في ذكراها الـ40.. تعرف على أبرز محطات الحرب العراقية الإيرانية ومن يقف وراء إطالة أمدها

جنود عراقيون أثناء معركة مع قوات إيرانية على حدود البلدين (غيتي)

تمر هذه الأيام الذكرى الـ40 لاندلاع الحرب العراقية الإيرانية التي تعد أطول حروب القرن الـ20 في المنطقة وأكثرها دموية، والتي وصفت بأنها حرب تاريخية أليمة بسبب آثارها وتداعياتها على البلدين. ولاتزال ويلات الحرب التي استمرت 8 أعوام (1980- 1988)، وتأثيراتها وإرهاصاتها النفسية والاجتماعية مستمرة على البلدين.

ويرى محللون وخبراء أن الحرب العراقية الإيرانية لها تاريخان، تاريخ معلن وهو يوم 22 سبتمبر/أيلول 1980، وهناك تاريخ آخر وهو اليوم الرابع من الشهر نفسه، عندما اخترق الطيران الإيراني الأجواء العراقية فضلا عن المناوشات السابقة التي وقعت على المخافر الحدودية بين البلدين.

ويؤكد الخبير العسكري أعياد طوفان أن الحرب من وجهة نظر العراق بدأت ملامحها الأولى يوم 4 سبتمبر/أيلول 1980، عندما بدأ الجانب الإيراني بقصف مخافره وعمقه على الرغم من عشرات المذكرات الاحتجاجية التي بعثها والموجودة في أدراج الأمم المتحدة.

ولفت إلى أن الرد العراقي على إيران كان يوم 22 سبتمبر/أيلول 1980، فكانت بداية الحرب الطويلة التي استمرت لـ8 أعوام.

ويؤكد ذلك الخبير الأمني ربيع الجواري فيقول إن بداية الحرب كانت قبل يوم 22 سبتمبر/أيلول، حيث كان هناك قصف من الجانب الإيراني للمخافر الحدودية العراقية، مشيرا إلى أنه في ذلك اليوم بدأ الجانب العراقي بقصف مطارات عدة في العمق الإيراني.

ويرى الجواري أن قصف المطارات في بداية الحرب عزز التقدم العراقي الجوي خلال فترة الحرب التي استمرت 8 سنوات.

طوفان يرى أن قصف المدن من أعنف مراحل الحرب (الجزيرة)

 

مراحل الحرب

ويقسم طوفان الحرب إلى 4 مراحل أساسية: المرحلة الأولى رد العراق على إيران، وبدأ ذلك في يوم 22 سبتمبر/أيلول 1980. أما في المرحلة الثانية كان انسحاب القوات العراقية إلى الحدود الدولية بين العراق وإيران، وبدأت عام 1982. وكانت الثالثة -بحسب طوفان- مرحلة الاستنزاف بين الجيش العراقي والجيش الإيراني، وأشدها حرب الصواريخ بين البلدين وبعض المعارك المهمة مثل الحصاد الأكبر، وسيطرة القوات الإيرانية على شبه جزيرة الفاو.

ويضيف أن المرحلة الرابعة هي ما وصفها العراق بـ"معارك التحرير"، والتي بدأت بمعركة استعادة السيطرة على الفاو في 17 أبريل/نيسان 1988، ومرورا بمعارك أخرى.

ويلفت الخبير العسكري إلى أن تلك المعارك انتهت بقبول إيران قرار وقف إطلاق النار الذي أعلنته الأمم المتحدة، وبذلك وضعت الحرب أوزارها.

محطات فاصلة

وللحرب العراقية الإيرانية تفاصيل كثيرة، ومعارك تاريخية عدة كانت بمثابة محطات ومنعطفات فاصلة في ميزان الحرب ودول المنطقة، بحسب الجواري.

ويبين الجواري في حديثه للجزيرة نت، أنه قد تم استخدام جميع أنواع الأسلحة في تلك الحرب -عدا الأسلحة النووية لم تستخدم فيها- لكن استخدمت الأسلحة الكيماوية، والتي كان ضررها كبيرا جدا وقتلت عددا كبيرا من الأبرياء.

