أفغانستان.. في انتظار رئيسها القادم

مفوضية الانتخابات الأفغانية تواصل فرز أوراق الاقتراع

الأوضاع الأمنية
تأخير النتائج
موقف المعارضة
الجولة الثانية

بعد فحص الشكاوى الانتخابية من قبل المفوضية المستقلة لسماع الشكاوى تقرر إجراء الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية بين المرشحين الأكثر أصواتا يوم 14 يونيو/حزيران القادم وسط مخاوف أمنية شديدة.

وقد تأخر إعلان نتائج الجولة الأولى أكثر من شهر ونصف، كما تأخر موعد إجراء الجولة الثانية عن الآجال المنصوصة قانونا، حيث ينص القانون على إجراء الجولة الثانية بعد إعلان النتيجة النهائية بأسبوعين، فلمَ هذا التأخير؟ وكيف سيكون الوضع الأمني أثناء هذه الجولة؟ وما موقف المعارضة المسلحة؟ وماذا ستكون نتائج هذه الجولة؟ سنتناول بعض هذه القضايا في السطور التالية:

الأوضاع الأمنية
ستعقد الجولة الثانية في الصيف، حيث يكون الجو مناسبا للعمليات العسكرية في أغلب مناطق أفغانستان، ومن هنا يتوقع المحللون أن الوضع الأمني والعسكري سيكون مختلفا عن الوضع في الجولة الأولى.

ستعقد الجولة الثانية في الصيف، حيث يكون الجو مناسبا للعمليات العسكرية في أغلب مناطق أفغانستان، ومن هنا يتوقع المحللون أن الوضع الأمني والعسكري سيكون مختلفا عن الوضع في الجولة الأولى

وقد أعلنت حركة طالبان مؤخرا بدء العمليات العسكرية الصيفية لهذه السنة باسم "خيبر"، وهذا ما تتخوف منه القيادات العسكرية والأمنية الأفغانية، ومن هنا كان تأمين الجولة الثانية للرئاسيات الأفغانية من النقاط الأساسية التي نوقشت في اجتماع قادة القوات العسكرية الأفغانية والباكستانية والناتو الذي عقد في كابول يوم 20 مايو/أيار الجاري.

إلى جانب ذلك، يرى المحللون أن الأولويات الأميركية يمكن أن تتغير في هذه الجولة عن الجولة الأولى، فقد كانت تهدف في الجولة الأولى إلى أن تظهر لشعبها نجاحها في أفغانستان، وأنها مهدت الطريق للديمقراطية فيها، فلم تساعد على زعزعة الاستقرار أثناء الانتخابات في الجولة الأولى، ليزداد إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع، وكان من الآثار الجانبية لهذه السياسة زيادة ثقة الشعب الأفغاني في القوات الأمنية الأفغانية، وأنها تستطيع أن تحافظ على الأمن في أفغانستان من غير مساعدة القوات الأجنبية.

ومن هنا يرى المحللون أن الأميركيين يمكن أن يخططوا لإزالة هذه الثقة، ليشعر الشعب بضرورة تواجد قواتهم في أفغانستان، ليمهدوا الطريق لتوقيع الاتفاقية الأمنية، ومن هنا يتوقع المحللون أن يكون لهذا الأمر دور سلبي كبير على الوضع الأمني أثناء الجولة الثانية.

تأخير النتائج
لقد تأخرت المفوضية المستقلة للانتخابات في إعلان النتيجة أكثر من شهر ونصف تقريبا، هذا التأخير ليس مبررا من حيث الإمكانات ومشاكل المواصلات، فإن أبعد نقطة في أفغانستان لا يستغرق الوصول إليها أكثر من يومين بالمواصلات العادية، والحكومة بإمكانها توفير المواصلات السريعة أيضا، وفرز الأصوات لا يستغرق سوى يوم أو يومين على الأكثر، ومن هنا قد يكون هذا التأخير من أجل التمييز بين الأصوات الصحيحة والأصوات المزورة كما تدعي المفوضية المستقلة للانتخابات، وقد يكون من أجل تهيئة الأجواء العامة لقبول النتائج التي قد تكون على خلاف توقعات المرشحين ومؤيديهم، ويبدو أن هذا هو السبب كما يظهر من سلوك المفوضية المستقلة للانتخابات، فإنها أعلنت النتائج في دفعات لتهيئة النفوس لقبولها.

ورغم أن هذا الأمر قد يكون معقولا في الظاهر، فإن التأخير قد تترتب عليه هندسة النتائج وفق رغبات الجهات المؤثرة، والتأثير عليها لصالح مرشحين بأعينهم، وهذه مفسدة كبيرة حيث ترفع ثقة الشعب عن العملية الانتخابية بكاملها، ومن هنا يجب تعديل هذا القانون، بحيث توضع قوانين وقواعد صارمة لمنع التزوير، وفي الوقت نفسه يجب الحد من تأخير غير مبرر في إعلان النتائج.

أما نسبة المشاركة في الانتخابات (57%) التي أعلنت عنها المفوضية المستقلة للانتخابات فقد تبدو غير واقعية، فهي نسبة عالية جدا قد لا تتحقق إلا في الدول المستقرة، هذا فضلا عن أن القول إن (12) مليون شخص كانت تحق لهم المشاركة في الانتخابات ليس مبنيا على إحصائيات دقيقة، فأعداد كبيرة من الأفغان لم يسجلوا أنفسهم للمشاركة في الانتخابات، وبالتالي لم يحصلوا على بطاقات المشاركة في الانتخابات.

تحاول أطراف عدة المبالغة في نسبة المشاركة للتغطية على حالة الانقسام بين الأفغان بشأن هذه الانتخابات، وتريد التأكيد على أن الشعب قال كلمته بعيدا عما تروج له المعارضة

إذا كان الأمر كذلك فلمَ كل هذه المبالغة في إظهار نسبة المشاركة؟ يبدو أن الأمر يهم الحكومة الأفغانية كما يهم الجانب الأميركي، فهذه الأطراف تحاول أن تغطي بهذه الصورة على الانقسام الموجود داخل المجتمع الأفغاني حيال الانتخابات الحالية، وتريد أن تثبت أن الشعب الأفغاني قد قال كلمته، وأن المعارضة ليست بالمستوى الذي يروج له.

إلى جانب ذلك، تريد أميركا أن تثبت أن النظام العالمي الجديد الذي أسسته بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في نهاية القرن الماضي بدأ يؤتي أكله، فبعد أن همشت دور الأمم المتحدة، وأعطت لنفسها حق الهجوم على الجهات التي تشعر بالخطر جراءها، تريد الآن أن تثبت أنها استطاعت -في ظل ذلك النظام العالمي الجديد- أن تحول بلدا فاشلا مثل أفغانستان إلى بلد ناجح يتم فيه تداول السلطة عن طريق صناديق الاقتراع.

لكن لا يصح أن تسخّر وسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية لخداع الشعب وقلب الحقائق وإخفائها، وكان المفروض إظهار الحقيقة، وهي وجود الانقسام داخل المجتمع الأفغاني حيال النظام في أفغانستان، خاصة ونحن على أعتاب مرحلة جديدة تتميز بانسحاب معظم القوات الأجنبية من أفغانستان.

موقف المعارضة
إن الشعب الأفغاني ما زال منقسما حيال الانتخابات، يرى الكثيرون أن الانتخابات لن تؤدي إلى إنهاء حالة الانقسام الموجودة في المجتمع الأفغاني، ولن تقضي على أسباب الحرب الدائرة، ومن هنا كان الطرح البديل في نظر هؤلاء هو تشكيل حكومة مؤقتة بعد محادثات بين الجهات الأفغانية، وتعديل الدستور وإجراء الانتخابات وفق الدستور المتفق عليه، هذا كان رأي أغلب من لم يشارك في الانتخابات، إلا أن هذا الموقف لم يصمد أمام التأييد الجارف لإجراء الانتخابات.

أما المعارضة المسلحة فقد فقدت زمام المبادرة في هذه القضية، واكتفت بمعارضة الانتخابات وبمعاقبة من سيشارك فيها، وقالت: إن الإمارة الإسلامية لا تعترف بالحكومة ولا برئيس للدولة، وإنها ستستمر في مقاومتها (كما ورد ذلك في مقابلة مع الناطق الرسمي باسم حركة طالبان المنشورة على موقعها الرسمي "شهامت").

وكان المفروض أن تطرح مبادرة سياسية بديلة للتأكيد على مشاركة الآخرين في العملية السياسية، مثل إيجاد حكومة توافقية مؤقتة لإجراء التعديل على الدستور الأفغاني، ليكون وثيقة توافقية تهيئ لقيام حكومة مقبولة من الجميع.

