هل يروي النيل ظمأ إسرائيل؟.. تساؤلات حول استدعاء تل أبيب في أزمة سد النهضة

الدكتور مصطفى الفقيالدكتور مصطفى الفقي الصورة من bibalex.org
الدبلوماسي المصري السابق ورئيس مكتبة الإسكندرية مصطفى الفقي (مواقع التواصل)

القاهرة – في مرتين متتاليتين بغضون أيام، استدعى رئيس مكتبة الإسكندرية مصطفى الفقي -الدبلوماسي المصري البارز- إسرائيلَ في ملف سد النهضة، مؤكدا أن لها تأثيرا في الملف؛ لأنها تحلم أن تكون إحدى دول مصب نهر النيل، على حد قوله.

تصريحات الفقي -سكرتير المعلومات والمسؤول السابق في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك- جاءت بعد أن ضاقت السبل أمام القاهرة في الحصول على دعم وتأييد دولي، خاصة من القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما أصاب المصريين بصدمة بعد جلسة مجلس الأمن الدولي في يوليو/تموز الجاري والتي لم تسفر عن قرار بشأن الأزمة.

وأعاد المجلس القضية إلى الاتحاد الأفريقي مجددا، وهو ما يعد ضربة لجهود مصر والسودان اللتين كانتا تأملان في إلزام إثيوبيا باتفاق ثلاثي حول اقتسام مياه السد.

وفي تصريحات للجزيرة نت، اتفق محللان سياسيان على أن تصريحات الفقي لا تمثل موقف القيادة المصرية، محذرين من تمكين تل أبيب من الحصول على أداة ضغط على مصر، وفي مرحلة أكبر الحصول على حصة من مياه النيل، كما كانت تحلم منذ تأسيس إسرائيل.

وسبق أن أوصى معهد لدراسات الأمن القومي في تل أبيب صنَّاع القرار الإسرائيليين باستغلال أزمة المياه وسد النهضة، لتوسيع التطبيع مع القاهرة.

استدعاء إسرائيل

وقبل أيام، قال الفقي إن "إسرائيل لو اقتنعت بضرورة دعم مصر في قضية السد، سيتغير الموقف الأميركي والروسي"، داعيا بلاده إلى "الاعتماد على الحلول غير التقليدية، والاتصالات مع الدول صاحبة التأثير الحقيقي".

وفيما شدد الدبلوماسي المصري السابق على أن "السياسة الخارجية لا تعرف المثاليات"؛ أشار إلى أن إسرائيل تحلم بأن تكون إحدى دول مصب نهر النيل، منذ عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، مضيفا أنها "ما زالت قادرة على التأثير على أديس أبابا لتغيير الوضع، إلا إذا كان هناك اتفاقات سرية لوصول مياه النيل لإسرائيل عن طريق غير مصر".

ولم يصدر عن السلطات المصرية أي تعليق على كلام الفقي، رغم أنه كان يتكرر للمرة الثانية في غضون أسبوع، فقبل يومين من جلسة مجلس الأمن، دعا الفقي بلاده إلى حشد كل قواها وأوراقها التي لم تستخدم للضغط على إثيوبيا، وبينها الحديث مع إسرائيل.

وسبق للفقي أنْ ربط بين إسرائيل وبناء السد، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2019، قال إن بطاريات الصواريخ الإسرائيلية تحيط بجدران السد لحمايته.

بدورها، نفت السفارة الإسرائيلية في مصر -الأحد الماضي- ضلوع تل أبيب في أزمة السد، مشيرة إلى أن "لديها ما يكفيها ويسد احتياجاتها".

وحرصت السفارة على القول إن إسرائيل "تعتمد على طرق المعالجة الزراعية وتحلية مياه البحر للشرب، ولديها التكنولوجيا التي توفر لها المياه"، مؤكدة أن بلادها "دائما على استعداد لوضع خبراتها وتوسيع التعاون المشترك في مجال تكنولوجيا المياه مع مصر".

وفي أواخر 2019، نشرت تقارير إعلامية عن وجود أنظمة دفاعية إسرائيلية لحماية سد النهضة، فيما ردت السفارة الإسرائيلية بالقاهرة قائلة إنها "إشاعات"، مؤكدة على وقوف تل أبيب على مسافة واحدة من البلدين.

وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية قبل أيام أن تل أبيب سبق أن رفضت التوسط في ملف السد، رغم أن ما يحصل من متاعب في جنوب إسرائيل (في إشارة إلى مصر) قد يؤدي إلى ما يريحها.

وقال الكاتب الإسرائيلي جاكي خوجي -في مقال بالصحيفة يوم الأحد الماضي- إن "المصريين سألوا إسرائيل قبل نحو عامين عما إذا كانت تريد التوسط في هذه القضية، وتمت مناقشة السؤال بجدية وتقرر رفض الاقتراح بأدب"، وهو ما لم يتسن الحصول على تعقيب فوري من السلطات المصرية بشأنه.

رفض وتحذير

تصريحات الفقي حول الدور الإسرائيلي في ملف السد، أجمع على رفضها مؤيدون ومعارضون للسلطات.

فقد حذَّر الكاتب الصحفي عبد الله السناوي من تآمر دولي بدرجات مختلفة ولدواع متباينة ضد مصر، محذرا من أن إسرائيل تسعى إلى ملء الفراغ المصري في قارة أفريقيا، في العقود الأخيرة.

كما اعتبر البرلماني مصطفى بكري (إعلامي مقرب من السلطة) أن أزمة سد النهضة سياسية وأن الهدف وراء المشروع الإثيوبي هو إيصال مياه نهر النيل إلى إسرائيل.

بدوره، حذَّر البرلماني السابق أحمد طنطاوي (معارض) من ترويج عدم وجود مشكلة في إيصال النيل إلى إسرائيل ما دام ذلك يضمن وصول حصة مصر من المياه، معتبرا ذلك "أكذوبة كبرى يروجها البعض ويصدقها كثيرون".

فرصة سانحة

تمثل دعوة الفقي -إنْ استجابت لها الإدارة المصرية- فرصة سانحة لتل أبيب التي ترغب في زيادة مساحة التطبيع مع القاهرة، والذي لم يتخط -منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979- العلاقات الدبلوماسية والتنسيق الأمني، دون أن يحدث اختراقا في جدار الرفض الشعبي.

وفي أغسطس/آب 2018، أوصت دراسة صادرة عن "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، باستغلال أزمة المياه في مصر، مشيرا إلى أن انفتاح مصر على المساعدات الخارجية في التعامل مع مشكلة المياه، وأن الخط البراغماتي الذي يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي، يخلق فرصة لتمديد التطبيع.

وحول الإمكانيات الإسرائيلية التي يمكن أن تستفيد منها مصر، أوضح المعهد أن تل أبيب قادرة على توفير تقنيات إعادة التدوير، وتحلية المياه، والزراعة، كما حدث في تعزيز العلاقات الإسرائيلية الأردنية في هذا الشأن.

ورصدت الدراسة مجموعة من المصالح الإسرائيلية يمكن أن تتحقق في إطار استغلال فرصة دعم مصر في مجال المياه، منها تعزيز الاعتراف المصري بفوائد السلام، وتوسيع نطاق العلاقات الثنائية على المستويين الحكومي والمدني، ومنع الفقر المائي الذي يهدد الاستقرار المستقبلي لمصر والمنطقة.

كما تطرق المعهد إلى ترويج الرئيس السابق أنور السادات إلى فكرة مشروع تدفق مياه النيل من مصر إلى إسرائيل، مشيرا إلى أن الظروف الحالية تمنح البلدين فرصة لإحياء هذه الرؤية.

سرديات تاريخية

وبالنسبة للدور الإسرائيلي الخاص بمياه النيل، فإن السرديات الشعبية والإعلامية المصرية تربطه بموقفين، الأول يتمثل في تآمر ودفع دول أعالي النيل كإثيوبيا إلى تنفيذ مشروعات مائية لتهديد ومحاصرة مصر، مع الإشارة إلى قيام إسرائيل بالإسهام في تمويل وتشييد هذه السدود.

وما يزيد من مخاوف التدخل الإسرائيلي في أزمة السد، دعوة خبراء من تل أبيب -في ندوة افتراضية نظمتها الأخيرة أواخر 2020 بمشاركة خبراء ومسؤولين أفارقة- المصريين إلى "تقبل الواقع الجديد بشأن السد، وأن يعدلوا وجهة نظرهم تجاه نهر النيل عموما".

