عُمان درع ضد الاتجار بالبشر

ميدان -  كان يتكلم بلسانهم حين لا يستطيعون التعبير، ويصرخ في فضاء واسع لاعنا هؤلاء السادة الظلمة فيردد العبيد معه هذا اللعن؛ فرحا بأنهم في نهاية فاقتهم ومآسيهم وحرمانهم

حفظ النظام الأساسي لسلطنة عُمان الصادر بالمرسوم السلطاني (١٠١/٩٦) الحرياتِ وكفلَ الحقوق والواجبات لجميع من يعيش على أراضيها، وحرم الاتجار بالبشر من خلال مجموعة من المواد التي اشتمل عليها النظام الأساسي للدولة والذي يعد بمثابة الدستور للسلطنة. فمنذ صدور المرسوم السلطاني عام ٢٠٠٨ رقم (١٢٦/ ٢٠٠٨) الذي عرّف جريمة الاتجار بالبشر بالسلطنة ورسم الخطوط العريضة لمكافحة الاتجار بالبشر، متضمناً قانون مكافحة الاتجار بالبشر. أضيف إليه مؤخراً المرسوم السلطاني (٤٦/٢٠٢٠) المنصوص على انضمام السلطنة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المعني بمنح الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأفراد غير المتمتعين بالحكم الذاتي، بمن فيهم العمال، الذي يعتبر عريضة أساسية لاستمرار السلطنة في العمل الدؤوب دولياً ومحلياً بما يضمن حفظ حقوق العمال من التعرض للانتهاك.

 

ولمواصلة تنظم المواد التشريعية التي تكسب العاملين كافة حقوقهم في السلطنة، وتجنب تعرضهم لأية صورة من صور جرائم الاتجار بالبشر، أصدرت شرطة عمان السلطانية في تاريخ ٣١ مايو/أيار ٢٠٢٠ التعديلات على بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون الأجانب والتي نصت على جواز نقل إقامة الأجنبي من صاحب عمل إلى آخر لديه ترخيص باستقدام عمال، شريطة تقديم ما يثبت انتهاء عقد العمل أو فسخه أو إنهاءه، الأمر الذي يعد نقلة مهمة في حقوق العمال بالسلطنة، ويلغى حاجة العامل لشهادة عدم الممانعة المفروضة سابقاً لنقل عمله من صاحب عمل إلى آخر.

بدا واضحا للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر أن السلطنة تمضي في المسار الصحيح، وأن البيئة التشريعية والقانونية باتت أكثر صلابة، من خلال الجهود المتزايدة في التحقيق وملاحقة وإدانة العديد من مجرمي الاتجار بالبش

بعد تحديد الإطار التشريعي، مضت السلطنة قُدماً في وضع الأسس الهيكلية في العمل المشترك لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر الذي يحقق سرعة الإنجاز والتخصص في العمل، حيث أصدر مجلس الوزراء في ٢٥ فبراير/شباط ٢٠١٢ قرار إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر برئاسة معالي السيد/ بدر بن حمود البوسعيدي، أمين عام وزارة الخارجية وعضوية مسؤولين من كافة الجهات الحكومية المعنية بمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، والتي كلفت بمهام وضع السياسات العامة لمكافحة الاتجار بالبشر. كما خصّصت دوائر حكومية متخصصة في كل من وزارة الخارجية، شرطة عمان السلطانية، الادعاء العام، وأنشئ قسم جنائي داخل النظام القضائي، وتم تعيين قضاة ومدعين عامين متخصصين في النظر بقضايا الاتجار بالبشر في محاكم السلطنة.

لقد بدا واضحا للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر أن السلطنة تمضي في المسار الصحيح، وأن البيئة التشريعية والقانونية باتت أكثر صلابة، من خلال الجهود المتزايدة في التحقيق وملاحقة وإدانة العديد من مجرمي الاتجار بالبشر المشتبه بهم وتسجيل عدد جيد من القضايا. كذلك، اتبعت الحكومة عددا من الإجراءات والآليات الفعالة للوصول لضحايا الاتجار بالبشر، منها إجراء مقابلات مع جميع العاملين الذين هربوا من رب العمل لتحديد ما إذا كانوا قد تعرضوا لانتهاكات العمل، وعمليات التفتيش لوزارة القوى العاملة على الشركات الخاصة وأماكن العمل. إضافةً إلى إجراء مسؤولي الهجرة مقابلات مع جميع العمال المهاجرين الذين يغادرون السلطنة لتحديد ما إذا كانت هناك شكاوى عمالية عالقة، ووجود الخط الساخن الذي يعمل على مدار ٢٤ ساعة يساعد الجهات المختصة في التعرف والوصول لضحايا الاتجار بالبشر.

