السؤال الجديد بشأن "الصينين"

Vehicles are seen on a street lined up by high buildings in the financial district of Hong Kong on July 27, 2015. Hong Kong stocks closed 3.09 percent lower following a sharp drop in share prices in mainland China on growing concerns about a slowdown in the world's second-largest economy. AFP PHOTO / Philippe Lopez

إن كل من يتجاوز الستين عاما ويتابع الشؤون العالمية، سوف يذكره مصطلح "الصينين" بالمنافسة التي دارت عام 1949 على الاعتراف الدبلوماسي بين الصين على البر الرئيسي (الحمراء) وتايوان، أو بشكل رسمي: جمهورية الصين الشعبية وجمهورية الصين.

بحلول أوائل سبعينيات القرن العشرين، كانت كل بلدان العالم تقريبا قد استجابت لطلب الجمهورية الشعبية بالاعتراف بها وحدها الحكومة الشرعية ذات السيادة على الصين. إذ كان البر الرئيسي ببساطة أكبر وأكثر أهمية على المستويين الاقتصادي والإستراتيجي من أن يقصيه العالم أو يبعده.

واليوم ظهر سؤال جديد -ولكنه مختلف تماما- حول "الصينين". وهو يدور حول ما إذا كانت أفضل وسيلة لفهم الصين هي اعتبارها دولة قوية ذات مستقبل واعد برغم بعض الصعوبات في الأمد القريب، أو دولة تواجه مشاكل بنيوية خطيرة وآفاقها غير مؤكدة في الأمد البعيد. باختصار، بات بوسعنا الآن أن نلمح صينين مختلفتين تمام الاختلاف، ولكن لأيهما ستكون الغَلَبة في نهاية المطاف؟

الأمر المتزايد الوضوح هو أن قادة الصين يريدون النمو الاقتصادي الذي تنتجه الرأسمالية، ولكن من دون دورات الهبوط التي تصاحبه. وهم يريدون الإبداع الذي يولده المجتمع المفتوح، ولكن من دون الحريات الفكرية التي تحميه

حتى وقت قريب، لم يكن هناك سبب وجيه لطرح مثل هذا السؤال. فكان اقتصاد الصين ينمو بمعدل سنوي مذهل بلغ 10% في المتوسط أو أعلى لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن. وقد تجاوزت الصين اليابان باعتبارها الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، كما التحق مئات الملايين من الصينيين بالطبقة المتوسطة.

وبدا النموذج الصيني القائم على الكفاءة السلطوية جذابا في نظر العديد من البلدان النامية، وخاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، التي اندلعت في الولايات المتحدة وبالتالي أفقدت الرأسمالية الليبرالية على الطريقة الأميركية نفوذها وسمعتها.

ولكن لم يعد من الممكن تجاهل التساؤل حول مستقبل الصين. فعلى المستوى الرسمي، تباطأ النمو الاقتصادي إلى ما يقرب من 7%، وكثيرون يعتقدون أن الرقم الحقيقي أقل من 5%. ولكن لا ينبغي لهذا التباطؤ أن يدهشنا؛ ذلك لأن كل الاقتصادات النامية تشهد ظروفا مماثلة مع نموها وبلوغها مرحلة النضج. بيد أن سرعة التغير ودرجته أخذت السلطات على حين غرة، وتسببت في تأجيج المخاوف الرسمية من هبوط النمو إلى ما دون المعدل اللازم لإتمام عملية تحديث البلاد وفقا لما هو مخطط لها.

وقد انعكس انزعاج الحكومة إزاء التباطؤ الاقتصادي الأكثر حِدة في تدخلها الأخرق في يوليو/تموز لتجميد سوق الأسهم في خضم عملية تصحيح درامية للأسعار. ثم أعقب هذا التحرك هذا الشهر خفض قيمة اليوان (الرنمينبي) بشكل مفاجئ، وهو ما يشير إلى أن التحول بعيدا عن النمو القائم على التصدير لا يعمل على النحو المأمول.