الجولة الثانية
من مفاسد المناخ السياسي الأفغاني الحالي فراغ الساحة من الأحزاب السياسية النشطة، نعم توجد الأحزاب لكنها كلها أحزاب ورقية أكثر من أن تكون حقيقية، ومن هنا يتخوف المحللون من أن تتحول أي منافسة سياسية إلى صراع بين العرقيات المختلفة فيزداد المجتمع الأفغاني تشتتا وانقساما.

ولو وجدت الأحزاب السياسية الكبيرة، وغطت جميع المناطق، وعمت كل العرقيات لزال هذا التخوف، وفي ظل فراغ الساحة السياسية الحالي من الأحزاب الكبيرة التي تجمع تحت لافتتها العرقيات المختلفة هناك مخاوف من رفع الشعارات القومية والعرقية لكسب أصوات الناخبين في الجولة الثانية، خاصة في حالة التنافس بين مرشحين، أحدهما يؤيده البشتون في الغالب، والآخر يؤيده الطاجيك في الغالب، ويثير ذلك تخوفات من تحول هذا الصراع إلى صراع عرقي مدمر ليس في مصلحة أحد.

وأما نتيجة الجولة الثانية فتتوقف على عدة أمور، منها موقف أميركا وحلفائها الأجانب في أفغانستان، وموقف الدول المجاورة والقوى الإقليمية التي لها مصالحها وتأثيرها على الساحة السياسية الأفغانية، كما أن موقف القصر الرئاسي الأفغاني، وموقف بعض المرشحين في الجولة الأولى سيكون لهما دور في نتائج الجولة الثانية.

ويبدو أن هذه المؤثرات الخارجية والداخلية منقسمة حيال وضع المستقبل في أفغانستان، فبالنسبة لأميركا تهتم بالدرجة الأولى بالاتفاقية الأمنية مع الحكومة المقبلة، وقد ضمنتها بنجاح أي من المرشحين، لكن الديمقراطيين والجمهوريين مختلفون في تأييد المرشحين، فالديمقراطيون يؤيدون مرشحا، والجمهوريون يؤيدون مرشحا آخر، أو على الأقل يتظاهرون بذلك.

نتيجة الجولة الثانية تتوقف على أمور، منها موقف أميركا وحلفائها الأجانب في أفغانستان، وموقف الدول المجاورة والقوى الإقليمية التي لها مصالحها وتأثيرها على الساحة الأفغانية، وموقف القصر الرئاسي الأفغاني

إلى جانب ذلك، يبدو أن عبد الله عبد الله قد نجح في استمالة الحكومة الباكستانية إلى جانبه مع أنه وفريقه كان يتهم باكستان بالتدخل في الشؤون الأفغانية الداخلية، هذا فضلا عن كونه يتمتع في الأصل بعلاقات ودية مع الحكومة الإيرانية، ويصب في صالحه أيضا أنه قد تمكن من إيجاد ائتلاف بين الجمعية الإسلامية وأكبر فريق منشق من الحزب الإسلامي.

وأما القصر الرئاسي الأفغاني -مع تأكيده على الحياد- فيتوقع الكثيرون أنه سيؤيد أشرف غني أحمد زاي، كما أن بعض الدول الأوروبية تؤيده، إلى جانب ذلك فأغلب مؤيدي أشرف غني أحمد زاي من البشتون، وقد توزعت أصواتهم في الجولة الأولى بين عدد من المرشحين، وسيحصل -في الراجح- على أغلب تلك الأصوات في الجولة الثانية، والأمر الآخر الذي يصب في صالحه أن فريقه استطاع أن يقدمه للشعب الأفغاني عموما وللشباب خصوصا كشخصية قادرة على إيجاد حل لمشاكل أفغانستان، وهي في جوهرها -في نظرهم- مشاكل اقتصادية.

ومما يقلل فرصه في استقطاب عامة الشعب أنه جمع حوله كل من اشتهر بالفساد والاحتيال وسوء السيرة في السنوات الماضية، فلا يتوافق الشعار الذي يرفعه مع الفريق الذي شكله لتطبيق برنامجه الذي يقدمه.

ومن هنا يتوقع بعض المحللين أن المنافسة ستكون شديدة بين المرشحين، لكن التزوير سيلعب دورا كبيرا في الحسم لصالح مرشح على آخر، لكن أيا كانت نتيجة الجولة الثانية فإن الشعب الأفغاني يناشد المرشحين في هذه الجولة ومؤيديهم ألا يحوّلوا التنافس السياسي إلى صراع عرقي مدمر، لئلا يزيدوا في معاناة الشعب أكثر مما هو فيه الآن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.