الإعفاءات والتعيينات بصفوف القوى الأمنية السودانية.. للإصلاح أم لإحكام السيطرة؟

يرى مراقبون أن التحركات الواسعة في صفوف قوى الأمن ترمي لإصلاح مؤسساتها من جهة، لكنها أيضا تشير إلى أن رئيس مجلس السيادة في طريقه لبسط نفوذه الكامل على هذه المؤسسات.

التغييرات في قيادات قوى الأمن مرتبطة بمرحلة ما بعد الاتفاق بين البرهان وحمدوك، ومحاولة إحكام سيطرة رئيس مجلس السيادة على الأجهزة الأمنية (الجزيرة)

الخرطوم- أثارت حركة التعيينات والإعفاءات الأخيرة في صفوف الأجهزة العسكرية بالسودان، تساؤلات واسعة بعد أيام فقط من توقيع الاتفاق السياسي بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في محاولة لإنهاء الأزمة الناجمة عن سيطرة الجيش على مقاليد الحكم، صبيحة يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأصدر حمدوك -يوم السبت- قرارا بإعفاء مدير الشرطة الفريق أول خالد مهدي إبراهيم، ونائبه الفريق الصادق علي إبراهيم من منصبيهما، لصالح تعيين الفريق عنان حامد محمد عمر، واللواء مدثر عبد الرحمن نصر الدين، مكانهما.

بموازاة ذلك، قال مصدر عسكري مطلع للجزيرة -أمس الأحد- إن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أصدر قرارا بإعفاء مدير هيئة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني ياسر محمد عثمان، ومدير المخابرات العامة جمال عبد المجيد، وعيّن مكانهما اللواء محمد أحمد صبير والفريق أحمد إبراهيم مفضل (على التوالي). وتتحدث الأنباء عن اتجاه لإحالة عدد كبير من الضباط في الأجهزة المختلفة للتقاعد.

القيادات الجديدة

قفز عنان حامد إلى قيادة الشرطة من منصبه السابق رئيسا لهيئة التدريب. وخلال مسيرة تزيد على 3 عقود داخل هياكل الشرطة، تولى الرجل عدة مناصب أبرزها قيادته قوات الاحتياطي المركزي، وإدارة مكافحة المخدرات، إلى جانب قيادته شرطة ولاية جنوب كردفان (جنوبيّ البلاد).

وأكاديميا، حصل حامد على شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة النيلين عام 1994، واجتاز امتحان تنظيم مهنة القانون (المعادلة) عام 1996، قبل أن يعزز ذلك بشهادة الماجستير من جامعة جوبا عام 2010.

وفي سياق ذي صلة، ينحدر مدير الشرطة الجديد من قرية قندتو التابعة لولاية نهر النيل (شماليّ البلاد)، وهي ذات المنطقة التي ينتمي إليها رئيس مجلس السيادة.

أما مدير الاستخبارات العسكرية الجديد محمد علي أحمد صبير، فكان يشغل منصب نائب مدير الهيئة، وسبق له أن شغل منصب رئيس لجنة الترتيبات الأمنية لاتفاق جوبا للسلام الموقّع مع الحركات المسلحة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وعمل مدة ملحقا عسكريا في سفارة السودان بجوبا.

وينحدر الرجل من ضاحية العيلفون (شرقيّ العاصمة)، وله صلة قربى باللواء أحمد حنان أحمد صبير، الوالي العسكري المكلف سابقا بإدارة ولاية الجزيرة (جنوبيّ العاصمة).

بدوره، شغل مدير المخابرات محمد إبراهيم مفضل عدة مناصب، أبرزها أنه كان والي جنوب كردفان (جنوبيّ البلاد) إبان الثورة الشعبية على الرئيس المعزول عمر البشير.

يشار إلى أن مفضل أكمل تعليمه في مصر منتصف الثمانينيات، وعاد إلى البلاد ليعمل بالوكالة الإسلامية، ومنظمة الدعوة الإسلامية، ومن ثم التحق بجهاز المخابرات في منتصف تسعينيات القرن المنصرم، حيث تدرج في سلم الوظائف وشغل مناصب رفيعة كإدارة المخابرات الخارجية، والأمن الاقتصادي.

ترتيبات جديدة

ويردّ الخبير الأمني والعسكري اللواء محمد عجيب حركة التنقلات والإحالات للتقاعد في صفوف القوات العسكرية، "لأسباب مهنية روتينية".

بيد أن عجيب يعود ويقول للجزيرة نت إنها ذات صلة بترتيبات الجيش لمواكبة التطورات السودانية، أو معالجة أوجه القصور التي شابت الأداء في الفترة الأخيرة.

ويتابع: "قد تكون إقالة مدير استخبارات الجيش رسالة عتاب لقادة الهيئة، لفشلهم في إحباط المحاولة الانقلابية بقيادة اللواء عبد الباقي البكراوي في سبتمبر/أيلول الماضي، في وقتٍ مبكر".

وعن إقالة مدير المخابرات، ينبّه عجيب إلى تنامي الأخطار الأمنية داخليا وخارجيا، في ظل وجود تكدس كبير في الرتب العليا داخل الجهاز، وهو ما يستدعي إجراء حركة تنظيم واسعة في صفوف المخابرات.

وبشأن إعفاء مدير الشرطة، لم يستبعد أن يكون ذلك عائدا إلى تقصير قادتها في الكشف عن الطرف الثالث المسؤول عن قتل المتظاهرين، كما تتحدث بذلك أكثر من جهة، على حد قوله.

وكان رئيس مجلس السيادة أشار -في حوار مع صحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times)- إلى أن بعض عناصر الشرطة ومسلحين آخرين ربما كانوا وراء قتل المحتجين السلميين. فقد سقط 42 سودانيا خلال الاحتجاجات المنددة بالانقلاب العسكري منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طبقا للجنة أطباء السودان المركزية.

Sudanese protesters gather ahead of a rally in Khartoum
محتجون قرب قوات الأمن في الخرطوم وسط اتهامات للشرطة بقتل عشرات المتظاهرين مؤخرا (رويترز)

مخاوف

من ناحيته، يعتقد الخبير الأمني والعسكري عادل سماوي أن حركة التنقلات الأخيرة في صفوف الأجهزة الأمنية، تستهدف تصحيح العلاقة مع الشارع، وصبّ الماء البارد على الاحتجاجات التي زادت وتيرتها عقب المؤتمر الصحفي لقوات الشرطة بشأن أحداث يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني.

وخلال مواكب (مظاهرات) يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي المنددة "بالانقلاب"، سقط حوالي 15 قتيلا معظمهم بالخرطوم، وخرج مدير الشرطة يومذاك في مؤتمر صحفي ليصرح بمصرع شخص واحد لم تكن له صلة بالاحتجاجات.

ويعبر سماوي -في حديثه للجزيرة نت- عن خشيته من نشوء تحالف بين العسكر ونظام البشير، ولا سيما أن مدير المخابرات سبق أن شغل منصب رئيس حزب المؤتمر الوطني في ولاية جنوب كردفان، وله تصريحات مناوئة للثورة.

ويذهب المراقبون إلى الاعتقاد أن التحركات الواسعة في صفوف القوى الأمنية، تعكس وجود اتجاه لإصلاح هذه المؤسسات ورتق علاقتها بالشارع الثائر.

وفي الناحية الأخرى، هناك من يرى أن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش في طريقه لبسط نفوذه الكامل على هذه المؤسسات، خاصةً بعد انفكاكه من إسار الجهاز التنفيذي للحكومة المعزولة بقيادة تحالف الحرية والتغيير.

المصدر : الجزيرة