كيف ومتى تنتهي حرب الخرطوم؟

رئيس مجلس السيادة بالسودان البرهان (يسار) وبجواره قائد قوات الدعم السريع حميدتي (الأناضول)

الشيء الذي لا جدال فيه أن الحرب الدائرة الآن في العاصمة السودانية الخرطوم ذات أبعاد مركبة من حيث مكوناتها وميادينها وأهدافها المحلية، وفي تنامي بعدها الإقليمي دعماً ومؤازرة أو رفضاً وحياداً. هذا إلى جانب التدخلات الدولية المتشابكة التي تملأ أشرعتها رياح عاتية، لذا يصبح من الصعب للغاية التكهن بموعد محدد وكيفية معينة تصمت معها أصوات المدافع وتتوقف هذه الحرب.

وبات معلوما أن هذا الاقتتال الدامي لن يتوقف، ولن تضع الحرب أوزارها، إذا لم تحقق أهدافها في سياقات أبعادها المركبة على الصُعد المحلية والإقليمية والدولية.

حالة القتال اليوم تشير بشكل واضح إلى أن التهديد العسكري لقوات الدعم السريع بالانقضاض على السلطة وتحطيم الجيش السوداني وهزيمته، لم يعد موجودًا

ويبدو الجيش السوداني من جانبه عازما ومصمما على إنهاء التمرد والقضاء عليه مهما كان الثمن، وحدد خيارين للمتمردين، إما الاستسلام وإما الدحر المبرم. ويبدو أن الجيش لن يوقف عمليته العسكرية رغم الضغوط الخارجية عليه وعصا العقوبات الأميركية المرفوعة في وجهه، وما يقوم به منبر التفاوض المفتوح في جدة بالمملكة العربية السعودية لم ينتج عنه سوى اتفاقيات للهدنة ووقف إطلاق نار دون طائل، فمفاوضات جدة لا أوقفت قتالاً، ولا فتحت باباً ينفذ منه أمل بوقفٍ دائم لهذه الحرب، فالجيش ماض في سبيل إنهاء الحرب بالقضاء الكامل على التمرد والتخلص من "الدعم السريع" وتعويض البلاد مما حاق بها بسببه.

ومن جانبه تبدو الصورة أكثر غموضا وقتامة لدى "الدعم السريع" الذي فقد القدرة على بلورة رأي سياسي تعبر عنه قيادته بشكل متواتر ودائم خلال الحرب الجارية، بسبب تعدد مراكز القرار الذي تقاسمته مكونات داخلية تنسب ما تقول لقيادة "الدعم السريع"، ثم عواصم عربية تتحكم في كل ما يصدر عن "الدعم السريع" وتحدد مساراته السياسية وعلاقاته الإقليمية التي لا تنطلق من تحرك ذاتي، فهي  تحركات يتم التخطيط لها وتنفيذها بعد اتصالات دبلوماسية تقوم بها بعض الجهات العربية التي ترعى وتمول وتدعم هذه النسخة "الأفروعربية" من فاغنر الروسية.

وبان للجميع مع انكشاف الظهر وظهور الأكذوبة أنه ليس "للدعم السريع" أية أهداف سياسية محددة من هذه الحرب التي يشنها، فأهدافه تراجعت من لوثة الأوهام السياسية المُلقّنة لقيادته من مجموعة الاتفاق الإطاري عن استعادة المسار الديمقراطي وتحولاته في السودان، فقد لاكت الألسن ما ورد في تلك الترهات السياسية المهترئة الطافحة من متن وشروح ما يسمى بالاتفاق الإطاري.

وأصبح من الصعب تسويق تلك التعابير المعلبة، وتعقدت أوضاع "الدعم السريع" أكثر نتيجة الأخطاء المميتة والفادحة التي ارتكبها بتهجيره القسري للمواطنين، واحتلال منازلهم ونهب ممتلكاتهم، وارتكابه أبشع جرائم الحرب باحتلال المستشفيات والمراكز الطبية، ونهب ممتلكات المواطنين، وتعطيل الخدمات الطبية وتحويل المشافي لثكنات عسكرية تدار منها الحرب، بجانب اتخاذ المواطنين دروعاً بشرية تحت دعاوى حماية حماة بذور الديمقراطية المعدلة وراثياً في السودان.

وبما أن "الدعم السريع" نفسه تحوّل بعد ما يقارب الشهرين من القتال إلى نوع آخر من التهديد، حيث لم يعد مهدداً عسكرياً، بل صار مهددا أمنياً، فحالة القتال اليوم تشير بشكل واضح إلى أن التهديد العسكري "للدعم السريع" بالانقضاض على السلطة وتحطيم الجيش السوداني وهزيمته لم يعد موجودًا، فالذي أطال عمر هذه الحرب هو الاحتماء ببيوت المواطنين الأبرياء، وجعل الملايين من سكان الخرطوم دروعاً بشرية، حيث لا تستطيع القوات المسلحة تنفيذ عملياتها العسكرية داخل الأحياء السكنية والمستشفيات والمرافق الخدمية كمحطات إمدادات المياه والكهرباء والاتصالات والمدارس.

