نووي إيران.. هل تعود إدارة بايدن إلى اتفاق "5+1″؟

Britain's Foreign Secretary Boris Johnson, German Foreign Minister Heiko Maas, French Foreign Minister Jean-Yves Le Drian and EU High Representative for Foreign Affairs Federica Mogherini take part in meeting with Iran's Foreign Minister Mohammad Javad Zarif in Brussels, Belgium, May 15, 2018. REUTERS/Yves Herman/Pool
أحد اجتماعات بروكسل بشأن البرنامج النووي عام 2015 (رويترز-أرشيف)

مع استعداد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لتسلّم مقاليد الحكم رسميا في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، بعد هزيمته للرئيس الحالي دونالد ترامب في الانتخابات، تعززت فرضية عودة الإدارة الجديدة إلى مسار التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي، وربما العودة للالتزام بالاتفاق النووي (5+1) الذي أبرمته إدارة باراك أوباما عام 2015.

ومما يزيد من فرص تلك الفرضية، هو موقف الإدارة الجديدة، الذي تبدّت معالمه في شعار "عودة أميركا" من خلال الالتفات بشكل أكبر إلى الداخل، وإعادة ترتيب البيت الأميركي، ومواجهة المشكلات الكبيرة وفي مقدمتها الاقتصاد، وجائحة كورونا، الأمر الذي ورد على لسان بايدن وأعضاء إدارته المحتملين منذ حملته الانتخابية، وبعد إعلانه خطاب النصر.

خلال السنوات الأربع من حكم إدارة ترامب، بُنيت الإستراتيجية الأميركية، على حالة الضغط الأقصى على إيران، وأفضت إلى إعلان ترامب -في مايو/أيار 2018- التنصل من الاتفاق النووي، وفرض مزيد من العقوبات التي خلّفت آثارا اقتصادية كبيرة على طهران.

وبطبيعة الحال، فقد كانت إسرائيل المُحرض الأكبر وراء دفع ترامب لإعلان الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي كانت أشد المعارضين له، واعتبرته تهديدا مباشرا لنظرية التفوق الإقليمي.

واعتبرت تل أبيب أن الاتفاق النووي سيمنح إيران فرصا أكبر لامتلاك القنبلة النووية مستقبلا، فضلا عن أن الاتفاق حدّ نسبيا من قدرة يد الموساد الإسرائيلي (الاستخبارات الخارجية) على التحرك واغتيال عدد من العلماء الإيرانيين العاملين في المشروع النووي.

ولم تُخفِ إيران، وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها، استبشارها بتوجهات إدارة بايدن نحو ملفها النووي، خاصة بعد تجلّي تلك التوجهات، وتعاظم تداعيات العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني.

ضربة إستراتيجية

لكن التحولات الجديدة دقت ناقوس الخطر لدى إسرائيل وحلفاء أميركا في الشرق الأوسط على حد سواء، وفي خضم ذلك تلقت إيران ضربة إستراتيجية على صعيد مشروعها النووي، تمثلت باغتيال العالم النووي محسن فخري زاده في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

تلك الضربة -التي تعتقد طهران أن تل أبيب وراءها- جاءت في توقيت حساس من شأنه أن يُربك حسابات المشهد من جديد.

لكن إيران تعاملت بتروٍ في الرد على حادثة الاغتيال، سعيا لتحقيق مكاسب كبيرة في اتجاهات متعددة بدلا من الفخ الذي نصب لها، برغم تأكيدات المسؤولين فيها على حتمية الرد، ولكن في الوقت والكيفية المناسبين.

ومما شجع إيران على موقفها، تأكيد عدد من الأطراف الأخرى -وخاصة شركاء الاتفاق النووي (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا)- التزامهم بذلك الاتفاق، وحث طهران على عدم اتخاذ خطوات تصعيدية ولاسيما مع قرب مغادرة الرئيس ترامب البيت الأبيض.

