صراع انتخابي مبكر في العراق.. كيف وظفت الأحزاب المصطلحات غير المألوفة للترويج السياسي؟

استخدام مصطلحات تذكر بالعنف الطائفي في السجالات المبكرة بين الأحزاب

العراقيون عبروا عن استيائهم من المصطلحات الجديدة التي تستخدمها الأطراف السياسية (رويترز)

تنافس سياسي محموم تشهده الساحة العراقية حول استحقاق منصب رئاسة الوزراء بالانتخابات المزمع إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول القادم. وما يميّز هذه السجالات السياسية المبكّرة بين الأحزاب استخدامها مصطلحات غير مألوفة مثل "البطة، الأوبل" في محاولة لاستذكار الاضطرابات الطائفية عام 2006.

ما يجري الآن من لقاءات وتواصل بين الأحزاب والقوى السياسية التقليدية هو تفاهمات وأحاديث أولية، ومحاولة لاستكشاف الأجواء، ويعتبر بداية لتشكيل التحالفات وفقا لمتغيرات الساحة العراقية، كما يقول المحلل السياسي جبار المشهداني للجزيرة نت.

وحول طبيعة التنافس السياسي، يبيّن المشهداني أن الكل يريد أن يبقى في المشهد، وهذا ما أعلنته القوى السياسية الشيعية الكبرى بوضوح في قضية رئاسة الحكومة، وأول من بدأها التيار الصدري عندما قال "رئاسة الوزراء لنا". وقد اعترض رئيس "دولة القانون" نوري المالكي على ذلك، في ظل بث شائعات بأن علاقة الأخير بالرئيس الأميركي جو بايدن قد تسهم في عودته لرئاسة الحكومة.

المشهداني يعتقد أن العراق مقبل على انتخابات ساخنة جدا (الجزيرة)

تقاعد سياسي

كما يعتقد زعيم ائتلاف "الحكمة" عمار الحكيم أنه هو من سيأتي برئيس الحكومة المقبلة، ولديه تحالف غير معلن مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الذي ربما يغيّر هذا التحالف باتجاه الصدر خصوصا بعد الغزل الواضح بين الطرفين، كما يضيف المشهداني.

ويشير المشهداني إلى أن الكاظمي أيضا يريد ولاية ثانية، ويمد خيوطه مع الكل، فهو قريب مما يسمى "الحشد الولائي" الموالي لإيران وقريب من الصدر والحكيم، ولذلك لا يمكن معرفة توجهه الحقيقي الآن إلى أين.

ويلفت إلى أن التنافس بين الأحزاب والكتل في هذه الانتخابات سيتجاوز كثيرا الحدود المتعارف عليها "ويبدو أننا أمام انتخابات ساخنة جدا" ستسعى فيها الكتل التي "أدمنت" السلطة للحفاظ على مصالحها وعدم مغادرة المشهد، وفي أقل التقديرات فهي تطمح إلى تقاعد سياسي مبكر أو متأخر لكن بشكل جيد.

سلمان يرى أن مصطلحات البطة والأوبل تشير إلى حجم الخلافات بين الكتل السياسية (الجزيرة)

البطة والأوبل

وما يزال العراق والعراقيون يعانون من مصطلحات يتم جلبها من مقبرة الذاكرة العراقية التي تدفن فيها الأحداث دون أن تموت، كمصطلح "البطة" المرتبط بفرق الموت إبان فترة الاقتتال الطائفي، بحسب الكاتب والصحفي براء سلمان.

ويضيف سلمان للجزيرة نت أن هذه المصطلحات مثل "الباص البرتقالي" ورمزياتها وظهورها طافية كما الطحالب على "ماء العملية السياسية الآسن" مما يشير إلى حجم الانشقاقات والخلافات بين الكتل والأحزاب السياسية التي لا يبدو أنها باتت قادرة على التحكم بالمسار السياسي.

