية بمساعدة اللبنانيين لولا الحاجة لردود فعل على حزب الله.

سعد الحريري: سفن الدعم الإيرانية تحمل مخاطر وعقوبات إضافية (الأوروبية)

جبهات داخلية
وأولى ردود الفعل الداخلية صدرت عن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي اعتبر أن سفن الدعم الإيرانية تحمل مخاطر وعقوبات إضافية، واضعا خطوطا حمراء أمام الحكومة المقبلة حين تساءل: أي حكومة يريدونها أن تفتتح عملها باستقبال السفن الإيرانية والاصطدام مع المجتمع الدولي، بينما لبنان أحوج إلى حكومة تحظى بدعم الأشقاء والأصدقاء؟

ويشدد مصطفى علوش نائب رئيس تيار المستقبل، على المواقف التي أطلقها الحريري، معتبرًا أن حزب الله يستغل حاجة اللبنانيين لإيهامهم أنه قادر أن يفعل ما يعجز عنه الآخرون، وإذا كانت إيران تعاني من مشاكل بمشتقاتها النفطية، لماذا لا تصدر لحليفها النظام السوري؟ بحسب علوش، "بدل تشريع لبنان لعلميات تهريب المحروقات غير الشرعية نحو سوريا بغطاء من حزب الله".

وقال للجزيرة نت "إن أساس مشكلة لبنان وجود حزب الله، ولولاه تحرر البلد من خطر العقوبات الدولية وكانت مشاكله السياسية والأمنية أخفّ وطأةً".

ويرجح علوش أن يؤثر إعلان نصر الله سلبا على مسار تشكيل الحكومة، متهمًا حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون بتبادل الأدوار، و"هما يتكاملان بعملية إخضاع لبنان للسيطرة الإيرانية تحقيقًا لمكاسب داخلية وإقليمية".

تحدي قوانين البحار؟

وتنطلق سفينة المشتقات النفطية من إيران عبر التنسيق مع حزب الله وليس مع جهات رسمية بالدولة اللبنانية أو عبر طلب إذن من وزارة الطاقة، التي تبلغت الخبر كسائر اللبنانيين؛ مما يضمر، وفق رئيف خوري أستاذ القانون الدستوري والعلاقات الدولية، نية حزب الله اقتحام ما سمي حرب الناقلات البحرية بين إيران وإسرائيل.

ويشير خوري إلى أن القانون الدولي للبحار لا يعترف بمفاهيم كاعتبار السفينة أرضًا لبنانية، ويفرض إلزامًا أن تحمل الباخرة علمًا محددًا، وأن تسجل بالسجل الخاص لبلد ما، مردفًا أن القانون الدولي المكرس بمواثيق الأمم المتحدة، واضح لجهة عدم اعتبار أي باخرة امتدادًا لأرضٍ أو إقليم.

كذلك القانون اللبناني، بحسب خوري، يلزم البواخر اللبنانية أن تحمل علم لبنان، وأن تكون مسجلة لدى وزارة الاقتصاد والأشغال والنقل، مثلما تسجل الآليات لدى دوائر الميكانيك. ويعتبر أستاذ العلاقات الدولية أن خطاب نصر الله يهدف لخرق قرارات مجلس الأمن، مما قد يجر لبنان إلى معركة شاسعة أكثر خطرًا من حرب يوليو/تموز 2006.

لذا، قد يصبح لبنان عرضة للعقوبات الدولية، أسوةً بإيران التي تمنعها العقوبات تصدير نفطها، مما يعرض اللبنانيين أيضًا لتداعيات تدهور العلاقات مع الدول الخليجية، نتيجة الانصياع لنفوذ إيران. ويلفت خوري إلى أن استقدام الغاز المصري من شأنه مساعدة لبنان، وكان مطروحًا قبل فترة، وقد عرضه مرات عدة السفير المصري بلبنان، كما جرى تبليغ الحريري به أثناء زياراته للقاهرة.

وقال إن "مصر كانت بصدد تمديد الغاز من شمال سيناء عبر الأردن وصولًا إلى سوريا بموافقة النظام السوري، وأن يمر جزء من الأنابيب إلى لبنان بأسعار رمزية"، غير أن حزب الله كان يرفض ذلك، بطريقة غير مباشرة، إفساحًا للمجال أمام إيران".

متظاهرون وعناصر أمن قرب منزل حاكم البنك المركزي رياض سلامة عقب قرار رفع الدعم عن المحروقات (رويترز)

تداعيات حكومية

وبعد أن مهد نصر الله لخطوة استيراد المحروقات من إيران بخطابات سابقة، داعيًا أيضًا لتوجه لبنان شرقًا بدل انتظار الغرب، لم يكن إعلانه مفاجئًا، وفق جوزيف باحوط، مدير مركز عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية ببيروت.

وبالتالي، فإن نصر الله سعى لترجمة أقواله أفعالًا، حتى لو تعثر وصول السفينة، التي تبحر ضمن المعركة السياسية الكبرى، بصرف النظر عن حمولتها، وقدرتها على إنقاذ لبنان من شح المحروقات، وفق باحوط.

ويرى الأكاديمي أن نصر الله يسعى لترسيخ ميزان القوة لصالح إيران، عبر التحذير أيضًا من تطورات الأوضاع بأفغانستان، وكيفية مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وما أسماه الجماعات التكفيرية بالعراق.

ويذكر باحوط أن إيران سعت أخيرًا لتحريك جبهة الجنوب اللبناني ضد إسرائيل، وأن معركة الناقلات يجري ترجمتها بلبنان، بانتظار تداعيات الأيام المقبلة.

وقال باحوط للجزيرة نت، إن إقحام لبنان بالمحور الإيراني نتيجة عمل تراكمي لسنوات وليس وليد اللحظة، و"هناك أطراف محورية ستربح وأخرى ستخسر، لأن لبنان حتى بانهياره يتبع تحولات المنطقة".

وولادة الحكومة صارت أبعد من أي وقت مضى، لأن تصريح الحريري حمل إنذارًا مبطنًا للرئيس المكلف ميقاتي، واضعًا إياه، برأي باحوط، أمام خيارين: إما الاعتذار ليبقى تحت مظلة طائفته السنية وممثليها بعد تكليفه بدعمهم، وإما التخلي عنه إذا شكل حكومة تشرّع استيراد السفن الإيرانية.

المصدر : الجزيرة