ممرات مائية وخطوط لنقل النفط.. مشاريع إقليمية ودولية تستنزف قناة السويس

صورة 3 تفريعة قناة السويس مروع لم يؤت ثماره التي وعد بها المسئولون. تصوير زميل مصور صحفي مسموح باستخدام الصورة
سفن تجارية أثناء المرور في قناة السويس المصرية (الجزيرة)

بين النفي والتأكيد تضاربت التصريحات المصرية الرسمية بشأن تداعيات وتأثيرات مشروع خط أنابيب إيلات عسقلان (إماراتي-إسرائيلي) على تنافسية قناة السويس في حركة الملاحة الدولية.

وبينما نفت الهيئة العامة للقناة تأثير مشروع خط عسقلان، حذَّر رئيس الهيئة أسامة ربيع في أكثر من مناسبة من تداعيات تدشين أي مشروع مواز للنقل البحري على الأمن القومي المصري، وأكد ربيع أن المشروع سيؤثر على عدد السفن التي تعبر القناة بنسبة تتراوح بين 12 إلى 16%، لكنه لن يؤثر على عبور الحاويات.

كما سبق لربيع أن حذَّر من أن المشروع الإماراتي الإسرائيلي قد يشكل تهديدا على السفن المارة بالمجرى الملاحي للقناة بنسبة تصل إلى 16%.

وخلافا لتداعيات سياسية وأمنية وقومية لمشاريع التطبيع الإسرائيلي، ثمة تحذيرات أطلقها مسؤولون وخبراء بشأن خطورة تحول تل أبيب للاعب أساسي في سوق النفط العربي، خاصة مع تحولها إلى سوق تشتري منه مصر الغاز من مناطق تنقيب بالبحر المتوسط، كانت بالأساس تتبع السيادة المصرية.

من السويس إلى "إيلات-عسقلان"

في الربع الأخير من العام الماضي، وقّعت أبو ظبي وتل أبيب اتفاقا يستهدف نقل نفط الخليج إلى أوروبا، وذلك عبر خط أنابيب يربط بين ميناءي إيلات على البحر الأحمر، وعسقلان على البحر المتوسط، والذي يمر معظمه حاليا عبر قناة السويس.

والخط أسسته إسرائيل في ستينيات القرن الماضي لنقل النفط الإيراني من البحر الأحمر إلى المتوسط، عقب تقييد مصر المرور في قناة السويس إثر العدوان الثلاثي (فرنسا وإسرائيل وبريطانيا عام 1956)، لضمان إمدادات الطاقة.

ووفق مجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy) الأميركية، فإن حركة التجارة في قناة السويس مرشحة للتناقص بأكثر من 17% بموجب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.

وكان من الممكن لمصر أن تقف عائقا أمام هذه المشاريع، لولا تخليها عن سيادة جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، وهما اللتان تتحكمان في مدخل خليج العقبة وميناءي العقبة بالأردن وإيلات بإسرائيل، وتقعان على امتداد يتسم بأهمية إستراتيجية ويمثل طريق إسرائيل لدخول البحر الأحمر.

وحذَّر الأكاديمي المصري محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود والموانئ، من أن خط بترول إيلات عسقلان، سيتسبب في قتل خط سوميد المصري (ينقل النفط الخليجي من ميناء العين السخنة بالبحر الأحمر إلى ميناء سيدي كرير على البحر المتوسط)، وهو أول خط لنقل النفط الخليجي إلى أوروبا بالشرق الأوسط.

وتوقع حافظ ازدواج الخط قبل عام 2025 ليكون قادرا على نقل كل نفط الخليج، موضحا أن خط الخليج عسقلان سيكون قادرا على نقل قرابة 2.5 مليون برميل يوميا، بينما خط سوميد المصري لا تزيد قدراته على نقل 1.2 مليون برميل يوميا.

خط تابلاين

والمشروع الإماراتي الإسرائيلي ليس الوحيد الذي له تأثيرات وتداعيات سلبية "محتملة وواقعية" على شريان مصر الحيوي، حيث إن أحد التداعيات السلبية المحتملة أيضا جراء التطبيع الخليجي مع إسرائيل على قناة السويس والأمن القومي المصري، إحياء خط التابلاين (الأطول عالميا لنقل النفط).

ويمتد خط التابلاين من ساحل الخليج بالسعودية إلى البحر المتوسط، وهو متوقف منذ احتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية عام 1967.

