رحلة البحث عن حقيقة انفجار مرفأ بيروت.. تحقيق دولي أم محلي؟

Beirut Picks Up The Pieces After Deadly Blast
اللبنانيون ينتظرون كشف حقيقة انفجار مرفأ بيروت والمسؤولين عما جرى (غيتي)

مضى أسبوعان على انفجار مرفأ بيروت دون أن يتضح بعد المسار القضائي الذي ستسلكه التحقيقات، وترافقت الدعوات المحلية والخارجية للإسراع في إنجازها بدقة وشفافية، مع انقسام لبناني بين مطالب بتحقيق دولي ورافض للتدويل يعتبر أن السوابق مع التحقيقات الدولية غير مبشرة.

وفي آخر معطيات التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية القضائية المحلية ادعى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على 25 شخصا من إداريين وجمركيين وأمنيين، من بينهم 19 موقوفا في ملف انفجار مرفأ بيروت.

وبعد تعيين القاضي فادي صوان محققا عدليا في قضية انفجار المرفأ برزت أولى الإشكاليات أمامه، والتي تمثلت بإرجاء الجلسة المقررة للاستماع إلى رؤساء ووزراء الأشغال والمالية والعدل المتعاقبين منذ 2013 بحجة "حصانتهم"، وأن من يسائل هو "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء" فيما لو كانوا مشتبها فيهم.

لكن، ماذا يقول الدستور اللبناني في شأن هذا المجلس؟

يشرح الخبير الدستوري المحامي بول مرقص للجزيرة نت طبيعة عمل "المجلس الأعلى للرؤساء والوزراء"، ويعتبر أنه "قلما يعمل أو بالأحرى لا يعمل أبدا".

ويشير مرقص إلى أن مهمة هذا المجلس تتمحور حول ملاحقة ومحاكمة الرؤساء والوزراء -عدا رئيس الجمهورية- بمختلف الجرائم، أو بشأن إخلالهم الوظيفي، أما "في حالات ارتكاب الجرائم والتقصير والفساد فيكون القضاء العادي -ومن ضمنه المجلس العدلي- هو المختص".

ويصف مرقص هذا المجلس بـ"الهجين"، لأنه يجمع السلطتين التشريعية والقضائية معا، و"تتطلب إحالة الاتهام إليه من مجلس النواب بأكثرية الثلثين في المجلس، وهذا أمر يصعب تحقيقه، وبالتالي يكون الاتهام في مضمونه سياسيا وليس قضائيا".

وأضاف "يقوم المجلس النيابي عادة بتعيين أعضاء المجلس الأعلى، على أن تتألف هيأته الناظمة من 7 نواب و8 قضاة يعينهم المجلس الأعلى للقضاء بطلب من مجلس النواب، وهو ما جعل من أدائه حبرا على ورق".

ورغم إرسال فرنسا وبريطانيا فرقا من محققيها إلى بيروت وإعلان وكيل الخارجية الأميركية ديفيد هيل أن فريقا من مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي "إف بي آي" (FBI) يشارك أيضا في التحقيقات فإن اللبنانيين لا يزالون منقمسين بشأن تدويل التحقيق من عدمه، ويصر بعضهم على أن مشاركة فرق دولية في التحقيق لا يعني تدويله بل الاستعانة بخبراتها وخبرائها.

ويعتبر المحاضر في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور مكرم رباح أن التحقيقات ليست على السكة الصحيحة، انطلاقا من مبدأ أن الأجهزة الأمنية نفسها المسؤولة عن "التغاضي على وجود هذه المواد في المرفأ مكلفة بإجراء التحقيقات، وهو ما يسقط عنها صفة الموضوعية والمشروعية القانونية".

 

ويرى رباح أن المطالبة بتحقيق دولي- أممي ليس خارج المألوف "ولا سيما أنه طال ضحايا من جنسيات متعددة، وكلما تعددت أطراف التحقيق تتعقد معها محاولات إخفاء الحقائق". وتابع أن "القضاء اللبناني لم يحاكم أحدا حتى الآن يجرائم مالية وفساد إداري".

وقال إن المطلوب هو "حماية مسرح الجريمة أولا، والسماح للجنة تحقيق دولية بمشاركة لبنانية بوضع يدها على التحقيق، إضافة إلى عزل وإقالة المعنيين من أجهزة أمنية ورقابية متواطئة في الملف، بموازاة تشكيل حكومة حيادية انتقالية، لأن اللبنانيين لن يرضوا بأي سردية حول الجريمة يقدمها قضاء هذه الدولة".

رباح المقتنع بأن حزب الله كان يستبيح مرفأ بيروت يخالفه الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر المقرب من حزب الله والذي يعد في مقدمة الرافضين للتحقيق الدولي، ويضع الاتهام في إطار حملة التضليل السياسي التي يواجهها حزب الله، و"لو كان يسيطر على المرفأ والبلد كما يتهمه خصومه لما قبل بإسقاط حكومته".

ويرفض عبد الساتر مبدأ التحقيق الدولي، ويعتبر أن على كل لبناني رفضه "لأنه يخرق سيادة لبنان ويضع قضاءه تحت سلطة القضاء الدولي، في وقت يجب أن يكون القضاء اللبناني صاحب الكلمة الفصل في القضية، مع الاستعانة بخبرة دولية ضمن نطاق معين".

وقال للجزيرة نت إن "قضية انفجار المرفأ أخذت منحى سياسيا، وصار لبنان مسرحا للجيوش والتواجد الأجنبي تحت عنوان المساعدات الإنسانية والخبرات في موضوع التحقيق".

ورفض عبد الساتر التشكيك بالقضاء اللبناني "لأن المسألة ليست في هوية القضاء، وإنما في جدية ونزاهة القاضي الذي يتولى إدارة الملف".

وتابع "نحن لا نثق بلجان التحقيق الدولية التي لم تنتج عدالة في قضايا مختلفة مثل الجرائم الجنائية الدولية، والمحاكم ضد إسرائيل، وضد السعودية في اليمن، ونحن ننتظر الرواية الأولية من القضاء اللبناني في قضية الانفجار، لنبني على الشيء مقتضاه".

وفي سياق متصل، يرى أستاذ القانون والعلاقات الدولية رئيف خوري أنه حتى الآن لا يوجد تدخل أجنبي في التحقيقات، وإنما حضور محققين أجانب لمساعدة تقنية بجوانب محددة بطلب من لبنان.

وقال خوري للجزيرة نت إن "التحقيق المحلي سيبقى قاصرا عن أداء كامل مهامه إذا لم يتوسع إلى ما قبل الانفجار الثاني، أي إلى طبيعة الانفجار الأول، إضافة إلى الإجابة عن أسئلة تبدأ من جورجيا إلى موزمبيق قبل أن تصل شحنة النترات إلى مرفأ بيروت، وكل التفاصيل الأخرى كما المتعلقة بصاحب البضاعة الذي لم يطالب بها رغم وثائق الشحن التي تشير إلى اعتماد مصرفي".

المصدر : الجزيرة