في 2022.. تركيا تتجه نحو تصفير مشاكلها مع خصوم الأمس

في ضوء الواقعية التي تتبناها أنقرة في سياستها الخارجية، وخطابها الجديد حول تغير المناخ ومصادقتها على اتفاقية باريس الخاصة به، يُتوقع أن تتبع السياسة الخارجية التركية مسارا أكثر إيجابية في عام 2022.

تتجه تركيا لتحسين علاقاتها مع دول شابها التوتر في السنوات الماضية (غيتي)

أنقرة- يبدو أن الملفات التي أجّجت التوتر والخلافات بين تركيا ودول عدّة هي ذاتها التي توجب التقارب بينها، حيث تتجه أنقرة في العام 2022 لتطبيع علاقاتها مع خصوم الأمس، وكان هذا ملاحظا في خطوات وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته ومسؤولين آخرين.

وكان لافتا في الشهور الأخيرة، عودة أنقرة لسياسة تصفير المشاكل عبر إستراتيجية تقليل الأزمات في سياستها الخارجية، بدءًا من أبو ظبي والرياض والقاهرة مروراً بواشنطن ويريفان وبروكسل، وليس انتهاءً بأثينا وتل أبيب.

الرئيس رجب طيب أردوغان (يمين) وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان يوقعان اتفاقية تجارية (الأوروبية)

الإمارات ومصر

من اتهام الإمارات بالتورط في التخطيط للانقلاب الفاشل ضد أردوغان، إلى استقبال ولي عهد "أبو ظبي" محمد بن زايد، في أنقرة أواخر العام 2021، ودعم الاقتصاد التركي بسلّة قيمتها 15 مليار دولار.

وذكرت الصحافتان التركية والإماراتية أن قمة ابن زايد وأردوغان كانت مقدمة لشراكة أوسع، بل وستذلل الصعاب أمام التطبيع التركي المصري الكامل، خاصة أن المسؤولين في مصر سيزورون أبو ظبي في فبراير/شباط المقبل.

في 5 و6 مايو/أيار 2021، بدأت محادثات استكشافية بين القاهرة وأنقرة على مستوى نائبي وزيري الخارجية بالقاهرة، تلاها جولة ثانية لتؤكد استمرار الاتصالات وتقييم الخطوات في سبتمبر/أيلول الماضي.

وذكرت تقارير أن المحادثات المصرية التركية لم تتوقف مما يشير إلى تطورها، وحاليا يتم حلحلة القضايا الخلافية في ملفي ليبيا وشرق المتوسط، ومن المتوقع أن يشهد عام 2022 نقلة في العلاقات التركية مع مصر عبر عودة السفراء.

السعودية.. عودة متأنية

المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، قال إن تطورات إيجابية قد تحدث قريبا في علاقات بلاده بالسعودية. وكانت العلاقات مع السعودية قد انهارت بعد قتل عملاء سعوديين الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وقبل شهور، جرى اتصال هاتفي بين الرئيس التركي والملك السعودي، كما زار وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو الرياض.

ويرى مراقبون أن السعودية ترغب في فتح صفحة جديدة مع تركيا، لكنها تتريث بحسب المشهد العام قبل هذه الخطوة، إلا أن المصالح الجوهرية المشتركة كفيلة بتحسين العلاقات البلدين خلال 2022.

Azeri men living in Turkey wave flags of Turkey and Azerbaijan during a protest following clashes between Azerbaijan and Armenia, in Istanbul, Turkey, July 19, 2020. REUTERS/Murad Sezer
أذربيجانيون يعيشون في تركيا يلوحون بأعلام تركيا وأذربيجان بعد المعارك بين أذربيجان وأرمينيا (رويترز)

أرمينيا.. فرص تطبيع كبيرة

أعلن وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو أن المرحلة القادمة ستشهد تبادل تعيين ممثلين خاصين لتركيا في أرمينيا؛ مبينا أن شركات طيران تركية وأرمينية ستبدأ بتسيير رحلات جوية مباشرة بين يريفان وإسطنبول قريبا.

يقول الباحث في سياسة تركيا الخارجية وشؤون القوقاز، باسل الحاج جاسم، إن فرص تطبيق التطبيع كبيرة كون الظروف المحيطة باتت أكثر ملاءمة بعد استعادة أذربيجان حليفة تركيا أراضيها، حيث كانت "باكو" ترفض تطبيع أنقرة مع يريفان قبل استعادة إقليم قره باغ.

ورغم أن طي صفحة الماضي المليئة بالاتهامات لن يكون سهلا، فإن مجرد تعيين الدولتين مبعوثين خاصين لمهمة التطبيع خلال العام 2022، يعني أن الأمور تسير باتجاه إيجابي قد يكون سريعا هذه المرة بسبب الرغبة المتبادلة، حسبما يرى جاسم.

الولايات المتحدة.. تقدم تجاري

ساد الركود العلاقات التركية الأميركية في عام 2021، بينما تواصل التوتر المتعلق بملف تعاقد تركيا لشراء نظام الدفاع الجوي "إس-400 (S-400) مع تولي الرئيس الأميركي جو بايدن، كما طغت على المشهد أجواء سلبية بسبب الموقف السلبي للكونغرس إزاء تركيا باستخدام تعبير "الإبادة الجماعية للأرمن".

