رغم "فيتو" إثيوبيا.. لماذا تلتزم مصر بإعلان المبادئ في مفاوضات سد النهضة؟

اتفاق بشأن سد النهضة لا يبدد مخاوف المصريين
اتفاق 2015 لم يحقق شيئا لمصر رغم أن إعلام السلطة اعتبره آنذاك حاسما لإنهاء أزمة سد النهضة (الجزيرة)

بعد تأزم الوضع ومرور سنوات من دون تحقيق أي تقدم في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي؛ عادت إلى الظهور دعوات موجهة إلى النظام المصري بضرورة التراجع عن وثيقة "إعلان المبادئ"، التي وقعها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع قادة السودان وإثيوبيا قبل 6 سنوات، والبحث عن آليات بديلة للتفاوض.

وفي مواجهة هذه الدعوات التي تزامنت مع تقارب سياسي وعسكري كبير بين القاهرة والخرطوم، خرجت في مصر حملة إعلامية تبدو "منسقة" تؤكد أهمية هذا الاتفاق بالنسبة لمصر في المسار التفاوضي، وأنه لا بديل عنه في التعامل مع الأزمة.

وفي حين لم تتبق سوى 4 أشهر على الملء الثاني للسد في يوليو/تموز المقبل حسب تأكيدات إثيوبية، تثار تساؤلات حول أسباب الإصرار المصري على الالتزام بالوثيقة الثلاثية، خاصة أنها لم تحقق لمصر شيئا ملموسا، فضلا عن كون مادتها العاشرة تمنح أديس أبابا حق الاعتراض على الوساطة الدولية التي لن تكون ممكنة إلا بموافقة الدول الثلاث.

وبالفعل، رفضت الحكومة الإثيوبية مؤخرًا اقتراحًا سودانيًا -تدعمه القاهرة- بتشكيل لجنة رباعية دولية للوساطة تضم الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي، إلى جانب الولايات المتحدة، بالتزامن مع التزام مصري بالمسار التفاوضي، وعلى رأسه "إعلان المبادئ".

وظهر الجدل حول المادة العاشرة من الوثيقة أواخر العام قبل الماضي، حين كان البنك الدولي وواشنطن يرعيان مفاوضات ثلاثية، وانتهت برفض إثيوبي، مما وضع أديس أبابا لاحقًا أمام عقوبات من الإدارة الأميركية وتحذيرات من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأن السد قد يتعرض للتدمير من قبل مصر.

ترويج إعلامي

لم يكن الترويج المحلي لإيجابيات وثيقة إعلان المبادئ وليد اللحظة؛ إذ إنه مستمر منذ توقيعه في مارس/آذار 2015، باعتباره ضمانًا للحقوق المصرية.

وفي مقال بصحيفة الشروق، السبت الماضي، تساءل الإعلامي المقرب من النظام عماد الدين حسين: لماذا نستمر في اتفاق المبادئ مع إثيوبيا؟ وما الذي يجعل مصر تتمسك بالمفاوضات، رغم أنه ثبت بالدليل القاطع تعنت ومراوغة إثيوبيا طوال 10 سنوات منذ اندلاع الأزمة؟

ونقل حسين عن سياسي مصري قريب من ملف السد (لم يسمه) تأكيده أهمية إعلان المبادئ، باعتباره "أفضل ورقة سياسية وقانونية في يد مصر حاليًا"، وشدد على أن بلاده ما زالت لم تتعرض إلى ضرر فعلي من إثيوبيا حتى الآن؛ لأن حصتها من المياه لم تتأثر، ولا تنوي إلحاق الضرر بمصر.

 

 

 

 

كما استضاف الإعلامي أحمد موسى المحامي الشهير وعضو مجلس الشيوخ حاليا سامح عاشور، الذي قال بدوره إن التهكم على اتفاقية المبادئ في غير محله، لأنه اتفاق محكم وصحيح.

وسبق أن تحدث أستاذ القانون الدولي ووزير التعليم العالي الأسبق مفيد شهاب، وسط ترحيب إعلامي في أكتوبر/تشرين الأول 2019 حول "أهمية إعلان اتفاق المبادئ، وكيف أثر على سير المفاوضات وضرورة التمسك به"، معتبرًا أنه "انتصار كبير والتزام مهم من الدول الثلاث".

تحذيرات متكررة

وفي مقابل الالتزام الرسمي بإعلان المبادئ، يتفق معارضون ومؤيدون للنظام على أن الاستمرار في الاتفاق يهدد حصة مصر المائية، في ضوء إعلان إثيوبي عن قرب المرحلة الثانية لملء بحيرة السد، مما يعني نقص المياه الواردة إلى مصر.

وقبل 3 أسابيع، دشن معارضون بالخارج حملة إلكترونية للتوقيع على وثيقة تطالب بإسقاط توقيع السيسي على اتفاقية إعلان المبادئ، باعتبارها "أعطت أديس أبابا شرعية قانونية لاستكمال بناء السد والمضي قدمًا في ملئه".

وعلى مدار اليومين الماضيين، جدد دبلوماسيون وسياسيون وخبراء بارزون تحذيرهم من الاستمرار في اتفاق المبادئ.

مرجعيات بديلة

الأكاديمي والمحلل السياسي المصري خيري عمر قال إن بلاده ملتزمة بالتفاوض، منذ أن سعت في مايو/أيار 2014 نحو البحث عن إطار قانوني للتعامل مع السد، ويكون إحدى المرجعيات لإدارة الأزمة.

