"مدرسة المشاغبين".. المظلومة!

الفنان الراحل حسن مصطفى في مشهد من مسرحية "مدرسة المشاغبين"
في أوائل السبعينيات؛ قدمت فرقة الفنانين المتحدين لصاحبها سمير خفاجي مسرحية "مدرسة المشاغبين" المأخوذة عن الفيلم الأميركي "To Sir, with Love" للنجم سيدني بواتييه. قدم الفيلم محاولة مهمة لفهم طبيعة طلاب المدارس في مرحلة المراهقة، وصوّر تمردهم على الأساتذة في تحليل سيكولوجي. كان الفيلم هادئا في عرضه، متزنا في طرحه. 
 
بعد ذلك بسنوات؛ جرى اقتباس الفيلم عربيا، فحوله الكاتب علي سالم إلى مسرحية "مدرسة المشاغبين"، التي أخرجها جلال الشرقاوي واضطلع ببطولتها: سعيد صالح، وعادل إمام، وسهير البابلي، وأحمد زكي، وحسن مصطفى الذي لعب دور الناظر بعدما اعتذر عبد المنعم مدبولي عن استكمال دوره.
 
لكن المسرحية حجّمت الدورين الأساسيين، وهما: دور الناظر وطاقم التدريس؛ لتركز -بدلا من ذلك- على أدوار الطلبة المشاغبين فأعطتهم المساحة الأكبر التي شكلت قوام المسرحية، فلعب هؤلاء الأدوار الرئيسية فيما توارت بقية الأدوار في الخلفية.
 
قامت الدنيا ولم تقعد، وأقيم حفل للندب والعويل تحت شعار أن المسرحية تدعو لإفساد الذوق العام، بل ارتفعت الأصوات بمحاكمة كل من عمل في المسرحية. لكن هل كانت "مدرسة المشاغبين" مسرحية فاسدة ومُفسدة؟ هل كانت قبيحة غليظة المتن والمحتوى، أم إن العكس هو الصحيح؟ 
 
لنتأمل: ممثلو هذا العمل كانوا وقتذاك وجوها جديدة. وبالنسبة لمسرح المحترفين؛ فإن مثل هذا يعدّ نوعاً من المغامرة التي تصل إلى حد المجازفة من المنتج سمير خفاجي، ولكن رهان المسرحية كان على الدفع بدماء ومواهب جديدة قد تُحدث طفرة في شكل الكوميديا وأسلوبها.

الحق كل الحق هو أن مدرسة المشاغبين نجحت نجاحا ساحقا؛ لأنها خاطبت "لا وعي" الجمهور بعد نكسة 1967، فقد كان الناس يريدون أن يضحكوا على أي شيء وكل شيء، كما قدمت صراع الأجيال بطريقة عميقة
 
 
وهذا ما حدث فعلاً؛ فقد نجح المشاغبون في لفت النظر منذ البداية، بطريقتهم المختلفة في اللباس التي حاكت موضة السبعينيات، مروراً بموضة الشعر، وانتهاء بطريقة الأداء والسيطرة على إيقاع العرض. 
 
والحق كل الحق هو أن مدرسة المشاغبين نجحت نجاحا ساحقا؛ لأنها خاطبت "لا وعي" الجمهور بعد نكسة 1967، فقد كان الناس يريدون أن يضحكوا على أي شيء وكل شيء، كما قدمت صراع الأجيال بطريقة عميقة.
 
فالكبير -وهو يمثل السلطة- يريد السيطرة على الصغير تحت أي مسمى، وفي مشهد "الحلم" في المسرحية كشف لنا الكاتب علي سالم أن الطلبة جميعا يتشاركون في رفض تسلط الكبار، ويتعمق هذا المفهوم الرمزي ليكتسب دلالات مختلفة منها السياسي والاجتماعي؛ عبر اختصار السلطة بأشكالها في هؤلاء الكبار.
 
ومن هنا جاء التمرد والشغب، وجاء أيضا الضحك؛ فقد كشف المشاغبون خواء الكبار الممسكين بالسلطة وانغلاقهم، بل وعجزهم وفشلهم، فكان التهكم والسخرية كفراً بهذه السلطة التي قدمت نموذجاً أبويا فاشلاً للشعب، وأضحك المشاغبون الناس على وجعهم المكبوت في "لا وعيهم" الجمعي.
وإذا كانت المسرحية قد انتهت بنوع من التصالح بين المشاغبين المتمردين والسلطة، ففي رأيي أن هذه النهاية صُنعت خصيصا لإرضاء السلطة وقتذاك. 
 
مما لا شك فيه أن مسرحية "مدرسة المشاغبين" كانت أحد أصداء حركات الشباب الغاضبة المتمردة التي ماج بها العالم في ذلك الوقت، وتحديدا حركة الشباب عام 1968 في فرنسا وألمانيا؛ كما عبّرت أيضا عن حركة الشباب التي ظهرت في مصر في ذات الفترة رافضة التقاليد الزائفة، والادعاء والنفاق السياسي المتبجح.
 
وكما ظهر ذلك على المسرح؛ فقد تكرر نفس النموذج المتمرد في عالم الغناء متمثلاً في المطرب الشعبي أحمد عدوية، الذي جاء بصوته الجديد ليكسر نمط الأغنية التقليدية من حيث الشكل والكلمات، بألحان جريئة استولت على ألباب الناس. 
 
واليوم؛ تتكرر الحالة نفسها في ظاهرة "فناني المهرجانات" التي أتت بجديد، وحتى ولو بدا غريباً وغير تقليدي فإنه يترك مساحة للناس لتنفس عن كل ما هو مسكوت عنه، وتطلق العنان للتعبير عن الغضب المكبوت، وذلك عبر الإعجاب بأغنية أو الضحك إلى حد الصراخ الذي يقترب من الحركات اللاإرادية للدجاجة عند ذبحها. إنه الضحك من شدة الألم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.