وكان الجيش السوداني قد أعلن أكثر من مرة أنه دمر النواة الصلبة والقوة الرئيسية التي يعتمد عليها "الدعم السريع"، وقضى وسيطر على كل معسكراتها ومقارها بالخرطوم والولايات، وجاء على لسان بعض قيادات الجيش أن ما بين 70% و80% من قدرات "الدعم السريع" قد تم تدميرها، وأنه من 10 آلاف سيارة دفع رباعي مسلحة تم تدمير والاستيلاء على ما يقارب 8 آلاف سيارة بكامل عتادها.

في حين يلاحظ تقلّص أعداد "الدعم السريع" في الارتكازات المختلفة في أحياء العاصمة الخرطوم وشوارعها، وتراجع عدد المقاتلين في السيارات من العدد الأساسي 8 في السيارة الواحدة إلى 3 أفراد فقط، كما تم ضرب ما يزيد على 75 موقعا ومكتبا وتجمعا عسكريا وإداريا ومنزلا مستخدمة من قبل "الدعم السريع" في كل ولاية الخرطوم وذلك من مجموع 90 موقعا ومكتباً ومنزلاً.

وفي صفوف القيادات الميدانية تم تأكد حتى الآن مقتل 60% من قيادات الصف الأول للتشكيلات العسكرية التابعة "للدعم السريع" وضباط النخبة المقاتلة، في حين ذكرت تقارير صحفية خارجية وتقارير لمنظمات دولية تفاصيل بالأرقام عن أعداد القتلى في صفوف "الدعم السريع" وتصنيفاتهم وعدد الجرحى، وكل ذلك يشير إلى أن القوة الرئيسية المعول عليها لإنجاز عمليات عسكرية ناجحة "للدعم السريع" قد انتهت.

ومما لا مراء فيه أن العلاقة السياسية "للدعم السريع" مع حلفائه السياسيين من تنظيمات وأحزاب المجلس المركزي "للحرية والتغيير" قد ضعفت للغاية، ولم يعد هناك إلا توارد الخواطر الإعلامية والتصريحات، فالعلاقة العضوية تلاشت وما كان ينتظره "الدعم السريع" من سند الحليف السياسي من بداية الحرب لم يتوفر قط، فليس هناك من يناصر ويعاضد فعلاً ولا قولاً، ولم يجد "الدعم السريع" إلا حديثاً جزافياً، ولم يجد إلا مجموعات رعاها من قبل واشتراها، وهي عناصر ما تسمى بلجان المقاومة، وهم جواسيسه وعيونه صنعها بنفسه وموّلها ورعاها.

وفوق ذلك اكتشف "الدعاميون" الحقيقة المرة، وهي أن المجلس المركزي لقوى "الحرية والتغيير" عار بلا ثياب، ليس له من حظ الجماهير نصيب، فجماهير الشعب السوداني التفّت وساندت وناصرت القوات المسلحة والجيش الوطني، بينما وجد "الدعم السريع" نفسه في مواجهة الجماهير التي ينهبها ويسرق منازلها وممتلكاتها، ويمارس معها كل أنواع القتل والترهيب والتخويف والاغتصاب.

ومن هذا كله، فإن الحرب ومعطياتها الماثلة، وتحول "الدعم السريع" إلى مهدد أمني بعد فشل مشروعه وإخفاقه في الحفاظ على وضعية التهديد العسكري، وعدم وجوده إلا في مناطق محدودة في بعض ولايات دارفور ومناوشات حول مدينة الأبيض بشمال كردفان، كل ذلك يشير إلى أن هذه الحرب ستنتهي بهزيمة ساحقة لهذه القوة التي نجح الجيش في استدراجها وإرهاقها وتقليص عددها يوما بعد يوم.

ومع هروب أعداد كبيرة تجاه غرب السودان وخارجه، سيخرج "الدعم السريع" وتأثيراته ودوره الذي لعبه في المشهد العام من دائرة الفعل السياسي والعسكري، وستطوى صفحاته، وسيكون جزءاً من الماضي.

أما بخصوص "متى"؟ فذلك رهين بالتطبيق الصارم والناجع لهذه المرحلة من الحرب وفق خطة الجيش، التي حتى اللحظة يظنها المواطن بحساباته المدنية البسيطة أنها خطط بطيئة النتائج ولم تجن ثمارها بعد، لكن وفق التقديرات والحسابات العسكرية والقراءات السياسية فإننا في المشاهد الختامية ولطالما كان إسدال الستار عند نهاية المشهد الختامي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.