وتمكن أردوغان خلال لقاءاته الثنائية مع بايدن في النصف الثاني من 2021، من شرح وجهات نظر تركيا حول نقاط الخلاف بين الجانبين، إلا أن الولايات المتحدة لم تتخذ بعد الخطوات الملموسة التي تنتظرها تركيا في هذا الصدد.

وخلال اجتماعهما على هامش قمة مجموعة الـ20 أواخر 2021، قرر أردوغان وبايدن تشكيل آلية مشتركة لتعزيز العلاقات التركية الأميركية وتطويرها.

في حديثها للجزيرة نت، توقعت الباحثة في مركز "سيتا" حزال دوران، أن تسهم هذه الآلية في زيادة حجم التجارة بين البلدين ومواصلة العلاقات في صورة أكثر سلاسة خلال العام الجديد، رغم عدم إحراز تقدم ملموس في قضايا مثل قضية الصواريخ إس-400 وسوريا وحزب العمال الكردستاني.

مظاهرة في أنقرة احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار 2021 (الأناضول)

إسرائيل.. مؤشر على عودة السفراء

تدهورت العلاقات بين تركيا وإسرائيل، بعد تطبيعها في 2016، لأسباب تتعلق بسياسات الاحتلال والقضية الفلسطينية، وتحديدا الاعتداء على الفلسطينيين المشاركين في مسيرات العودة على حدود قطاع غزة عام 2018.

وبعد لقائه بولي عهد أبو ظبي، قال الرئيس التركي إن خطوات قوية مماثلة ستخطوها بلاده مع كل من مصر وإسرائيل، وأعلن استعداده لتسمية السفراء وفق جدول زمني محدد عند اتخاذ هذا القرار.

يقول الباحث سعيد الحاج إن قرارا مبدئيا بتحسين العلاقات قد اتخذ لدى الجانبين، وبات الأمر متعلقا بالتوقيت والإخراج والتسويق الداخلي في المقام الأول، ثم بتعظيم المكاسب وتقليل الخسائر.

ويضيف الحاج للجزيرة نت، لعل التطورات الأخيرة المتمثلة بإطلاق تركيا سراح إسرائيلييْن أوقِفا بتهمة التجسس والاتصالات التي أجريت بين أردوغان ورئيس دولة الاحتلال ورئيس وزرائها، واللغة المستخدمة خلالها، من المؤشرات على قرب اتخاذ خطوة إعادة السفراء، حيث إن ثمة توقعات في أنقرة بأن يحصل ذلك بحلول منتصف العام 2022.

رجل الأعمال التركي المعارض عثمان كافالا (الفرنسية)
رجل الأعمال التركي المعارض عثمان كافالا (الفرنسية)

الاتحاد الأوروبي.. قضايا موتّرة

اتّسمت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي بالسلبية، وتسبب تركيز الدول الأوروبية على قضية "عثمان كافالا" المحبوس في تركيا على خلفية عدة قضايا، في إشعال أزمة خطيرة بين الجانبين، فأصدرت سفارات الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا وفرنسا وألمانيا وهولندا والسويد والنرويج والدنمارك وفنلندا، بياناً مشتركاً في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طالبت فيه تركيا بإنهاء احتجاز كافالا.

وترى الباحثة التركية دوران أن قضية اللاجئين ستبقى من بين الملفات المهمة على جدول أعمال تركيا في عام 2022، وخاصة في علاقاتها الثنائية مع الاتحاد الأوروبي.

ومع مصادقة البرلمان التركي على مذكرة تسمح بإبقاء قوات تركية في سوريا لعامين، أكدت تركيا أنها ستواصل دورها المهم في سوريا في السنوات المقبلة أيضا.

ورغم استمرار التوتر مع اليونان حول قضية شرق المتوسط، فإن خطوات مهمة تمت من أجل الحوار، واستؤنفت الجولة الـ61 من المباحثات الاستكشافية بين تركيا واليونان حول الوضع في بحر إيجة، حيث اقترحت تركيا عقد "مؤتمر شرق المتوسط" ​​لبحث سبل حل الخلافات القائمة بين دول المنطقة.

واقعية وإيجابية

تقول الباحثة دوران "في ضوء الواقعية التي تتبناها تركيا في سياستها الخارجية، وخطابها الجديد حول تغير المناخ ومصادقتها على اتفاقية باريس الخاصة به، يُتوقع أن تتبع السياسة الخارجية التركية مسارا أكثر إيجابية في عام 2022".

من جهته، يذكر الحاج أن الأسباب التي تدفع تركيا نحو تطبيع العلاقات وتحسينها مع مختلف الأطراف في المنطقة والعالم، مشتركة بينها جميعا، وتضم توجهات الإدارة الأميركية وسياساتها الإقليمية ومن ذلك موقفها السلبي من أردوغان، والقضايا الإقليمية التي استنزفت الجميع في المنطقة دون نتائج نهائية حاسمة لصالح طرف على آخر.

ويؤكد أن تأثيرات جائحة كورونا على اقتصادات المنطقة، وخصوصا التركي، مع تراجع قيمة الليرة، وكذلك قرب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي توصف بالحاسمة والمصيرية، تدفع أنقرة للتهدئة والاستثمار السياسي خلال العام الجديد.

المصدر : الجزيرة