أما الموقف الثاني فيتمثل في نفي وجود دور لإسرائيل في مسألة مشروعات السدود والتخزين المائي في دول المنبع، خلافا للدور والنفوذ الاقتصادي والتجاري.

وما يعزز الموقف الثاني، تأكيد وزير الري المصري محمد عبد العاطي -أواخر يونيو/حزيران الماضي- أنه لا يمتلك أية وثائق أو وقائع على بيع إثيوبيا المياه لإسرائيل.

غير أن الدور الإسرائيلي في حوض النيل قد لا يقتصر على القيام بمشروعات مائية فحسب، حيث إن أطماع إسرائيل في مياه النيل تعود إلى أفكار مؤسس المشروع الصهيوني "ثيودور هرتزل".

ففي عام 1903، قدمَّ هرتزل للحكومة البريطانية (أثناء الاحتلال البريطاني لمصر والسودان) فكرة تحويل جزء من مياه النيل إلى صحراء النقب، وسعى إلى تسويق فكرته عن طريق شق قناة توصل مياه النيل إلى "إسرائيل" عبر سحارات بقناة السويس.

كما وقفت تل أبيب في تسعينيات القرن الـ20 الماضي إلى جانب دول مثل كينيا وأوغندا وتنزانيا، حين طالبت بتسعير المياه وإعادة النظر في الاتفاقيات القائمة بشأن الانتفاع بمياه النيل.

وعلى الجانب الآخر، فإن الطرف الإثيوبي يرى في إسرائيل دولة متقدمة تكنولوجيا، قد تساعده في تحقيق مصلحته الوطنية وتنميته وأمنه القومي.

أداة ضغط

وحول استدعاء إسرائيل لحلحلة الأزمة، وهل يمثل ذلك موقف القيادة المصرية أم أنها تصريحات تلقائية، عبّر الأكاديمي والمحلل السياسي خيري عمر عن اعتقاده أن الفقي يعبر عن نفسه ويحاول لفت الأنظار.

وفي تصريحات للجزيرة نت، اعتبر عمر أن تصريحات الفقي تأتي في سياق غير أمين، لخفض مستوى التعامل في أزمة السد، محذرا من أن الحديث يمثل فرصة ثمينة لإسرائيل التي تبحث عن ثمار تجنيها من وراء الأزمة، وتماهيا مع أهدافها.

وأشار إلى أنه من الوارد أن تكون إسرائيل تبحث عن فرصة لتوسيع التطبيع أو استغلال الملف كأداة ضغط على القاهرة، أو في مرحلة أكبر الحصول على حصة من مياه النيل في سياق الرغبات الإسرائيلية التاريخية.

كما شدد على أن التدخل الإسرائيلي في ملف السد -إذا وقع- لن يسهم في حلحلة الأزمة، مضيفا أن تدخل إسرائيل سيدفع إلى مزيد من التأزيم، وهي ليست دولة قوية كما يشاع ولا تصلح وسيطا لاعتبارات كثيرة، منها أنها لا تزال عاملا من عوامل التوتر الإقليمي.

بدوره، اتفق الباحث المتخصص في النزاعات الدولية والعلاقات الاقتصادية، إبراهيم نوار مع الطرح السابق، معبرا عن اعتقاده بأن حديث الفقي يمثله ولا يمثل موقف القيادة المصرية.

وتهكم نوار قائلا "بعد أن كانت إسرائيل هي سبب كل مشكلة نواجهها، فإنها أصبحت بقدرة قادر هي الحل لكل مشكلة مستعصية".

ورأى أن أزمة مياه النيل، في جوهرها اختبار لقوة الإرادة السياسية، وتمثل صراع إرادة، مشيرا إلى أن إسرائيل أو أية دولة إذا تدخلت، فإن ذلك يكون لتحقيق مصالحها وليس من أجل سواد عيون الآخرين.

كما حذَّر نوار من المساعي الإسرائيلية للحصول على فرصة للضغط على مصر عبر ملف السد، بما يحقق في النهاية رغبتها التاريخية بأن تصبح دولة مصب لنهر النيل، مستدركا بالقول إن إسرائيل ليست بحاجة إلى مصر للحصول على ما تريد من إثيوبيا أو أية دولة أفريقية أخرى، وبالتالي علينا أن نفكر ونسأل ما هو الثمن الذي سنعرضه على تل أبيب للحصول على دعمها في ملف السد؟

المصدر : الجزيرة