انسحاب بطعم الهزيمة.. معركة بواشنطن بسبب قرار الانسحاب من أفغانستان

ظهر كبار أركان إدارة الرئيس الأميركي في برامج الأحد الحوارية للدفاع عن قراره استكمال الانسحاب العسكري من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل، في وقت تستعر فيه الحملة داخل العاصمة ضد القرار من صقور الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

US soldiers walk at the site of a Taliban suicide attack in Kandahar on August 2, 2017.A Taliban suicide bomber on August 2 rammed a vehicle filled with explosives into a convoy of foreign forces in Afghanistan's restive southern province of Kandahar, causing casualties, officials said. 'At around noon a car bomb targeted a convoy of foreign forces in the Daman area of Kandahar,' provincial police spokesman Zia Durrani told AFP. / AFP PHOTO / JAVED TANVEER        (Photo credit should read JAVED TANVEER/AFP/Getty Images)
جنود أميركيون بولاية قندهار جنوبي أفغانستان (غيتي)

تشهد العاصمة الأميركية سجالا قويا حول قرار الرئيس جو بايدن الانسحاب من أفغانستان، بين من يرى أنه يعني ترك أمن وسلامة الأميركيين رهينة في يد تنظيم طالبان، وآخرين اعتبروا أنه لا يوجد سبيل للانتصار في أفغانستان، وأن على الرئيس التمسك بقرار الانسحاب رغم المعرضة الواسعة للقرار.

فقد عبر عدد من الجنرالات بعضهم قاد القوات الأميركية في أفغانستان، بمن فيهم الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة ديفيد بترايوس الذي أصبح لاحقا مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، والجنرال جوزيف دانفورد القائد السابق للقيادة العسكرية الوسطى، عن رفضهم للقرار، وقالوا إن ذلك سيجعل أميركا أكثر عرضة للتهديدات الإرهابية، ويمثل انتصارا لحركة طالبان.

في حين أشار آرون ديفيد ميلر المسؤول السابق بالخارجية في تغريدة له عن صعوبة البدائل أمام الرئيس، وقال "ليس هناك ما يدعو للابتهاج، لأن البؤس ينتظر الأفغان، أكثر من تريليوني دولار تم أنفاقها، وكلف ذلك العديد من أرواح الأميركيين، إضافة للجرحى، وحيث لم يكن هناك مسار للانتصار، كان بايدن شجاعا في اتخاذه القرار".

أركان الإدارة يدافعون عن بايدن

وظهر كبار أركان إدارة الرئيس في برامج الأحد الحوارية للدفاع عن قراره باستكمال الانسحاب العسكري من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل، في وقت تستعر فيه الحملة داخل واشنطن ضد قرار بايدن من صقور الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وتحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن بلاده تدخلت في أفغانستان لأنها هوجمت في 11 سبتمبر/أيلول 2001 للتأكد أنها لن تصبح ملاذا للإرهاب الموجه للولايات المتحدة، مشيرا إلى أن "الأهداف من وراء التدخل تحققت ومنها تدهور تنظيم القاعدة وتراجع قدرته على شن أهداف ضد الولايات المتحدة، وتقديم أسامة بن لادن إلى العدالة قبل 10 سنوات".

في حين أشار جيك سوليفان مستشار الأمن القومي أن اهتمام بايدن بالملف الأفغاني لن يتراجع بعد استكمال الانسحاب، مؤكدا أن بلاده "ستحافظ على قدراتها في المنطقة لنتمكن من التعامل مع أي تهديد من أي منظمات إرهابية مثل تنظيم الدولة أو القاعدة، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم المساعدات المدنية والإنسانية للشعب الأفغاني.

وبدوره أشار بلينكن إلى أنه -ونظرا لتغير المشهد في الشرق الأوسط منذ التدخل الأميركي في أفغانستان قبل 20 عاما- فإن الولايات المتحدة يجب أن تتعامل اليوم مع واقع جديد، معتبرا أن هدف بلاده الآن في أفغانستان هو "إيجاد تسوية عادلة ودائمة لهذا الصراع المستمر منذ 4 عقود".

بلينكن: الأهداف من التدخل في أفغانستان تحققت (الأوروبية)

هل نترك تأمين أميركا في يد طالبان

وفي المقابل أشار معارضون لقرار الانسحاب إلى ما ذكره مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز قبل أيام أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أنه "عندما يحين الوقت لانسحاب الجيش الأميركي فإن قدرة الحكومة على مواجهة التهديدات والتصرف بشأنها سوف تتضاءل".

وفي تعليق له على قرار بايدن بالانسحاب، أشار زعيم الاقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل إلى أن الولايات المتحدة تعطى أفغانستان "كهدية وتسلمها مباشرة إلى طالبان".

كذلك أعتبر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، في مقال له كتبه بالمشاركة مع الجنرال جوزيف كين، أن قرار الانسحاب ضد رغبة كبار القادة العسكريين و"سيعود ليطارد الأمة والعالم، كما حدث في العراق عام 2011 في الأشهر والسنوات المقبلة".