رأس الرجاء الصالح

في ذروة الانخفاض الكبير في أسعار البترول العام الماضي، أثرت تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي سلبا على قناة السويس، إذ غيرت شركات شحن كبرى مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح الذي يدور حول أفريقيا بدلا من قناة السويس.

وفي مايو/أيار الماضي، كشفت دراسة أجرتها شركة "ألفا لاينر" (Alphaliner)، وهي شركة متخصصة في الملاحة البحرية وعبور السفن، ارتفاع عدد الحاويات التي اختارت استخدام طريق رأس الرجاء الصالح وتجاوز قناة السويس، إلى أعلى مستوى تاريخي في وقت السلم، بما في ذلك 20 رحلة على الأقل من وإلى آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية.

واختارت بعض السفن أن تستهلك مزيدا من الوقود الرخيص في رحلات أطول، بدلا من دفع رسوم كبيرة لعبور قناة السويس.

الممر الشمالي الغربي

هو ممر دشنته الصين عام 2016 يمر عبر القطب الشمالي إلى أوروبا، وهو أقصر بمئات الأميال عن المرور بقناة السويس.

ومن شأن استخدام الممر القطبي توفير الوقت والمال لشركات النقل البحري الصينية، فعلى سبيل المثال تكون الرحلة البحرية من شنغهاي إلى ميناء هامبورغ الألماني عبر الممر الشمالي الغربي أقصر بـ2800 ميل بحري عن الطريق المار عبر قناة السويس.

وفي المقابل، رأى عثمان أمكور الباحث المغربي في العلاقات الدولية والمتخصص في الشأن الصيني، أن المشاريع الصينية في الممر الشمالي الغربي تندرج ضمن مشروع الصين الكبير "مبادرة الحزام والطريق"، وقناة السويس جزء محوري في شقه المائي.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح أمكور أن المصالح الصينية تتقاطع مع نظيرتها "الإماراتية الإسرائيلية" التي تستهدف الممر المائي المصري.

وأشار إلى أن النظام المصري سعى للاستفادة من العلاقات التجارية مع الصين، في حين استهدفت بكين مصر عبر خطة استثمارية بمئات الملايين من الدولارات، لكن في ظل المنافسة الخليجية لم تتمكن من تمرير كل مشاريعها مع مصر.

خط ريد ميد

وما يُظهر قيمة أهمية قناة السويس بتفريعتها الجديدة للصين، وفق أمكور هو توقيفها لمشروع "ريد ميد" (Red-Med)، بسبب احتجاج مصر على المشروع، الذي قد يضر بقيمة قناة السويس ومنه سيؤثر بالسلب على الاقتصاد المصري.

ومشروع "ريد ميد" (Red-Med) كان يستهدف قبل سنوات إنشاء خط شحن سكة حديدية يربط إيلات على البحر الأحمر بميناء أشدود (إسدود) على البحر المتوسط بطول 300 كيلومتر، ليكون بديلا لقناة السويس.

وبما أن الصين أرادت المشاركة في مشروع قناة السويس الجديدة في مصر، فلا يمكنها استعداء الجانب المصري بخطط "الأحمر-المتوسط"، بحسب أمكور.

قناة بنما

وهذه القناة تعد معبرا إلزاميا لـ5% من التجارة البحرية العالمية، والدولتان الرئيسيتان اللتان تستخدمانها هما الولايات المتحدة والصين.

وعام 2016، وسّعت دولة بنما قناتها من أجل تحفيز واستقطاب شركات الشحن التي تستخدم قناة السويس، خاصة أنها تعد معبرا رئيسيا للولايات المتحدة والصين.

لكن الباحث المغربي أمكور أكد أنها لا تؤثر على قناة السويس، بحكم أن مشروع الصين المرتبط بقناة السويس يستهدف بالأساس السوق الأوروبية وليس السوق الأميركية، وهي سوق محورية بالنسبة الصين، ولا تتأثر كثيرا بالحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين.

إيست ميد

وهو أحد المشروعات التي تهدد الطموحات المصرية في التحول إلى منصة إقليمية للطاقة، ودشنت "إيست ميد" (EAST MED) إسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا مطلع 2020، في تجاهل واضح للتحالف مع مصر.

والاتفاق يستهدف مد خط أنابيب "شرق المتوسط" لنقل الغاز الطبيعي من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، وقبيل تدشينه طرحت مصر مبادرة لإنشاء "منتدى غاز شرق المتوسط"، ومقره القاهرة بمشاركة الدول الأربع، بجانب الأردن وفلسطين.

المصدر : الجزيرة