وعن أبرز المعارك يضيف الجواري، كانت معركة المحمرة أو معركة خرمشهر كما يسيمها الإيرانيون، والتي بدأت يوم 22 سبتمبر/أيلول 1980، واستمرت نحو 50 يوما، ووقعت فيها مواجهات عنيفة بين جيشي البلدين.

وخاض الجيش العراقي حتى عام 1982 معاركه داخل الأراضي الإيرانية، كما كان مسيطرا على أغلب المناطق الحدودية بين البلدين، لكن في مارس/آذار من العام نفسه، أطلقت إيران هجوما واسعا في عربستان أو خوزستان -المحافظة الإيرانية النفطية الحدودية مع العراق- استعادت على إثره المحمرة أو خرمشهر. وأقرّت بغداد وقفا لإطلاق النار رفضته طهران، وبدأت تسحب قواتها من داخل إيران.

وبحسب الجواري، هنا حدث منعطف كبير في ميزان الحرب وانتقلت المعارك إلى الحدود والأراضي العراقية. ويستطرد الخبير الأمني حديثه قائلا " كانت من المحطات البارزة في الحرب سيطرة القوات الإيرانية على مدينة الفاو في البصرة جنوبي العراق في عام 1986، بالإضافة إلى تقدمها في معارك بنجوين شمالي العراق، لافتا إلى أن ذلك أحدث تغيرا في مسار المعارك لصالح الجانب الإيراني".

أما في عام 1988، فبدأت المعارك تأخذ منحى آخر، وهو قصف الجانب الإيراني للمدن الحيوية مثل العاصمة بغداد. ويرى الخبير الأمني أن معركة استعادة القوات العراقية السيطرة على مدينة الفاو عام 1988 تعد "المعركة الفاصلة" في تلك الحرب الطويلة، معتبرا أنها كانت معركة نوعية استطاع الجانب العراقي فيها استعادة مدينة الفاو من الجانب الإيراني خلال 35 ساعة، وتكبدت القوات الإيرانية خسائر بشرية ومادية كبيرة.

البدراني رأى أن صراع العراق وإيران على النفوذ في المنطقة من بين أسباب الحرب بينهما (الجزيرة)

أسباب رئيسة

لم يكن لحرب الثمانينيات سبب واحد، لكن من أبرز الأسباب الخلاف الحدودي التي سعت الدولتان النفطيتان لإنهائه من خلال إبرام اتفاقية الجزائر عام 1975. وقّع الاتفاق في مارس/آذار من ذلك العام، بين شاه إيران وصدّام حسين عندما كان نائبا للرئيس، وكان الاتفاق يقسم نهر شط العرب بين الجانبين. وفي 17 سبتمبر/أيلول عام 1980، أعلنت بغداد أحاديا إلغاء الاتفاقية، مؤكدة أن شط العرب يجب أن يكون عراقيا.

كما أن هناك أسبابا رئيسية عدة وقعت في تلك الفترة أدت إلى اندلاعها، إذ يرى الأكاديمي والباحث السياسي فاضل البدراني أن أحد تلك الأسباب، يكمن في أنه كان هناك قطب إقليمي يمثل إيران، وكانت هناك دولة عربية وهي العراق بدأت تقوى وتنهض، وهي مجاورة لها، ولم ترغب إيران أن تكون هناك قوة تنافسها في المنطقة.

ويضيف البدراني، كذلك من الأسباب أن هناك نظاما جديدا تسلم الحكم في إيران -بعد قيام الثورة الإسلامية فيها عام 1979- مختلفا عن النظام الذي سبقه، وفي المقابل كان هناك نظام جديد في العراق – بعد تولي صدام حسين رئاسة العراق- وهو مختلف أيضا عن سابقه، من حيث قيادة الدولة والبلاد.

ويشير البدراني في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الحرب كانت قوية جدا، وكان فيها مغذيات أدت لاندلاعها ومد نيرانها، وهي أميركية وفرنسية ودول غربية عدة، بالإضافة إلى وجود دول عربية قد وقفت مع أحد الطرفين، ودعمته على أساس المواقف السياسية والأيديولوجيات بين تلك الدول.

