لا أحد فوق القانون.. هل يدين القضاء الأميركي دونالد ترامب؟

تحدى ترامب النظام القضائي الأميركي لسنوات ليحافظ على سرية موارده المالية وممارساته التجارية

يعد ترامب أول رئيس أميركي منذ عهد ريتشارد نيكسون (1969-1974) لا ينشر إقراراته الضريبية تطوعا (رويترز)

ضربة كبيرة وجهت للرئيس الأميركي السابق إثر رفض المحكمة العليا التدخل لصالحه لإلغاء قرار صدر عن قاض فدرالي بتسليم السجلات المالية المتعلقة به إلى مدع عام بمدينة نيويورك.

وتشكل الخطوة، التي جاءت بعد مرور أكثر من شهر على انتهاء حكم ترامب، انتكاسة في المعركة القضائية التي يخوضها الرئيس السابق منذ سنوات سعيا لمنع نشر سجلاته الضريبية التي طالما تحجج أنها تخضع للمراجعة، ولا يمكن الاطلاع عليها إلا بعد الانتهاء من مراجعتها، دون أن يحدد موعدا لذلك.

ويعد ترامب أول رئيس أميركي منذ عهد ريتشارد نيكسون (1969-1974) لا ينشر إقراراته الضريبية تطوعا.

وجاء قرار المحكمة العليا حاسما وبإجماع آراء قضاتها التسعة، منهم 3 عينهم ترامب نفسه (أثناء رئاسته) إضافة إلى 3 آخرين محسوبين على الحزب الجمهوري.

وتحدى ترامب النظام القضائي ليحافظ على سرية موارده المالية وممارساته التجارية، وإبعادها عن التدقيق. ويفسح قرار المحكمة العليا الطريق أمام سايروس فانس المدعي العام لدائرة جنوب مانهاتن للحصول على هذه الوثائق.

وسعى فانس للحصول على هذه الوثائق للمساعدة في تحقيق جنائي يتعلق باحتمال حدوث احتيال تأميني وضريبي ومالي من قبل الرئيس السابق أو شركاته.

سايروس فانس
قرار المحكمة العليا الأخير يتيح لفانس الحصول على سجلات تتعلق ببيانات ترامب المالية والتجارية (الأوروبية)

وينفي ترامب ارتكاب أي مخالفات مالية، ويؤكد محاموه أن الوثائق التي يريد المدعي العام فانس الاطلاع عليها غير ذات علاقة بممارسات ترامب محل التحقيق.

ويحقق فانس كذلك في مخالفات مالية مرتبطة بدفع ترامب عن طريق محاميه السابق مايكل كوهين مبالغ مالية -بطرق غير قانونية- لامرأتين: ممثلة الأفلام الاباحية ستورمي دانيلز، وعارضة سابقة بمجلة "بلاي بوي" الإباحية تدعى كارين ماكدوغال، اللتان تدعيان أنهما كانتا على علاقة بترامب قبل أن يكون رئيساً.

"اصطياد سياسي"

وندد ترامب في بيان له بالقضية ووصفها بأنها "اضطهاد واصطياد سياسي" قائلا "ما كان ينبغي للمحكمة العليا أن تسمح أبداً بحدوث هذه الافعال، لكنها فعلت".

ولا يعني قرار المحكمة العليا انتهاء السبل أمام الرئيس السابق، إذ لا يزال بإمكانه استئناف القضية رسمياً أمامها، ولكن لا يبدو أنها ستأخذ أي منحى آخر خاصة مع إجماع قضاتها التسعة على القرار وغياب أي دعم لموقف ترامب.

وغردت جيسي ماكليني، الصحفية في نيويورك تايمز، تقول إن الرئيس السابق في بيانه الطويل جدا، لا يبدو قادرا على الفهم أو التمييز بين التحقيق من قبل مكتب الادعاء العام بمنطقة منهاتن، وبين حكومة مدينة نيويورك التي يتهمها بفحص "كل صفقة تقريبا قمت بها من أي وقت مضى، بما في ذلك السعي للحصول على الإقرارات الضريبية".

والصيف الماضي، رفضت المحكمة العليا مطالب ترامب، وأمرت بإعادة القضية إلى المحاكم الأدنى درجة لمزيد من التقاضي.

وكتب رئيس المحكمة العليا جون روبرتس جونيور رأي المحكمة آنذاك، وقال "لا يوجد مواطن ولا حتى الرئيس فوق الواجب المشترك لتقديم الأدلة عندما يُدّعى عليه بقضية جنائية".

