النيل.. مصر تقلص وإثيوبيا توسع

REUTERS/Labourers transplant rice seedlings in a paddy field in the Nile Delta town of Kafr Al-Sheikh, north of Cairo May 21, 2008.

مزارع الأرز المصرية أحد ضحايا الصراع على مياه النيل (رويترز-أرشيف)

أمرت السلطات المصرية مزارعي الأرز في منطقة دلتا النيل بتقليص المساحة التي يزرعونها للحفاظ على مياه النيل، في الوقت الذي تهدد فيه مشاريع تقيمها إثيوبيا ودول أخرى ينبع منها هذا النهر بامتصاص ملايين الغالونات قبل أن تصل مياهه إلى مصر.

يقول مزارع الأرز خالد أبو بكر الذي يتوقع أن يتراجع دخله هذا العام بالنصف نتيجة هذا التقليص, "نحن ضحايا قضية تتجاوزنا كثيرا, فالحكومة تبعث إلينا الوفود لتوعيتنا حول مدى أهمية كل قطرة من مياه النيل لمصر".

فثمة اليوم صراع على مياه هذا النهر الذي واكب لآلاف السنين صعود وسقوط حضارات إنسانية في هذه المنطقة من العالم.

وينبع الخلاف من معاهدة رعتها بريطانيا عام 1929 واتفاقية بين السودان ومصر عام 1959 تضمن لمصر الاستفادة من جل مياه هذا النهر.

وتعكس تلك المعاهدات السياسية مدى اعتماد مصر على نهر النيل, فدول منبع النيل كإثيوبيا تنعم بفصول ممطرة وبمصادر مياه أخرى, لكن مزارع مصر من دون النيل تتحول إلى صحارى جافة.

وبموجب تلك الاتفاقات فإن لمصر حق النقض (الفيتو) بخصوص المشاريع التنموية ذات الصلة بالنيل, كما أن لها الحق في الحصول على 55.5 مليار متر مكعب من مياه هذا النهر, أي نحو ثلثي المياه المتدفقة في هذا النهر.

غير أن دول المنبع تقول إنها لا يمكن أن تجبر على الالتزام باتفاقات جائرة تعود إلى الحقبة الاستعمارية, ولهذا فإن خمسا من دول حوض النيل العشرة (إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا) وقعت اتفاقا يضمن لها الحصول على نصيب أكبر من مياه هذا النهر لاستخدامها في الزراعة والكهرباء والتنمية.

"
اقرأ أيضا:

اقتسام مياه النيل بميزان المتخصصين
"

وردا على ذلك قال المسؤولون المصريون الغاضبون إن أمن بلدهم معرض للخطر, لكنهم خففوا منذ ذلك الحين من لهجتهم التهديدية وبدؤوا يبحثون عن حل وسط يوازن بين حماية حصة مصر من النيل في ظل المشاريع المرتقبة لدول المنبع, غير أن هدف دول المنبع هو صياغة إطار قانوني جديد يلبي مصالحها ويقلص "حقوق مصر التاريخية" في النيل.

وحسب وزير الدولة المصري للشؤون القانونية والمجالس النيابية مفيد شهاب فإن "مصر تتعامل مع قضية مياه النيل بوصفها قضية حياة أو موت, إذ إن هذا النهر يمد مصر بـ95% من احتياجاتها من الماء".

غير أن الرئيس الإثيوبي ملس زيناوي حذر في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية من أن "الطريق إلى الأمام ليس في محاولة مصر وقف ما لا يمكن وقفه".

ولم تطلب إثيوبيا أي إذن من مصر عندما قررت تشييد محطتها الكهرمائية الجديدة "تانا بلس" على ضفاف بحيرة تانا, بل أكد زيناوي أن بلاده التي تتكرر فيها انقطاعات التيار الكهربائي ويعاني نصف أطفالها ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات من سوء التغذية، ستبني كل ما تريد بناءه على طول النهر وروافده, حتى أن حكومته قدمت عروضا مغرية للمستثمرين لتشجيعهم على استثمار الأراضي المروية وذلك عبر عقود إيجار بأسعار زهيدة.

وفي المقابل يجلس أبو بكر في الظل بين مسجد وسقيفة مليئة بأكياس قشور الأرز يتأمل الوضع, فمساحته التي كان يزرعها أرزا تقلصت من سبعة فدادين إلى ثلاثة, وهو ما قال إنه سيسبب له خسارة بنحو 4500 دولار عندما يبيع محصوله في أكتوبر/تشرين الثاني القادم.

ومن هنا فإن الأمل الذي بعثته المشاريع التنموية في إثيوبيا قابله تخوف وألم في الجانب المصري.

المصدر : لوس أنجلوس تايمز