وتوقع السيناتور والجنرال كين أن تسيطر حركة طالبان على كل أفغانستان، في حين "سيبدأ الإيرانيون في السيطرة على غرب أفغانستان، وستبدأ حركة طالبان في إدارة المنطقة الجنوبية من البلاد، وسيعود التحالف الشمالي القديم للظهور، وسيكون شرق أفغانستان تحت سيطرة شبكة حقاني، وهي منظمة صنفتها وزارة الخارجية منظمة إرهابية".

وأشار السيناتور غراهام إلى أن بايدن عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما عام 2009 كان الصوت الوحيد الذي عارض رغبة أوباما في تخفيض أعداد القوات الأميركية أو الانسحاب من أفغانستان، و"الذي كان ينظر إليه على أنه نتيجة لضغط البنتاغون على رئيس عديم الخبرة".

البديل الثالث

واعتبر مراقبون أن هناك بديلا ثالثا وسطيا بين قرار انسحاب القوات وبين الرغبة في إبقائها.

وقد طالب السيناتور غراهام والجنرال كين "بالإبقاء على قوة صغيرة لمكافحة الإرهاب من الجنود الأميركيين وقوات حلف شمال الأطلسي تقوم بمساعدة الجيش الأفغاني، وتعمل على مواصلة دفع الأطراف الأفغانية إلى إيجاد حلول سياسية للمشاكل المعقدة في أفغانستان".

كما اعتبر مراقبون أن قرار بايدن يُعد سياسيا بالأساس وسيضر بالأمن القومي الأميركي، وتم اتخاذه بعيدا عن الاعتبارات الإستراتيجية، ويقر هؤلاء أنه لا توجد خيارات يعتقد بها عندما يتعلق الأمر بأفغانستان، فقط هناك خيارات صعبة، ولسوء الحظ اختار الرئيس بايدن الخيار الأكثر خطورة.

ومن جانبه ذكر مارفن وينباوم رئيس قسم الدراسات الأفغانية بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن أنه وبدون الدعم الجوي "سيبدأ الجيش الأفغاني قريبا في الانهيار، وستكون النتيجة ترك حكومة كابل ضعيفة ويمهد الطريق لهيمنة سياسية مبكرة لطالبان.

Senate Majority Leader Mitch McConnell speaks to a gathering of the Federalist Society at the State Capitol in Frankfort, Kentucky, U.S. October 7, 2019. REUTERS/Bryan Woolston
ماكونيل: الولايات المتحدة تسلم أفغانستان هدية لطالبان (رويترز)

لا تتراجع يا جو

ومن جهته اعتبر البروفيسور ستيفن والت أستاذ السياسة الخارجية بجامعة هارفارد أن بايدن اتخذ القرار الصائب فيما يتعلق بأفغانستان. وذكر في مقال له بموقع فورين بوليسي أن "أسلاف بايدن الثلاثة: جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب حاولوا وفشلوا فيما يجب فعله بشأن جهود الولايات المتحدة الفاشلة لبناء الدولة في أفغانستان" ورأى أن الرؤساء السابقين اختاروا ألقاء المهمة على الرئيس القادم، وهو ما أدى لإطالة أمد حرب لا يمكن الفوز بها.

وبحسب والت فإن الرؤساء السابقين أدركوا أنه لا يمكن الانتصار، حتى لو تم بذل المزيد من الجهد وتم تخصيص المزيد من الموارد، لكنهم تجنبوا تحدي مؤسسات صنع السياسة الخارجية التي لم تكن تعرف كيف تكسب الحرب، ولكنها أصرت على السماح بمواصلة المحاولة الفاشلة.

ويعتقد الرئيس أن مطلب الانسحاب القائم على الشروط لا معنى له لأن الشروط المقترحة خارجة عن متناول البلاد، وأن هذه السياسة كانت ستُبقي القوات الأميركية هناك إلى الأبد، طبقا للبروفيسور والت.

ويرى مراقبون ليبراليون أن إبقاء القوات الأميركية فترة أطول لن يغير نتيجة الحرب، خاصة بعدما تم استهلاك كل المبررات على مدار العشرين عاما الأخيرة.

ووفق هؤلاء فإن العسكريين وعدوا بأن تغيير التكتيكات من شأنها أن تغير النتائج على الأرض، وتم تطبيق برامج مكافحة الفساد والقضاء على الأفيون والانتخابات الجديدة وزيادة أعداد القوات الأجنبية، لكن كل تلك الأساليب فشلت في تغيير الواقع الأفغاني.

وأشار والت إلى أن تقرير فريق دراسة أفغانستان الأخير-وهو فريق استشاري شكله معهد السلام الأميركي بهدف تقديم اقتراحات للإدارة الجديدة حول أفغانستان- لم يستطع تقديم تنبؤ واثق بالنجاح نهاية المطاف أو تفسير السبب في أن البقاء فترة أطول سيؤدي إلى نتائج مختلفة إلى حد كبير.

المصدر : الجزيرة