ماذا يفعل الجيش المصري في ليبيا؟

يعرف الجيش المصري إمكانياته الحقيقية، ويدرك تماما خطورة التدخل بقواته في ليبيا على النظام السياسي في القاهرة. وبدأ المصريون بمئات الجنود فقط في اليمن، وانتهى الحال بأكثر من 25 ألف قتيل في جبال اليمن الوعرة، وكانت هذه الخسائر تمهيدا للخسارة المذلة في نكسة 67 وتوطئة لتغييب عبد الناصر.

ويعي المصريون أيضا محاولات جر الجيش المصري لحرب خارج البلاد، وهي محاولات أشبه بتوريط السعودية في اليمن والذي كلف المملكة الكثير من المشاكل الأمنية والاختلالات الاقتصادية ستظهر تداعياتها تباعا، دون إحراز أي انتصارات تذكر لها.

وقد فشل النظام المصري في إدارة ملف سد النهضة مع إثيوبيا، وهو ملف معقد يمس الأمن المائي والقومي بشكل مباشر جدا، وتديره مصر بطريقة سيئة، وسط تفوق إثيوبي مدعوم بدبلوماسية إسرائيلية ناعمة وغير ظاهرة، وبالتالي يتحول هذا الملف إلى عبء إضافي على مصر قد يشكل خطرا على النظام الحالي المتكئ في بقائه على القمع والإعلام الموجه، والمتدهور اقتصاديا، مع استحسانه سياسة الاقتراض المتكرر من البنك الدولي، وآخر ذلك اقتراض مبلغ بقيمة 5 مليارات دولار أوائل هذا الشهر.

ويعرف المصريون أن الحلفاء في محور الثورات المضادة قد يحبذون فكرة إضعاف الجيش المصري وإغراقه في حروب جانبية، وأن الإمارات تحديدا لن تتوانى أبدا عن توريط مصر في الخارج، وجرها إلى صدام مكلف جدا مع تركيا المتأهبة لدخول الـ10 الكبار اقتصاديا.

في المقابل، ومن زاوية نظر أخرى تعرف دولة الاحتلال أن القضية الفلسطينية حاضرة في الوجدان المصري حتى مع غيابها عند كبار قادة الجيش، وهم يعلمون أن الوجود المصري في شرق ليبيا سيتبعه تسخير موارد الإقليم الكبيرة لصالح مصر في المدى المتوسط، الأمر الذي ينعكس على تحسن الوضع الاقتصادي المصري بشكل كبير، وهذا قد يمكنهم أخيرا من كسر المعادلة القديمة المصممة لمصر، وهي "شعب يبحث عن لقمة العيش في ظل عسكري يحكم ويضبط الإيقاع مع توجهات إسرائيل العامة".

وإذا ما تزامن هذا التحسن في الوضع الاقتصادي والمالي لمصر مع وصول رئيس منتخب فإن هذا سيفتح الباب بشأن الكثير من الأولويات والسياسات المصرية الخارجية، وأولاها إعادة النظر في شروط التطبيع مع إسرائيل، أو وقف التماهي مع سياساتها على الأقل، وهذا ما يعد مهددا للأمن القومي الإسرائيلي بالطبع، لذا من هذا المنظور أرى أنه من المستبعد جدا السماح للمصريين بالاستفراد ببرقة المنهكة.

التدخل المصري قد يعني استبعاد الروس، وهذا صعب جدا على المصريين إلا إذا كان بمساعدة الأميركيين، وهنا ستواجه الدبلوماسية المصرية مشقة ترميم العلاقات مع روسيا

كما أن الحديث عن تجنيد أبناء القبائل ذات الأصول الليبية يظهر وكأنه مدخل غير مدروس للتدخل، وهو ملف حساس جدا لا أعتقد أن المصريين جادون فيه عبر تسليحهم، لأن ذلك يهدد النظام المصري نفسه بتمرد داخلي محتمل في ظل ما تعانيه مناطق هذه القبائل في مصر من معاناة وتهميش ورهن هكتاراتها الواسعة لاستثمارات رجال أعمال خليجيين ومصريين من مناطق وادي النيل.

يضاف إلى ذلك أن هذا الملف سيثير مخاوف قبائل السعادي في برقة، خصوصا العبيدات، وسيسهم في استدعاء الصراع القديم بين هذه القبائل (أولاد علي/ العبيدات، الجوازي/ العواقير)، ولا يمكن التنبؤ بردة فعلهم مع الوقت، حتى وإن كان المزاج العام يميل مع السلوكيات السياسية المصرية ويحتفي بها حاليا.

كما أن التدخل المصري قد يعني استبعاد الروس، وهذا صعب جدا على المصريين إلا إذا كان بمساعدة الأميركيين، وهنا ستواجه الدبلوماسية المصرية مشقة ترميم العلاقات مع روسيا، وهذا أمر مكلف جدا، أو أن التدخل المصري في برقة سيكون عاملا مساعدا للمزيد من التدخل الروسي، وسيوفر للروس القاعدة العسكرية التي يبحثون عنها، وهذ سيجعل نظام السيسي عرضة للغضب الأميركي، الشيء الذي تتجنبه مصر دائما وأبدا عبر تاريخها السياسي الحديث وفي أيام استقرارها، فما بالك بالنظام الحالي الضعيف الذي يعتاش على رضا أميركي على دوره في ما تسمى الحرب على الإرهاب.

وأيضا لا يمكن إغفال منطقة سيناء الملتهبة والتي ستزدهر فيها العمليات الجهادية المدعومة من جزء واسع من الأهالي نتيجة الظلم الواقع عليهم واستعمال القوة المفرطة لقمعهم، لإحراج الجيش المصري وإظهار عجزه عن حسم هذا الملف الذي تعهد السيسي بتسويته في 2015.

وعموما، تبدو فكرة التدخل المباشر "الواسع" صعبة التنفيذ، لكنها غير مستبعدة تماما وبشكل محدود في مناطق مثل الجغبوب وما بعدها وغيرها وفي ظل سياسة الهروب إلى الأمام التي يمارسها السيسي للتورية على كل الإخفاقات والخيبات التي يواجهها نظامه منذ وصوله للحكم.

وأعتقد -حسب فهمي المتواضع- أن الحاكم العسكري المصري -بعد إسقاط الملكية- يعتقد أن الجيش هو العنوان العريض للوصول إلى الحكم، لكنه عنوان لسرداب الخروج منه أيضا، ووفقا لهذا الاعتقاد تتشكل الأطر الرئيسية المحددة للسياسة المصرية في الخارج وتضبط على أساسه هوامش المغامرات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.