ماذا جرى لرغبة بوتين في ضم روسيا لحلف الناتو؟

PRESIDENT CLINTON WITH RUSSIAN PRESIDENT PUTIN IN BRUNEI.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) والرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية بيل كلينتون (رويترز)

شنت روسيا بقيادة الرئيس فيلاديمير بوتين حربا على أوكرانيا لعدة أسباب معلنة على رأسها التهديدات التي يأتي بها طموح أوكرانيا في الانضمام لحلف الناتو. في الوقت ذاته، كرر بوتين القلق الروسي إزاء احتمال انضمام أوكرانيا إلى الناتو، مطالبا بضمانات صارمة من الولايات المتحدة وحلفائها بأن ذلك لن يحدث، حيث يؤكد بوتين أن توسع حلف الناتو شرقا والاقتراب من الحدود الروسية يعد أمرا غير مقبول.

في مقابلة تلفزيونية قديمة حاوره فيها ديفيد فروست الصحفي الشهير بشبكة "بي بي سي" (BBC)؛ سئل بوتين قبل أسابيع من توليه منصب الرئاسة، عما إذا كان "من المحتمل أن تنضم روسيا إلى حلف الناتو"، ورد بوتين قائلا "ولم لا" (Why Not). وقال بوتين لفروست إنه لا يستبعد الانضمام إلى حلف الناتو "إذا أُخذت وجهات نظر روسيا في الاعتبار على أنها وجهات نظر شريك على قدم المساواة".

أما على الجانب الأميركي، فيؤكد الرئيس جو بايدن أن وضع فيتو روسي على انضمام أوكرانيا لحلف الناتو هو أمر غير مقبول، ومرفوض بصورة قاطعة.

إلا أن الغوص قليلا في غمار الأرشيف السياسي على مدار العقود الثلاثة الماضية تكشف عن وجه آخر للرئيس بوتين يختلف تماما عما يرتبط به الآن من عداء وتهديدات يراها وجودية من حلف الناتو على روسيا.

وخلال عدة مقابلات بثتها شبكة "شو تايم" (Show Time) عبر فيلم وثائقي عنوانه "مقابلات بوتين"، أجراها المخرج الأميركي الشهير أوليفر ستون، وعرض عام 2017، ذكر بوتين أنه أثار ذات مرة إمكانية انضمام روسيا إلى حلف الناتو مع الرئيس السابق بيل كلينتون عام 2000، وأن كلينتون قال إنه "ليس لديه اعتراض".

وطبقا لرواية الرئيس الروسي، فقد أصابت هذه الكلمات الوفد الأميركي المرافق للرئيس كلينتون بأكمله بالتوتر الشديد. وقال بوتين لأوليفر ستون "لقد تحدثنا أنا وبيل كلينتون، وكذلك مع جورج بوش، عن إمكانية أن تنضم روسيا إلى حلف الناتو"، وقال معاتبا "انظروا إلى أين وصلنا الآن، مع اقتراب الناتو من حدودنا".

وفي مقابلة تلفزيونية أخرى قديمة حاوره فيها ديفيد فروست الصحفي الشهير بشبكة "بي بي سي" (BBC)؛ سئل بوتين قبل أسابيع من توليه منصب الرئاسة، عما إذا كان "من المحتمل أن تنضم روسيا إلى حلف الناتو"، ورد بوتين قائلا "ولم لا" (Why Not). وقال بوتين لفروست إنه لا يستبعد الانضمام إلى حلف الناتو "إذا أُخذت وجهات نظر روسيا في الاعتبار على أنها وجهات نظر شريك على قدم المساواة".

وقال فروست إنه كان من الصعب بالنسب لبوتين تصور حلف الناتو كعدو، إذ قال "روسيا جزء من الثقافة الأوروبية، ولا أستطيع أن أتخيل بلدي في عزلة عن أوروبا، وما نسميه في كثير من الأحيان العالم المتحضر".

كما يشير السير جورج روبرتسون، السكرتير العام السابق لحلف الناتو إلى أن الرئيس بوتين أراد الانضمام إلى التحالف في وقت مبكر من حكمه.