U.S. President-elect Joe Biden delivers a televised address to the nation in Wilmington
فرص عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني تعززت مع فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية (رويترز)

خطوات إيرانية

آثرت إيران تحويل الأمور إلى معطيات عملية رجحت فيها انتظار تسلم جو بايدن مقاليد الحكم رسميا، لكنها عملت على تدعيم موقفها الميداني والسياسي عقب اغتيال زاده، وسعت لتعزيز موقفها على طاولة المفاوضات المحتملة مع الإدارة الأميركية الجديدة، وامتلاك أوراق قوة جديدة تخدمها كثيرا في حال العودة للاتفاق النووي السابق، أو حتى إعادة التفاوض من أجل إبرام اتفاق جديد.

مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، صادق البرلمان الإيراني بالإجماع على قرار رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20%، وبما قيمته 120 كيلوغراما من اليورانيوم، مما يُسهم في تسريع وتيرة التخصيب.

كما أعلنت إيران بشكل طوعي السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول الأراضي الإيرانية وزيارة عدد من المواقع النووية.

وتحرص إيران على إعلان رفضها العودة إلى التفاوض بشأن البرنامج النووي، والتمسك بخطاب المظلومية باعتبار أن اغتيال فخري زاده يعد خرقا كبيرا للاتفاق، ما دفعها لاتخاذ الخطوات السابقة كردة فعل على حادثة الاغتيال، والتي من شأنها -أي الخطوات- سحب البساط من تحت قدم إسرائيل، وحرمانها من حصد ثمار اغتيالها للعالِم الإيراني.

اعتبارات تخضع لها العودة

وفي هذا السياق فإن احتمالات العودة للاتفاق النووي وفرص ذلك، تخضع للاعتبارات الآتية:

أولا: تحاول إسرائيل الضغط بشكل كبير على الإدارة الأميركية الجديدة لعدم التوجه نحو العودة للاتفاق بأي شكل من الأشكال، وهو الأمر الذي يصعب حسمه، حيث ستزيد إسرائيل من وضع العراقيل في طريق أي خطوات أميركية محتملة بهذا الاتجاه.

ثانيا: ترى إيران أن التفاوض على هذا الملف قد أُقفل بشكل كامل، وأن العودة إلى الاتفاق يجب أن يكون بناء على ما سبق الاتفاق عليه، ويُرجّح أن الأمر ما هو إلا رفع إيراني لسقفها السياسي قبل الخوض في عملية التفاوض للعودة للاتفاق أو إبرام اتفاق جديد.

ولحين تحقيق ذلك، فإن إيران ستستفيد عمليا بمنحها فرصة تسريع وتيرة التخصيب، والتقدم بخطوات أكبر في برنامجها الإستراتيجي.

ثالثا: إن هذا الملف الملغوم ينتظر بايدن للتعامل مع معطياته بشكل يحافظ على الإستراتيجية الأميركية بالشرق الأوسط، ضمن التركة الثقيلة لإدارة ترامب في المنطقة التي أكثر ما يعنيها فيها أمن إسرائيل.

وبرغم تعقيدات هذا الملف فإنه كان أحد الملفات الدعائية في حقيبة حملة بايدن، وحلولها لمشكلات التوسع الأميركي، وإصلاح أعطاب السياسة الخارجية، التي أفرزت إدارة ترامب مجموعة من الملفات المتشابكة فيها.

خلاصة القول، إنه من المرجح العودة إلى الاتفاق النووي على شكله السابق، إلى جانب مراجعة إيران قراراتها الأخيرة والتنازل عنها من أجل ضمان استمرار الاتفاق.

كل ذلك، ما لم تطرأ متغيرات جديدة قبيل تسلم بايدن مقاليد الحكم، لكن ثمة ملفات أخرى ستتفاعل معها الولايات المتحدة تجاه إيران بخلاف برنامجها النووي، ومنها محاولة تطويقها وإبعادها عن التنين الصيني، والتي تجلّت في فرض الولايات المتحدة عقوبات تجاه عدد من الشركات الصينية التي تتعامل مع إيران.

المصدر : وكالة الأناضول