من جهته يرى الخبير الأمني ربيع الجواري أن الجانب الإيراني قام باستفزازات عدة كانت من أسباب اندلاع الحرب، منها القصف المدفعي على بعض القصبات والمناطق العراقية، وكذلك التعرض للسفن العراقية في الخليج العربي.

جندي إيراني يحاول الاحتماء خلال قصف عراقي في الأشهر الأولى للحرب (غيتي إيميجز)

خسائر الطرفين

وأفرزت الحرب العراقية الإيرانية خسائر بشرية كبيرة، ووفقا لخبراء وباحثين فإن هناك خسائر اقتصادية كبيرة على صعيد توقف تصدير النفط، وتدمير آباره، وتدمير منشآت حيوية واقتصادية، وتوقف تجارة البلدين في منطقة الخليج العربي والمياه الدولية.

وحول ذلك يقول الجواري، إن هذه الحرب خلفت خسائر جسيمة، إذ أسفرت عن مقتل نحو مليون شخص من كلا الجانبين العراقي والإيراني، بالإضافة إلى مليوني إصابة وعجز دائم.

إضافة إلى ذلك، كانت حربا مكلفة ماديا واستنفدت أموال البلدين، كما تسببت بتراجع كبير وتدمير لاقتصاد الجانبين، ويبين الجواري أن الخاسر على جميع الأصعدة في هذه الحرب الطويلة هما الطرفان العراقي والإيراني، بسبب السياسة الخاطئة لحكومتي البلدين في تلك الفترة.

من جانبه يؤكد طوفان أن الحرب تعد واحدة من أطول الحروب في العصر الحديث، ولا يوجد طرف منتصر فيها على الإطلاق لأن مقدار التضحيات كان هائلا جدا.

ويبين أن الخسائر المادية للعراق بلغت 251 مليار دولار، بينما الخسائر الإيرانية بلغت 653 مليار دولار، بالإضافة إلى خسائر الطرفين في الأرواح والمفقودين ومعوقي الحرب والحالات النفسية خصوصا بين أسرى الحرب.

مصالح دولية

ويشير البدراني إلى أن هناك علاقة لتلك الحرب مع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، موضحا أن واشنطن كانت تخطط بأن تكون الدول المتحاربة ساخنة ورخوة، وأن تكون المنطقة التي يمكن أن يعتمد عليها المجتمع الصناعي الحربي الأميركي في تغذية هذه الدول بالسلاح.

ويعتقد أن هناك مخططات دولية جرت منذ اندلاع تلك الحرب، ورسمت لها الخارطة بأن تدخل أميركا وتخدم المصالح والوجود الإسرائيلي في المنطقة، حتى تخلق عدوا للدول العربية -وهي إيران- بدلا من عدوها إسرائيل، بحسب تعبير البدراني.

ووفقا للخبير الأمني ربيع الجواري، فإن العراق وإيران كانا يستوردان السلاح من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة على مدى السنوات الثمانية.

ويضيف أن هذين الجناحين -الروسي والأميركي- لهما ضلوع في إشعال هذه الحرب كونها تخدمهم اقتصاديا بشكل كبير، من خلال تسويق أسلحتهم إلى الجانبين، وما ينتج عن ذلك من انتعاش لاقتصادهما.

وحول الآثار والتداعيات التي تسببت بها الحرب على المنطقة، يرى البدراني أن الدول تضررت وتأثرت بشكل كبير، مشيرا إلى أن المنطقة تعد من المناطق الساخنة لاحتوائها على موارد اقتصادية وموارد بشرية، ولا سيما في هذين البلدين، العراق وإيران.
ويضيف أنه بعد انتهاء الحرب وخروج العراق بالانتصار الذي كان معدا له من دول غربية، مما منحه شيئا من الاعتداد بالنفس، حتى دفعه ذلك إلى الدخول إلى الكويت، ومن ثم تغيرت الخارطة السياسية في البلاد والمنطقة، بحسب البدراني.

ويعتبر الأكاديمي والباحث السياسي أن دخول العراق للكويت كان من أبرز تداعيات الحرب العراقية الإيرانية على المنطقة، لافتا إلى أن الدول الغربية كانت وراء ذلك لإشعال فتيل حرب أخرى، لتكون هذه المرة داخل الجسم العربي.

المصدر : الجزيرة

إعلان