ويشبّه سلمان الأحزاب بدكاكين سياسية كونها تتشكل وتنقسم وفقا لمصالح مرحلية وليس وفقا للرؤى والأفكار، فلا توجد مدارس فكرية أو أهداف إستراتيجية من هذه الأحزاب، وبالتالي فإن نزول الكربولي من باص الحلبوسي يؤكد أن هذا النوع من الباصات لن يكمل الطريق، على حد قوله.

ومن جانبه يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد عدنان الكناني أن استخدام هذه المصطلحات الجديدة باتت جزءا من الدلالات المقصودة من أجل تغيير اتجاهات رأي الناخبين، مع تعبئة المواطنين على أسس مغايرة بعكس ما جرى في انتخابات عام 2018.

الكناني يتوقع أن تكون المرحلة القادمة محفوفة بسجالات محمومة (الجزيرة)

سجال سياسي

وفي حديثه للجزيرة نت، يعرب الكناني عن اعتقاده بأن المرحلة القادمة ستكون محفوفة بسجالات سياسية محمومة تحاول أن تستثمر جميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من أجل تسقيط الآخر أو التشهير به أو الإفصاح والإعلان عن ملفات سياسية واقتصادية مليئة بشبهات الفساد المالي والإداري والسياسي وما سواه، وسيكون هذا حاضرا في التعاطي مع المنافسين الجُدُد أو مع الخصوم على حدٍ سواء.

ويرى الكناني أن المأزق الحقيقي الذي يواجه الوضع السياسي الراهن سيكون في صعوبة استعادة مديات الثقة ما بين الطبقة السياسية الحاكمة والشعب المثقل بالأزمات، في ظل استمرار تعقيدات المرحلة الراهنة سيما أثناء وما بعد جائحة كورونا.

وستكون المرحلة القادمة عملية إثبات وجود على الساحة السياسية من جانب جميع أحزاب السلطة وما سواها، وبين هذا وذاك معادلة جديدة ما تنفك أن تكون جزءا من ترتيبات سابقة لا تخرج عن سياقات ما جرى منذ عام 2005، بحسب الكناني.

ويرجّح أن يكون التنافس الدولي والإقليمي العابر للحدود حاضرا في المشهد الانتخابي القادم، من دون إثارة الغضب والسخط الجماهيريين كما حصل في مرحلة ما بعد انتخابات 2018.

وعلى صعيد التحالفات السياسية القادمة، يقول الكناني إنها ستكون مجرد تحالفات بأسماء جديدة، ولكن بتوافقات وتسويات متفق عليها مسبقا. وستكون النتائج الانتخابية محسومة لمن يمتلك النفوذ والقدرة على التعبئة الجماهيرية، مع بقاء التفوق بالانتخاب الفردي للمرشحين الذين يتمتعون بنفوذ واسع في مناطق دوائرهم الانتخابية.

تفاعل عراقي

وأعرب عراقيون، عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، عن استيائهم وتهكمهم من هذه المصطلحات الجديدة ودلالاتها المقيتة.

وكتب الإعلامي مقداد الحميدان "البطة السَّودة، والباص البرتقالي، أدري!! برلمان قادم لو كراج سيارات؟ تحالف الأوبل قادم وبقوّة".

وحذّر النائب السابق في مجلس النواب ماجد شنكالي من مناورة سياسية عن طريق استخدام القوة العسكرية تمهد لوصول البطة إلى كرسي رئيس الوزراء.

أما الكاتب والناشط المدني لؤي الناصري فيقول "ما بين البطة البيضة والباص البرتقالي تذهب آمال العراقيين مهب الريح دائما، نتمنى الفترة القادمة أن نشاهد الحظر الرسمي لحركة تلك السيارات السياسية في الشارع العراقي، وأن يتم إنزال أقصى العقوبات على سائقيها".

وفي غمرة الحديث عن السيارات الانتخابية، أكّد الباحث السياسي الدكتور باسل حسين الحاجة إلى سيارات إطفاء لمعالجة حرق الصناديق الانتخابية.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي