من يكون كاتم أسرار بوتين الجديد؟

Russian President Vladimir Putin arrives to take part in a rally to support his bid in the upcoming presidential election, at Luzhniki Stadium in Moscow, Russia March 3, 2018. Sputnik/Mikhail Klimentyev/Kremlin via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY.

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي؛ اتبعت السلطة السياسية داخل الكرملين منطق الكراسي الموسيقية. إذ يظهر المسؤول ثم يختفي ليعود مرة أخرى في وقت لاحق، وكل ذلك حسب رغبات الرجل المسؤول الأول. وبالنسبة لغالبية الزم المنقضي هذا القرن فإن هذا الرجل كان هو فلاديمير بوتين.

إن آخر مثال على ذلك هو ترشيح بوتين لوزير المالية السابق أليكسي كودرين ليشغل منصب رئيس غرفة الحسابات في الاتحاد الروسي. إن اختيار كودرين لهذا الدور يذكرنا ببحث الرئيس السابق بوريس يلتسين عن خلف يحافظ على إرثه ويحمي عائلته وثروته.

جمع يلتسين ما يقارب 15 مليون دولار أثناء توليه منصبه، وقد وضع ثقته في بوتين -وهو مسؤول سابق في الاستخبارات الروسية- لحماية أطفاله وأمواله، ولإبعاده عن السجن.

وبالطبع؛ تبدو أموال يلتسين الآن طفيفة مقارنة بثروة بوتين الشخصية التي يُزعم أنها تبلغ 70 مليار دولار، في حين أن راتبه السنوي لا يتجاوز 8.9 ملايين روبل روسي (137 ألف دولار).

بعد 18 سنة من العمل كرئيس ورئيس للوزراء؛ أصبح بوتين الآن بحاجة ماسة إلى حماية ثروته وإرثه. وإلى جانب الثروات الشخصية؛ يأمل بوتين الحفاظ على نظام الحكم الأبوي، وعلى هيكل السلطة التي بناها على مدى العقدين الماضيين

بعد 18 سنة من العمل كرئيس ورئيس للوزراء؛ أصبح بوتين الآن بحاجة ماسة إلى حماية ثروته وإرثه. وإلى جانب الثروات الشخصية؛ يأمل بوتين الحفاظ على نظام الحكم الأبوي، وعلى هيكل السلطة التي بناها على مدى العقدين الماضيين.

في عام 2008، تحايل بوتين على الدستور -الذي ينص على فترتين رئاسيتين كحد أقصى- بإبقائه ديمتري مدفيدف (نائب رئيس الوزراء المطيع) في منصب الرئيس، حتى يتمكن من العودة إلى الرئاسة في عام 2012.

وكان من الممكن أن يكون سيرغي إيفانوف -وهو جنرال سابق في الاستخبارات الروسية- نائبا أكثر كفاءة؛ لكن إيفانوف أكبر من بوتين الذي لم يحقق سوى رتبة كولونيل.

وقد تم إعفاء إيفانوف -الذي يشكل تهديدًا محتملاً واضحًا لسلطة بوتين- من منصبه، وتولى منذ ذلك الحين الإشراف على البيئة والنقل، وأصبح "عالِم نبات" روسيا.

في وقت سابق من هذا الشهر؛ أعيد تنصيب بوتين -أو بالأحرى تتويجه- رئيسا لروسيا بطريقة مختلفة، مع تولي مدفيدف مرة أخرى دور رئيس الحكومة المطيع. ورغم سنواته في منصبه؛ لا يزال مدفيدف معروفًا بروابط عنقه الفاخرة وساعاته الباهظة مقارنة بأعماله التنفيذية.

ومع ذلك؛ من الواضح أن الفساد الذي يمارسه مدفيدف يثير غضب كثير من الروس. وبعد أن جعله زعيم المعارضة أليكسي نافالني موضوعًا لأشرطة فيديو حديثة على اليوتيوب؛ خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد.

وبعد أن أثبت مدفيدف أنه غير مؤهل لتلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لروسيا، أصبح عمله الوحيد الآن هو الحفاظ على إرث بوتين.

كان ألكسي كودرين -الذي يحل محل رئيسة غرفة الحسابات السابقة تاتيانا غوليكوفا (التي كانت مطيعة ولكنها تفتقر إلى المكانة)- نقيض مدفيدف. ففي عام 2011؛ استقال كودرين من منصب وزير المالية بعد أن صرح علانية بأن مدفيدف كان أحمق وغير كفء.

يعد ترشيح كودرين ليكون محاسبا رئيسيا لروسيا أمرا مهما، لأنه سيزوده -وبالتالي يزود بوتين- بالمزيد من المعلومات عن الفساد. ونتيجة لذلك؛ سيكون بوتين قادراً على التلاعب بأي شخص قد تكون لديه خطط مستقبلية لنيل منصب الرئاسة، وربما بهدف إعادة تنصيب مدفيدف نائبا بعد عام 2024.

