منابع ومسارات المرتزقة الأفارقة نحو السودان (2)

A man raises his arm in support as he drives near Sudanese army soldiers loyal to army chief Abdel Fattah al-Burhan, manning a position in the Red Sea city of Port Sudan, on April 20, 2023. More than 300 people have been killed since the fighting erupted April 15 between forces loyal to al-Burhan and his deputy, Mohamed Hamdan Daglo, who commands the paramilitary Rapid Support Forces (RSF). (Photo by AFP)
القواسم المشتركة والتداخل القبلي مع الدول المحيطة يشكل حاضنة ومنبعا لتوريد المرتزقة (لقطة من الفرنسية لآلية للجيش السوداني أثناء المواجهات مع قوات الانتشار السريع)

في الحلقة السابقة تناولنا مقدمات حول ظاهرة الشعوب المهاجرة في أفريقيا جنوب الصحراء وتنامي ظاهرة المرتزقة في هذا الجزء من أفريقيا والعوامل الرئيسية التي أوجدت هذه المجموعات، منها حروب ما بعد مرحلة الاستقلال للبلدان في هذا الشريط الطويل في النصف الثاني من القرن الماضي، والاضطراب السياسي والأمني في الخمسين عاما الماضية، ودور الدعاية السياسية لليبيا القذافي ودعمه ما تسمى الحركات الثورية والمعارضة في البلدان الأفريقية، حيث وجد القذافي مرتعا خصبا يمارس فيه هواياته السياسية وانغماساته في قضايا البلدان الأكثر فقرا والأغنى بالموارد الطبيعية غير المستغلة.

ذكرنا جانبا من بؤر التجنيد ومناطق تدفقات المرتزقة زرافات ووحدانا في دولتي تشاد والنيجر، حيث هناك قواسم مشتركة بين هذين البلدين، منها التداخل السكاني الذي تمثله في البلدين القبائل المشتركة (التبو، القرعان، الكالمبو، البرنو، العرب، المحاميد، الفولان، الهوسا) وتوجد تداخلات قبلية أيضا لنفس هذه القبائل في بلدان أخرى، مثل ليبيا ومالي ونيجيريا بالإضافة إلى الطوارق.

نواصل هنا في إطار البحث عن أهم مناطق النشاط في شمال النيجر ومالي ونيجيريا، وهي على النحو التالي:

شمال النيجر

بتفصيل أكثر مما ذكرناه في الحلقة السابقة فإن شمال النيجر هو بمثابة البطن الرخو لهذه البلاد رغم أنه صحراء قاحلة، فمنه تنطلق مجموعات المرتزقة إلى ليبيا أو تشاد في السابق، وفيه نشأت حركات المعارضة والتمرد النيجرية، خاصة المنتمية للطوارق، وهي بالطبع ذات امتدادات في شمالي مالي.

أولا: منطقة أغاديس

تقع في شمال النيجر، وتمتد شمالا حتى الحدود الليبية والجزائرية، وغربا عند الحدود مع جمهورية مالي بجانب نشاط المجموعات المسلحة السابق قبل توقيع اتفاقيات سلام في نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي.

توجد الآن تحركات لمجموعات محلية لا تستطيع حكومة النيجر وحدها رصدها ومتابعتها ومراقبتها، وبعض هذه المجموعات هي عصابات خرجت من ليبيا بعد اتفاق الأمم المتحدة مع أطراف الأزمة الليبية قضى بخروج كل المسلحين الأجانب من ليبيا، وبعض هذه المجموعات من الطوارق والتبو والفولان وقبائل أخرى، وأبرز هذه المجموعات:

  1. بقايا القوات الثورية من أجل الصحراء (فارس -FARS) / طوارق.
  2. حركة الجبهة الوطنية للشباب في شمال النيجر "إم إن جيه" (MNJ).

وتتوزع في هذه المنطقة بؤر تجنيد وتجييش في مناطق التعدين عن الذهب، وهي:

  1. منطقة تابلت، تقع شمال مدينة أغاديس (40 كيلومترا).
  2. منطقة أمزغار (250 كيلومترا).

ثانيا: شمال شرق أغاديس

منطقة "تيبرا كاتن" علي

ثالثا: الحدود النيجيرية الجزائرية 

منطقة تاعرابت في مثلث الحدود بين النيجر ومالي والجزائر.

رابعا: منطقة الغرب على حدود النيجر وبوركينا فاسو

منطقة تيراغويتي غربي النيجر.

معروف أن شمال النيجر هو مناطق التعدين عن اليورانيوم، وتوجد شركات فرنسية تعمل هناك إلى جانب شركات صينية تعمل في مجال النفط.

نشاط بوكو حرام

لا ينحصر نشاط بوكو حرام فقط في شمال شرق نيجيريا، فهناك ولايات عديدة داخل النيجر ومحافظات في نيجيريا وأطراف من تشاد يوجد فيها نشاط للحركة التي تراجع دورها للغاية بعد تنسيق الحرب عليها عقب إبرام نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون اتفاقية مشتركة لمحاربة هذه الحركة، وتوزعت بقايا هذه الحركة إلى عصابات لا علاقة لها بالقضية الأيديولوجية أو الدينية أو حتى القضايا المحلية، وتفرغ أفراد بوكو حرام للارتزاق العسكري العابر للحدود، وبعضهم تسللوا للتجنيد ضمن صفوف الدعم السريع.