وفي ما يتعلق بإعلان المبادئ، رأى في تصريحات للجزيرة نت أنه مع كثرة المفاوضات والتعنت الإثيوبي والأعمال الأحادية وعدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية، فإن المادة العاشرة من الإعلان لن تكون كافية لإدارة العلاقة بين الأطراف الثلاثة.

وتوقع في المدى المنظور أن تلجأ القاهرة إلى تفسيرات أخرى تفتح الطريق أمام مفاوضات جادة، موضحًا أن مصر قد تستند في حل إشكالية المادة العاشرة إلى المادة الأولى من الإعلان، التي تنص على التعاون على أساس مبادئ القانون الدولي.

وأوضح أن "اتفاق مالابو" قد يكون من المصادر الرئيسية في إعادة التفسير من جديد، حيث به فسحة كبيرة، أو الرجوع لسوابق أخرى في الأزمات المشابهة، متوقعًا -في حال استمرار إثيوبيا في الملء الثاني وعدم الرغبة في التحكيم الدولي- حدوث تغيير أكثر فعالية في الموقف المصري، باعتبار أن التحكيم الدولي يأتي إذا تم تثبيت الوضع القائم.

وفي صيف 2014، اتفق السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا السابق هايلي ماريام ديسالين في العاصمة الغينية مالابو على حزمة من الإجراءات تؤكد التزام إثيوبيا بتجنب أي ضرر محتمل لمصر، وبالحوار البناء، واحترام مبادئ القانون الدولي، واحترام نتائج الدراسات المزمع إجراؤها خلال مختلف مراحل تنفيذ السد.

ووفق مراقبين، فإن مصر تستند في أزمة السد إلى عدد من المبادئ العامة في القانون الدولي، مثل مبادئ القانون الدولي لاستعمال المجاري المائية الدولية في غير أغراض الملاحة، ومبادئ احترام الحقوق المكتسبة للدول، ومبدأ عدم التسبب في إحداث ضرر، ومبدأ الإخطار المسبق.

وحول دعوات التراجع المصري عن الوثيقة، قال عمر إن البقاء أو الخروج منها ليس هو المسألة؛ بل كيف يمكن للقاهرة أن تعيد تفسيرها مرة أخرى.

مشوار طويل

ورأى في طلب السودان إدخال أطراف أخرى كجانب رقابي وراع، وليس مجرد حضور -في إشارة إلى مساعي التدويل- أحد التفسيرات والسيناريوهات الحالية.

وعلى الجانب الإثيوبي، توقع عمر تمسكًا بحق الاعتراض الذي تفرضه المادة العاشرة، وبالتالي يبقى لجوء مصر إلى تفسيرات مخالفة للاتفاق الإطاري "أمرًا صعبًا" إذا لم تتدخل دولة راعية للمفاوضات كالولايات المتحدة، أو أن تخفف الصين مساندتها لأديس أبابا.

لكنه عاد وأكد أن المفاوضات لا يزال مشوارها طويلاً؛ لاعتبارات كثيرة؛ منها الإدارة الهيدروليكية والمائية للنيل الأزرق، وتنبؤات الملء الثاني التي تتحدث عن عدم التأثير السلبي المباشر على الحصة المائية لمصر.

وبناء على ذلك، ذهب عمر إلى القول إن القضية ليست تمهل مصر في المفاوضات اعتمادًا على الاتفاق الإطاري، بل الرغبة في حل الأزمة كحزمة واحدة، بداية من وضع الملء والتشغيل والإدارة المشتركة وإدارة سريان المياه وغيرها، مشيرًا إلى أن الرؤية المصرية لا تقتصر على أن تأثيرات الملء الثاني ليست مميتة، وإنما في تعزيز الأعمال المنفردة من قبل إثيوبيا.

مات إكلينيكيًا

من جانبه، اعتبر مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية محمد حامد أن إعلان المبادئ "مات إكلينيكيًا بمجرد البدء المنفرد في ملء السد صيف العام الماضي"، مؤكدًا أنه أصبح غير ملزم للجميع.

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال إن ملء خزان السد ورفض إثيوبيا اللجوء للتحكيم الدولي وإفساد إعلان المبادئ مرارًا، يعد أكبر اختراق لهذه المبادئ العامة، مشيرًا إلى أن مصر لن تقرر سواء في البرلمان السابق أو الحالي طرح الإعلان للمناقشة بعد أن تجاوزه الزمن.

واستنكر حامد رفض إثيوبيا اللجوء للوساطات الدولية بزعم أن إعلان المبادئ يمنحها حق الاعتراض، مشيرًا إلى أن وساطة واشنطن الأخيرة وافقت عليها على مضض وفي النهاية تهربت منها.

وتوقع استمرار "التعنت والرفض" الإثيوبي للوساطة، مشيرًا إلى أن الخيار الأمثل للأزمة الحالية هو إعلان إثيوبيا بشكل مباشر أنها سترجئ أية محاولة للملء الثاني، وأنه لن يتم إلا بالتوافق الثلاثي.

وشدد على أهمية التوافق على طرق عمل وتشغيل السد من خلال وثيقة ملزمة تحفظ حقوق مصر والسودان التاريخية، وألا يكون السد محطة وأداة للضغط على دولتي المصب وأمنهما القومي.

وأشار إلى أن القاهرة لا تزال في مربع التحذير ولم تهدد أو تكشر عن أنيابها بعد، مؤكدًا أن الحديث عن الملء الثاني أصبح علامة تهديد للأمن القومي بشكل واضح على لسان المسؤولين في كل من مصر والسودان.

المصدر : الجزيرة