وفي الواقع؛ تكمن مهمة غرفة الحسابات في رصد كل شيء تقريبا، وقد ذكر كودرين بالفعل أنه سيقدم تقريرا عن أداء الوزراء والوزارات، والقوات المسلحة على وجه الخصوص، التي راهن عليها بوتين في سعيه للحصول على وضع القوة العظمى.

فقد كرس بوتين ثلث خطابه عن حالة الأمة -في مارس/آذار الماضي- للقوات المسلحة، حيث عرض مجموعة متنوعة من الأسلحة وأنظمة الصواريخ والقذائف، التي تعمل بالطاقة النووية ذات المدى "غير المحدود".

لطالما كان بوتين من أشد المعجبين بـ"السيليوفيكي" (القوات الأمنية السابقة في الجيش السوفياتي وضباط الاستخبارات) الذين يشكلون الجزء الأكبر من حكومته، ويعملون لحاسب سلطة الكرملين غير المقيدة على الحياة السياسية الروسية.

كرس بوتين ثلث خطابه عن حالة الأمة -في مارس/آذار الماضي- للقوات المسلحة، حيث عرض مجموعة متنوعة من الأسلحة وأنظمة الصواريخ والقذائف، التي تعمل بالطاقة النووية ذات المدى "غير المحدود". كما قام بإعادة استعراضات الانتصار في الحرب العالمية الثانية التي توقفت في عهد يلتسين، فأصبحت الأحداث الآن أكثر إثارة مع مرور كل عام

وعبر دفاعه عن المجمع الصناعي العسكري الروسي؛ يستطيع بوتين إبقاء "السيلوفيكي" في صفه. وتحقيقا لهذه الغاية؛ قام بإعادة استعراضات الانتصار في الحرب العالمية الثانية التي توقفت في عهد يلتسين، فأصبحت الأحداث الآن أكثر إثارة مع مرور كل عام.

لكن التقارير الأخيرة تشير إلى أن استعداد روسيا العسكري مجرد خيال وليس حقيقة. ويبدو أن الصواريخ "التي لا تقهر" والتي وصفها بوتين قد تحطمت أثناء الاختبارات، وبالتالي لم تعد بمثابة دعائم عسكرية.

ونتيجة لهذه الإخفاقات؛ يمكننا القول إن شخصًا ما في وزارة الدفاع يقوم بعمليات غير قانونية. ولا يوجد مبرر مقبول آخر للفشل في تسليم الأسلحة التي أمر بها بوتين.

وبالإضافة لذلك؛ وجدت دراسة جديدة أن وزارات الدفاع والاستخبارات الروسية هي من بين أكثر مؤسسات الدولة فسادًا؛ ففي عام 2017، كانوا متورطين في 1300 من إجمالي 12000 قضية فساد، أي بمعدل واحدة من كل تسع قضايا. وعلى هذه الخلفية؛ تم تنصيب كودرين للتأكد من أن الجهاز الأمني "الموثوق به" يمكن الوثوق به فعلا.

وعلاوة على ذلك؛ ربما يكون وزير الدفاع الحالي سيرجي شويغو الآن في مرمى الكرملين. وقد اكتسب شويغو شعبية قومية قبل عقد من الزمان أثناء إدارة وزارة حالات الطوارئ، ومنذ ذلك الحين ظهر بشكل بارز بوصفه منقذا في زي عسكري، وبدا نشيطا في مقدمة مسيرات النصر.

وعلى عكس "مدفيدف" المثير للسخرية؛ يبدو شويغو رجلا مسؤولا. لكن ذلك يطرح مشكلة بالنسبة لادعاء بوتين أنه حامي الأمة الروسية. لا يمكن أن يكون هناك سوى قائد شجاع واحد ينقذ الناس من النمور السيبيرية، وينزلق مع الرافعات البيض السيبيرية المعرضة للخطر.

وكما هو الحال مع إيفانوف؛ فإن بوتين يخشى من أن ينافسه "سيلوفيك" آخر على منصبه يوما ما. رغم أن سلف شويغو المنغولي السيبيري قد حرمه بشكل فعال من أن تنتخبه الأغلبية الساحقة من الروس، إلا أن بوتين لم يستغل هذه الفرصة.

كان ترشيح كودرين مصحوبا بإعلان مفاده أن وزير الحالات الطارئة الجديد يفيغيني زينيشيف سيقدم تقاريره مباشرة إلى بوتين، وهو ما يزيد من تقليص قاعدة الطاقة المحتملة لشويغو.

وفي حال تولي منافس من المؤسسة الأمنية الرئاسة؛ فإنه يمكنه بناء إرثه الخاص بدلاً من أن يكرم إرث بوتين، ويعود الأمر إلى مدفيدف وكودرين -وهما مدنيان نادران في الدائرة الداخلية لبوتين- للتأكد من عدم حدوث ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.