السيسي رفع الأجور والمعاشات.. فلماذا غضب المصريون؟

تظاهر أصحاب المعاشات في مصر
مظاهرة سابقة لأصحاب المعاشات في مصر (الجزيرة)

لم تكتمل فرحة المصريين بما أعلنت عنه السلطة من زيادة للأجور والمعاشات، وامتزجت بكثير من الشكوى والتذمر والريبة، خاصة لدى أصحاب المعاشات، بعد أن جاءت أقل من المتوقع وأدنى من معدلات الزيادات السابقة.

وأعلنت رئاسة الجمهورية في بيان، يوم الاثنين الماضي، توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيادة أجور العاملين بالجهاز الإداري للدولة ورفع الحد الأدنى للأجور وزيادة المعاشات، وذلك خلال استعراض موازنة العام المالي القادم.

وتحدث البيان عن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 2400 جنيه (الدولار يساوي نحو 15.70 جنيها)، وزيادة قيمة المعاشات بنحو 13%، بالإضافة إلى إقرار علاوات وحوافز.

وتمثل الزيادة الجديدة أقل نسبة لزيادة الحد الأدنى للأجور منذ العام 2010، الذي كان قد شهد أول رفع للحد الأدنى منذ العام 1984، وفق موقع "مدى مصر" الخاص.

أقل زيادة

وبتتبع معدل الزيادات في الحد الأدنى للأجور من 2010 وحتى 2021، يتضح أن الزيادة الجديدة لم تتجاوز 20% بعد سنتين من القرار السابق برفع الحد الأدنى للأجور.

ففي 2011 ارتفع الحد الأدنى للأجر إلى 708 جنيهات في الشهر ارتفاعا من 444 جنيها، ثم ارتفع في 2013 إلى 1200 جنيه.

وتوقفت الأجور عند مستواها الأخير لعدة سنوات، ثم شهدت زيادة أصغر حجما عام 2019، حيث ارتفع الحد الأدنى للأجور إلى 2000 جنيه بدلا من 1200 جنيه، ثم ارتفعت مؤخرا إلى 2400 جنيه فقط، أي بزيادة 400 جنيه مقابل 800 جنيه عن الزيادة السابقة.

 

غضب أصحاب المعاشات

وبدلا من زيادة المعاشات بنسبة 15% كما جرت العادة، زادت بنسبة 13% فقط، كما أن النمو في مخصصات الأجور إجمالا في موازنة العام المالي الجديد البالغ نحو 11%، يقل عن العام السابق بنحو 2%.

ويستفيد من قرار الزيادة نحو 5 ملايين موظف بالجهاز الإداري للدولة، ونحو 10 ملايين من أصحاب المعاشات، وفق وزير المالية محمد معيط.

الجزء السيئ في تلك الزيادات أيضا أنه سوف يتم تمويلها عبر "زيادة القاعدة الضريبية"، بحسب تصريحات الوزير في مداخلة هاتفية بإحدى القنوات الفضائية.

 

حاجة ملحة لا منحة

هناك العديد من الملاحظات بشأن تلك القرارات الأخيرة، بحسب الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، الذي قال إن "هناك تصميما من الدولة على تحجيم الإنفاق على الأجور، والحجة أن زيادة الحد الأدنى للأجور أكبر مما هي متوقعة ستؤدي إلى تضخم، ولكن في الحقيقة السوق المصري يعاني من ركود واضح بسبب تراجع الاستهلاك، والدولة قامت بالعديد من المبادرات والإجراءات لزيادة الإنفاق من أجل تنشيط الأسواق".

وأكد الخبير الاقتصادي للجزيرة نت أن زيادة الأجور والمعاشات، بما يواكب زيادة الأسعار، لن تؤثر على موازنة الدولة التي تقترض مئات المليارات سنويا، ولكنْ هناك اتجاه لإبقاء المصريين عند مستوى خط الفقر لأسباب سياسية، مضيفا "وفي محاولة لإخفاء حجم الزيادة المتواضع خرج الإعلام يطبل لها"، وفق وصفه.

وبشأن مخاوف المصريين وغضبهم من تلك الزيادات، أوضح ذكر الله أن لها ما يبررها بسبب التجارب السابقة للشعب المصري مع الزيادات، حيث ترسخ لدى المواطن المصري أن الحكومات سلطة جباية وليس سلطة منحٍ، والدولة لا تراعي أصحاب المعاشات الذين يعيشون على حد الكفاف.

حفاوة رسمية وغضب شعبي

جدير بالذكر أن ما أعلنته السلطة عن رفع الحد الأدنى للأجور لا يشمل العاملين في القطاع الخاص، لأنه مرتبط بالمجلس القومي للأجور، ويقل متوسط الأجر الأسبوعي في القطاع الخاص عن مثيله في قطاع الأعمال العام والقطاع العام بنسبة أكثر من 45%، طبقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

واستقبل الإعلام التابع للسلطة قرارات الزيادة، رغم ما شابها من منغصات لأصحاب المعاشات والقطاع الخاص وتراجع مخصصات زيادة الأجور في الموازنة الجديدة، بحفاوة كبيرة، ووصفها بعضهم بـ"هدايا السيسي للمصريين"، كما وجّه النواب رسالة للسيسي بأنه "يحنو على المصريين".

الخبير الاقتصادي أحمد أبوعلي أشاد بالقرارات، واعتبرها دليلا "على اهتمام القيادة السياسية في مصر بملف العدالة الاجتماعية"، على حد وصفه، وأكد في تصريحات تلفزيونية أن "زيادة الأجور تبلغ ضعف مستوى التضخم"، مشيرا إلى أن السنوات الست الماضية شهدت تحسنا اقتصاديا كبيرا بفضل الإصلاح الاقتصادي.

في المقابل، وفي بيان شديد اللهجة، رفض الاتحاد العام لنقابات أصحاب المعاشات نسبة الزيادة الجديدة، ووصفها بأنها لا تمت بصلة "للشعارات التي تطلقها الحكومة المصرية عن العدالة الاجتماعية"، وطالب بزيادتها إلى 20% بدلا من 13%.

وأثارت الزيادات الأخيرة أيضا قلق البعض، إذ أعربوا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عن شكوكهم في الهدف من تلك القرارات الأخيرة، وما الذي تخفيه الحكومة من زيادة الأسعار والضرائب والدمغات، مما يجعلها والعدم سواء.

يأتي هذا في ظل مخاوف البعض من زيادة التضخم في الأسعار وانخفاض سعر العملة، خاصة مع ما ذكره قبل أيام كبير اقتصاديّ معهد التمويل العالمي روبين بروكس بأن مصر قد تضطر إلى خفض قيمة الجنيه المصري مجددا، مما أثار جدلا وقلقا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي حسابه على موقع تويتر، بنى بروكس نظريته على أن ارتفاع سعر الفائدة الأميركية سيجذب أموال المستثمرين الأجانب من الأسواق الناشئة ومن بينها مصر، ويتزامن مع استمرار تفاقم عجز المدفوعات.

إضافة إلى عودة سعر الصرف الحقيقي للجنيه المصري إلى ما كان عليه قبل خفض العملة في 2016، وبالتالي اختفاء الميزة التنافسية لشراء سندات الخزانة المصرية.

 

 

المصدر : الجزيرة