ونظراً للدور البالغ لتوعية المجتمع والعمال في مواجهة هذه الجريمة اهتمت السلطنة بتعزيز وعي المجتمع حول جريمة الاتجار بالبشر، منطلقة من إنشاء الموقع الالكتروني الخاص باللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر عام ٢٠١٠ الذي يقدم معلومات شاملة حول التشريعات ذات الصلة، وأدوات تحديد ضحايا الاتجار، وطريقة الإبلاغ عن حالات الاتجار إلى السلطات المختصة. كما تستمر الحكومة في إعداد وتوزيع كتيبات للعمال المهاجرين في سفارات بلد المصدر والمطارات ووكالات التوظيف وفي أماكن عملهم حول حقوقهم، بما في ذلك معلومات عن الاتصال للإبلاغ في حالة تعرضهم لأية انتهاكات تدخل ضمن جرائم الاتجار بالبشر أو غيرها من الانتهاكات لحقوقهم. أيضاً، إصدار مقالات أسبوعية حول قضايا الاتجار بالبشر في الصحف المحلية ونشر إعلانات توعوية في الصحف المحلية الناطقة بمختلف اللغات.

حظي جانب الإيواء والرعاية بالعناية القصوى من الحكومة، حيث خصص مبلغ يزيد على نصف مليون دولار أميركي، لتشغيل مأوى دائم خاص لضحايا الاتجار بالبشر يشمل كافة الخدمات والاحتياجات الخاصة بالضحايا، ويتسع لحوالي ٥٠ ضحية من النساء والأطفال. ويقدم المأوى عددا من الخدمات، منها السكن والإرشاد النفسي، والدعم القانوني وأنشطة إعادة التأهيل والرعاية الطبية، مدعماً بالكوادر المؤهلة في التعامل مع ضحايا الاتجار بالبشر. وسعياً من السلطنة في تحقيق مستوى عالٍ من الحماية والرعاية للضحايا، بدأت في إجراءات العمل على إنشاء مبنى بسعة أكبر يشمل الرجال والنساء والأطفال من ضحايا الاتجار بالبشر مع إشراك المجتمع المدني المتمثل في الجمعيات الأهلية لتقديم الدعم للضحايا. وحرصاً على توفير الحماية القانونية للضحايا وحفظ حقوقهم، وقعت مذكرة تفاهم عام ٢٠١٨ بين اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر وجمعية المحامين العُمانية لتقديم الخدمات القانونية للضحايا والترافع عنهم في المحاكم.

رغم حداثة التجربة العُمانية في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر فإن السلطنة تسعى جاهدة في مكافحة كافة (أنواع) الامتهان التي يتعرض لها العمال على أراضيها، والتي يمكن أن تصنف ضمن جرائم الاتجار بالبشر. فالإجراءات المتبعة منذ عام ٢٠٠٨ أسهمت بشكلٍ كبير في محافظة السلطنة طوال السنوات المنصرمة على المستوى الثاني ((Tier2) في تقييم مكتب الولايات المتحدة المعني بمكافحة الاتجار بالبشر، وهو التصنيف الذي تندرج تحته البلدان التي لا تفي حكوماتها تمامًا بالحد الأدنى لمعايير TVPA ولكنها تبذل جهودًا كبيرة في تحقيق تلك المعايير. لذلك، فسلطنة عمان من خلال منظومتها التشريعية والقانونية ولوائحها التنفيذية تحفظ حريات وحقوق الأفراد على أراضيها من التعرض للانتهاك، وبجهودها المتكاتفة مع كافة الجهات الحكومية المعنية والحملات التوعية قادرة على التصدي لجريمة الاتجار بالبشر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.