ثم طعن ترامب في أمر الاستدعاء من جديد، بحجة أنه كانت له دوافع سياسية، واتهم المدعي العام فانس بأنه ديمقراطي. وقضت محكمة محلية في نيويورك بإدانة ترامب، وجاء القرار بإجماع 3 قضاة أمام محكمة استئناف فدرالية في نيويورك. ومن ثم لجأ محامو ترامب للمحكمة العليا للمرة الثانية.

لا حصانة لرئيس

وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نشرت سلسلة من التحقيقات استنادًا إلى مجموعة من وثائق ترامب الضريبية التي حصلت عليها، وأظهرت أنه دفع 750 دولارًا فقط من ضريبة الدخل الفدرالية عام 2016 و2017. ونفى الرئيس السابق هذه التقارير ووصفها بأنها "أخبار زائفة".

وبعد انتهاء مهام ترامب في العشرين من الشهر الماضي، فقد ميزة الحماية القانونية التي يوفرها القانون لمنصب الرئيس. وخلات سنوات حكمه أكدت وزارة العدل أنه لا يمكن توجيه الاتهام إلى الرئيس أثناء وجوده بالحكم.

وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، استفاد ترامب من الحصانة الرئاسية أمام عدد من الملاحقات القضائية. ومن الممكن الآن، نظريا ومن الناحية القانونية، أن توجه لترامب تهم جنائية أو مدنية.

ترامب يحمل صحيفة يو اس توداي التي عنونت ببراءته نوفمبر الماضي
ترامب يحمل صحيفة أميركية عنونت ببراءته من مساءلة سابقة أمام مجلس الشيوخ في 6 فبراير/شباط 2020 (الأوروبية)

وأقر محامي ترامب السابق مايكل كوهين بأنه مذنب في مجموعة من الجرائم، وقضى عقوبة السجن، وتم الافراج عنه وتحديد إقامته بمنزله بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا.

واعترف كوهين بترتيب دفع أموال تقدر بمئات الآلاف من الدولارات بصورة غير قانونية لإسكات السيدتين خلال حملة عام 2016 الانتخابية، وقد نفى ترامب هذه الادعاءات. وقال كوهين إنه تصرف بتوجيه من ترامب وبالتنسيق معه.

جنائية أم سياسية؟

ستكون محاكمة رئيس سابق، مثل ترامب، محفوفة بالمخاطر السياسية، لا سيما في بلد منقسم بهذه الصورة التي عبرت عنها انتخابات 2020 الرئاسية وانتخابات مجلسي الكونغرس.

وتقول كيمبرلي وهال، المدعية العام الفدرالية السابقة، وأستاذة القانون بجامعة بالتيمور "لا يمكن استبعاد الحسابات السياسية من القضايا الكبيرة مثل محاكمة رئيس سابق".

وأشارت وهال إلى أنها "تتفهم أن الرئيس بايدن قد أشار بالفعل إلى أنه لا يكترث بمحاكمة ترامب، وهو أمر منطقي بالنظر إلى أن لديه الكثير الذي يحتاج إلى استخدامه في القضايا الحرجة مثل مواجهة جائحة كورونا أو قضية تغير المناخ أو إنعاش الاقتصاد."

وكان بايدن قد أشار في لقاءات تلفزيونية إلى أنه سيترك "القرار لوزارة العدل والنائب العام" لكنه أضاف أن متابعة الاتهامات الخاصة بترامب "قد تلحق أضرارا أكثر من المكاسب".

متاعب قانونية قادمة

ولا تقتصر متاعب ترامب القضائية على هذه القضية فحسب، فهناك تحقيق مدني تجريه ليتيتيا جيمس المدعية العامة لولاية نيويورك، في شركات ترامب، وما إذا كانت منظمة ترامب قد ضخمت بشكل غير صحيح قيمة أصولها لأغراض الحصول على القروض ولرفع قيمة التأمين، ثم قلصت القيمة لأغراض ضريبية.

وعلى الرغم من أن التحقيق مدني، فإنه يمكن أن يتحول لتحقيق جنائي طبقا لما قد يكشفه المحققون.

ويواجه ترامب كذلك تحقيقا في جورجيا على خلفية محادثته التلفونية التي تم تسريبها ويحاول فيها الضغط على سكرتير الولاية كي "يعثر له على آلاف بطاقات الاقتراع كي يتمكن من الفوز بالولاية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة".

ولا ينتهي الخطر القانوني على ترامب عند هذا الحد، إذ يواجه الرئيس السابق دعوى تشهير رفعتها امرأتان قالتا إنه اعتدى عليهما جنسياً، وهي مزاعم ينكرها.

وتتوقع الخبيرة القانونية وهال أن متاعب ترامب القضائية قد تكون مثل "انهيار جليدي محتمل، خاصة من شخص دأب على استخدام النظام القانوني لمصلحته".

المصدر : الجزيرة