بؤر التجنيد في مالي

توجد في شمال جمهورية مالي حركات متطرفة تمثل مركزا لعمليات تجنيد من الطوارق والفولاني الموجودين في هذه المنطقة الممتدة شمالا حتى حدود الجزائر، ولا يمكن الجزم بوجود صلة مباشر وثيقة بين شركة فاغنر أو الدعم السريع والحركة الوطنية تحرير أزواد أو تنظيم التوحيد والجهاد وحركة جماعة أنصار الدين والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

لكن توجد مجموعات من المقاتلين السابقين كمرتزقة كانوا في ليبيا ينتمون لمناطق الشمالي في جمهورية مالي، انخرطوا بعد ليبيا في التعدين الأهلي وفي نشاطات إجرامية، وأصبحوا قطاع طرق أو عصابات منظمة تعبر الحدود، وهؤلاء عرضة للتجنيد من بعض الاطراف المتعاونة مع خليفة حفتر في ليبيا والدعم السريع، ويقال إن أطرافا في دولة خليجية تمول هذا النوع من عمليات تجنيد المرتزقة.

وتوجد هذه المجموعات في المناطق التالية:

  1. منطقة كيدال: تقع في وسط الصحراء المالية في الشمال الشرقي وتجاور النيجر والجزائر، ومنها تنطلق المسارات والطرق إلى جنوب غرب ليبيا وشمال النيجر وتشاد.
  2. مدينة قاو: حيث تتمركز تنظيمات إسلامية متطرفة ظلت تستقطب الشباب، وهي مدينة متوسطة المساحة تقع عند مجرى نهر النيجر في شمال شرقي مالي.
  3. منطقة أوسنغو شمال مالي.
  4. مناطق حول العاصمة التاريخية (تمبكتو).
  5. مناطق شمال غرب مالي.

تتميز هذه المناطق في شمال مالي بأنها غير خاضعة لسلطة الدولة وتوجد فيها حركات متطرفة مصنفة إرهابية، وتوجد عمليات عسكرية للجيش الجزائري، وكانت في السابق توجد تغطية جوية فرنسية بالإضافة إلى قوات من عدة دول تعمل على الأرض لمتابعة هذه الحركات.

إلى جانب ذلك توجد مناطق تعدين تقليدي عن الذهب في الشمال (تاودني، غاو، حوض ميسنا، حوض ميدين- في أقصى الشمال الشرقي)، كما توجد مناطق في وسط مالي.

ومع انتشار التعدين الأهلي فإن عمليات تجنيد المرتزقة تتم في هذه المناطق، وأغلبهم من الطوارق.

مرتزقة موريتانيا

على وجه الدقة لا توجد مجموعات مرتزقة تخرج من موريتانيا باتجاه السودان إلا تلك المجموعات التي كانت تنتمي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي أو تنظيمات التوحيد والجهاد وأنصار الله في شمالي مالي، ولكن لوجود قبائل من أهل موريتانيا (الحسانية، وبني شنقيط) في النيجر وأجزاء من تشاد يرجح انضمام أفراد من هؤلاء إلى عصابات المرتزقة والذهاب بحثا عن المال والسلاح.

بوركينا فاسو والسنغال وبقية دول الغرب الأفريقي

هناك أفراد فقط دون تنظيم دقيق يذكر ينتمون لقبائل الفولان والهوسا، تجندوا كمرتزقة في ليبيا وعاد بعضهم في 2021 إلى موطنهم الأصلي، ويمكن أن ينخرطوا في أي نزاعات إذا توفرت المسارات والمغريات للذهاب شرقا نحو السودان أو أي بلد آخر.

مسارات المرتزقة

  1. المسارات من تشاد مباشرة تتم عن طريق عدة طرق برية، أهمها الطرق البرية التقليدية عبر المنافذ الحدودية أو ممرات الرحل ومساراتهم التقليدية وهي عبر محافظتي (أم التيمان- حدود ولاية غرب دارفور السودانية) (مسار من منطقة وداي ومدينة أشي إلى منطقة أدري ثم إلى ولاية غرب دارفور بالسودان) (طريق يتجه شمالا في تخوم الصحراء التشادية ثم ولاية شمال دارفور السودانية) (مسار من جنوب شرق تشاد عبر أفريقيا الوسطى) (مسار من المثلث شمال عبر الصحراء من شمال تشاد إلى أقصى شمال السودان بمحاذاة وادي هور).
  2. المسار الرئيس القادم من النيجر ومالي وبقية بلدان غرب أفريقيا يعبر جنوب ليبيا عبر جبال تبستي ومناطق التبو وأوزو، وهو ممر صحراوي يشق الصحراء الكبرى حتى الحدود مع السودان.

 

نواصل في الحلقة الثالثة

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.