من السيسي إلى البرهان.. تتشابه البدايات لكن ماذا عن النهايات؟

صورة كومبو بالزي العسكري لعبد الفتاح السيسي وعبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري بالسودان

في لحظة كاد التاريخ فيها أن يتوقف؛ يقدّم اللواء عبد الفتاح السيسي قائد المخابرات العسكرية وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة التحية العسكرية للرئيس المنتخب محمد مرسي، بعدها مباشرة يضع مرسي نجمتين إضافيتين على كتف الضابط -الذي أدمن التودد للسلطة المدنية الجديدة- ويعينه وزيرا للدفاع.

لكن لم يمض إلا نحو عام حتى كان ذات الضابط الطموح يعتقل الرئيس المنتخب بحجة الاستجابة لمطالب الشارع المصري، وتمرّ شهور قليلة فيخلع السيسي البزة العسكرية ويقدم نفسه مرشحا رئاسيا في انتخابات 2014، وتعود مصر إلى النسبة العربية المتعارف عليها لدخول القصور الرئاسية بإجماع مزيف تجاوز 97%.

التاريخ يعيد نفسه أو يكاد؛ فقبل سنوات كان وزير الدفاع السوداني الفريق عبد الرحيم محمد حسين يضع اسم اللواء عبد الفتاح البرهان في قائمة الضباط الذين يجب أن يوافق رئيس الجمهورية عمر البشير على إحالتهم للتقاعد، إلا أن البشير شطب بالقلم الأحمر على اسم البرهان من كشف الإحالة بحجة أنه ضابط شاطر.

محطات التشابه بين عبديْ الفتاح كثيرة وعديدة: فكلاهما ضابط محترف ذو سجل جيد في مجال العسكرية، ويشكل الخليج العربي محطة مهمة في حياة الرجلين؛ حيث عمل السيسي ملحقا عسكريا في الرياض السعودية. بينما تنقل البرهان بين عواصم "التحالف العربي" في حرب اليمن

لكن ذات الضابط الشاطر كان يضع القيد على ساعد الفرعون في 11 أبريل/نيسان الجاري، ثم بعد ثلاث أيام جلس على ذات مقعد الرئيس في القصر الأبيض الرئاسي على ضفاف نهر النيل.

محطات التشابه بين عبديْ الفتاح كثيرة وعديدة: فكلاهما ضابط محترف ذو سجل جيد في مجال العسكرية، ويشكل الخليج العربي محطة مهمة في حياة الرجلين؛ حيث عمل السيسي ملحقا عسكريا في الرياض السعودية.

بينما تنقل البرهان بين عواصم "التحالف العربي" باعتباره قائدا للقوات البحرية السودانية، التي يشارك رجالها في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل في جبال اليمن؛ ثم إن البرهان عمل كذلك في سفارة السودان بالصين الشعبية.

في عمر التاسعة والخمسين؛ صادف الرجلان ثورة شعبية تطلب الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد، ورغم أنهما من ركائز النظام القديم -الذي ثار الناس عليه في بلديهما- فإنهما تسلقا على ظهر الثوار عبر إبداء التعاطف لشعارات الثورة.

لقد صبر السيسي نحو عام ليصبح في موقع الحاكم العام بمصر، لكن برهان السودان جلس في مقاعد الانتظار فقط يوما وبعض يوم، ليصبح رئيسا انتقاليا يرتدي البزة العسكرية.

عبد الفتاح المصري أدلى اليوم بصوته في مسرحية التعديلات الدستورية التي تجعله حاكما على مصر حتى عام 2030، بينما عبد الفتاح السوداني يرفض تسليم الحكم لحكومة مدنية، رغم دعوات العالم ومنظومات المجتمع الدولي. يطلب البرهان فترة في حدها الأقصى عامين، لكن كل الدلائل تشير إلى أن الرجل ينوي الإقامة الدائمة في القصر الرئاسي.

وفّر الدعم الخليجي الكبير مناخا لعبد الفتاح السيسي ليستمر في ملك مصر والأنهار التي تجري. والآن تتم إعادة ذات السيناريو في السودان مع عبد الفتاح البرهان؛ إذ تُفتح الخزائن العربية ويسيل النفط الخليجي بعد أن حُرمت منه الخرطوم قبل أشهر قليلة، في مسلسل إسقاط الجنرال السوداني العجوز الذي تباطأ في إنفاذ شروط بن زايد وبن سلمان

بلا تفويض؛ بدأ الجنرال السوداني ينسج تحالفات إقليمية جديدة، ففي عشرة أيام كان عبد الفتاح السوداني يحتكر السلطة التنفيذية فيقيل هذا ويعين ذاك، وبعض خياراته لم يعمَّر في الوظيفة إلا ثماني ساعات ثم يُطرد بمرسوم رئاسي آخر. ويمضي الجنرال البرهان إلى السلطة القضائية فيعين نائبا عاما جديدا ورئيس قضاء غير الذي أدى أمامه القسم قبل أيام.

وفّر الدعم الخليجي الكبير مناخا لعبد الفتاح السيسي ليستمر في ملك مصر والأنهار التي تجري. والآن تتم إعادة ذات السيناريو في السودان مع عبد الفتاح البرهان؛ إذ تُفتح الخزائن العربية ويسيل النفط الخليجي بعد أن حُرمت منه الخرطوم قبل أشهر قليلة، في مسلسل إسقاط الجنرال السوداني العجوز الذي تباطأ في إنفاذ شروط محمد بن زايد ومحمد بن سلمان.

ومن عجائب القدر أن الاتحاد الأفريقي -الذي أرسل قبل أيام مندوبا لفحص أهلية الحكم العسكري الجديد لدخول منظومة الحكومات المدنية- يرأسه المشير عبد الفتاح السيسي.

من حسن حظ السودانيين أن الكلمة الأخيرة ما زالت عند الشعب السوداني المستعصم بالشوارع، مستندا إلى إرث تاريخي في مغالبة الدكتاتوريات العسكرية. ولهذا فإن تشابه البدايات لا يعني أيضا تشابه النهايات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.