ومن ناحية أخرى، تبدو حملة الرئيس شي جين بينغ ضد الفساد على نحو متزايد أشبه بإستراتيجية لتوطيد السلطة، وليست محاولة لإصلاح دولة الصين لمصلحة اقتصادها ومجتمعها. صحيح أن الفساد منتشر وأن حملة شي تحظى بشعبية كبيرة حتى الآن، ولكن موجة المحاكمات التي أطلق لها شي العنان تعمل على تثبيط رغبة المسؤولين الصينيين في اتخاذ القرارات، نظرا لخوفهم من مواجهة اتهامات جنائية في المستقبل.

ونتيجة لهذه التطورات، كثيرا ما يسمع المرء مؤخرا عن النموذج الصيني وأكثر عن واقع الصين. فبعيدا عن النمو المتباطئ، يشمل هذا الواقع أضرارا بيئية شديدة ناجمة عن عقود من التصنيع السريع الذي تغذى على الفحم. ووفقا لأحد التقديرات، يقتل التلوث 1.6 مليون صيني سنويا.

وتفرض الشيخوخة السكانية في الصين -وهي نتيجة غير مقصودة لسياسة الطفل الواحد الصارمة- تهديدا آخر للازدهار في الأمد البعيد. فالآن من المنتظر أن يرتفع معدل الإعالة -نسبة الأطفال والمتقاعدين إلى الرجال والنساء في سن العمل- بسرعة كبيرة في السنوات المقبلة، وهذا يعني أن النمو الاقتصادي سوف يظل ضعيفا، في حين تعمل تكاليف الرعاية الصحية ومعاشات التقاعد على إجهاد ميزانيات الحكومة بشكل متزايد.

الأمر المتزايد الوضوح هو أن قادة الصين يريدون النمو الاقتصادي الذي تنتجه الرأسمالية، ولكن من دون دورات الهبوط التي تصاحبه. وهم يريدون الإبداع الذي يولده المجتمع المفتوح، ولكن من دون الحريات الفكرية التي تحميه.

إن الاختيارات التي تواجهها الصين صعبة بقدر ما هي حتمية، ولا يمكننا استبعاد احتمال اندلاع اضطرابات اجتماعية. ولكن الأمر الوحيد المؤكد هو أن العقود الثلاثة المقبلة لن تكون كمثل العقود الثلاثة الماضية

الواقع أن بعض المراقبين الذين يخشون الصين الصاعدة، يشعرون بارتياح إزاء الصعوبات الحالية التي تواجهها؛ ولكنها ردة فعل قصيرة النظر.

فـالصين المتباطئة النمو كفيلة بتقويض التعافي الاقتصادي العالمي. فهي -كشريكة- ستكون أقل رغبة في التصدي للتحديات العالمية مثل تغير المناخ. والأمر الأكثر خطورة على الإطلاق هو أن الصين المتعثرة ربما تستسلم لإغراء اللجوء إلى خوض المغامرات غير المسؤولة في الخارج لاسترضاء جماهير الناس المحبطة إزاء النمو الاقتصادي المتباطئ وغياب الحريات السياسية. والواقع أن هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن السلطات بدأت تفعل هذا على وجه التحديد في بحر الصين الجنوبي. وقد تصبح النزعة القومية المصدر الرئيسي لشرعية الحزب الحاكم الذي لم يعد قادرا على الإشارة إلى مستويات المعيشة السريعة الارتفاع.

يتعين على الولايات المتحدة وغيرها أن تدفع في الاتجاه المضاد لضمان عدم استسلام الصين لمثل هذا الإغراء. ولكن من الحكمة بالقدر نفسه أن تعمل هذه البلدان على طمأنة الصين إلى أنها ترحب بأخذ الصين لمكانها بين بلدان العالم الرائدة إذا تصرفت بشكل مسؤول ووفقا لقواعد يلتزم بها الجميع.

ولكن اتخاذ الخيارات السياسية الأكبر سوف يكون راجعا إلى الصين، وسوف تكون الحكومة في احتياج إلى إيجاد التوازن السليم بين مصالح الحكومة والحقوق الفردية، بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، وبين دور الأسواق ودور الدولة.

إن الاختيارات التي تواجهها الصين صعبة بقدر ما هي حتمية، ولا يمكننا استبعاد احتمال اندلاع اضطرابات اجتماعية. ولكن الأمر الوحيد المؤكد هو أن العقود الثلاثة المقبلة لن تكون كمثل العقود الثلاثة الماضية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.