وذكر روبرتسون باجتماع مبكر مع الرئيس الروسي حين قال له بوتين "متى ستدعونا للانضمام إلى حلف الناتو؟" ورد روبرتسون "حسنا، نحن لا ندعو الناس للانضمام إلى الناتو، بل يتقدمون بطلب للانضمام إلى التحالف". ورد بوتين وقال "حسنا، نحن لا نقف في الصف مع الكثير من البلدان التي لا تهم".

ويضيف روبرتسون أن بوتين أوضح في لقائهما الأول أنه يريد أن تكون روسيا جزءا من أوروبا الغربية، وأضاف "لقد أراد بوتين أن تكون روسيا جزءا من هذا الغرب الآمن والمستقر والمزدهر الذي كانت روسيا خارجه في ذلك الوقت".

تأسس حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1949 من 12 دولة بقيادة الولايات المتحدة، ثم انضمت إليه 4 دول في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وأصبح العدد 16 دولة عند انتهاء حقبة الحرب الباردة في بداية تسعينيات القرن الماضي.

واحترمت الولايات المتحدة التعهدات السابقة بعدم ضم أي دول من الأعضاء السابقين في حلف وارسو أو من الجمهوريات السوفياتية السابقة للحلف، إلا أن ذلك تغيّر مع مرور الوقت. وانضم عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة إلى الحلف، حتى بلغ عدد الدول الأعضاء فيه اليوم 30 دولة، ووصلت الحدود الرسمية للحلف إلى الحدود الروسية المتاخمة لإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وبولندا.

وتتنافى إجراءات توسيع الناتو مع التعهدات التي حصل الاتحاد السوفياتي عليها من واشنطن وبقية العواصم الغربية في مباحثات توحيد ألمانيا عام 1990. وخلال لقاء جمع وزير الخارجية الأميركي آنذاك جيمس بيكر بالزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف حول مستقبل الأمن الأوروبي، أطلق بيكر جملة شهيرة "لا بوصة واحدة شرقا"، في تأكيد صريح لعدم نية واشنطن توسيع حلف الناتو شرقا.

وترى واشنطن أن موسكو لم تعترض في السابق على توسع الناتو، وأن ذلك بدأ فقط عندما تم وضع دفاعات صاروخية في بولندا ورومانيا، وبعض الصواريخ الاعتراضية في جمهورية التشيك. في تلك المرحلة، بدأ بوتين يتحدث عن استخدام الناتو لهذه الأراضي المجاورة لتهديد مصلحة روسيا.

وفي كتابه "الوهم العظيم: الأحلام الليبرالية والحقائق الدولية" الصادر عام 2018 يقول البروفيسور الشهير جون ميرشايمر إن "القادة الروس بعد توحيد ألمانيا اعتقدوا أن نظراءهم الغربيين يتفهمون مخاوفهم من توسع حلف الناتو شرقا، وأن التحالف لن يتوسع نحو الحدود الروسية، لكن إدارة كلينتون اعتقدت عكس ذلك، وفي التسعينيات بدأت في دفع توسع التحالف في اتجاه الشرق".

ولكن بحلول عام 2008، تبنى حلف الناتو رسميا سياسة تكشف عن تبنيه سياسة "الباب المفتوح أمام جورجيا وأوكرانيا".

وتشير أحد وثائق ويكيليكس المسربة، إلى أن بيل بيرنز، السفير الأميركي السابق لدى موسكو، (يترأس حاليا وكالة الاستخبارات المركزية) كتب في الأول من فبراير/شباط عام 2008 برقية شديدة السرية وجهها إلى وزيرة الخارجية آنذاك كونداليزا رايس، أكد فيها أن بوتين سينظر إلى أي تحرك نحو عضوية أوكرانيا وجورجيا في حلف الناتو على أنه تحد خطير ومدروس، وسترد روسيا سريعا.

وحذر بيرنز قائلا "سيخلق ذلك تربة خصبة للتدخل الروسي في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا. وستكون احتمالات نشوب نزاع روسي جورجي لاحق كبيرة جدا". وينكر حلف الناتو الروايات الروسية حول الحديث عن انضمام روسيا للحلف، ويدعي أن الحلف كان لديه دائما وجهة نظر مفادها أنه تحالف من الديمقراطيات. ويقول حلف الناتو إنه لا يشكل أي تهديد لروسيا وإنه تحالف دفاعي، وستظهر الأيام والشهور القادمة إذا كان الحلف بالفعل دفاعيا، أم سيكون هجوميا، وربما يحدد ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.