اللاجئون في العالم.. معاناة إنسانية ونقص بآليات الحماية

اللاجئون في العالم.. معاناة إنسانية ونقص بآليات الحماية

undefined

ارتبطت كلمة "اللاجئ" تاريخيًّا بالحماية، إذ استمرّ العرف السائد على حماية اللاجئ من جانب الدولة التي يلتجئ إليها، فهو يمثل جزءًا من سمعتها ومكانتها بين الدول وربما سيادتها في تأمين حماية من يلتجئ إليها، واقتضى العرف عدم تسليم طالب اللجوء والحماية، وغالبًا ما اشتبكت الجماعات والدول مع بعضها بسبب لجوء سياسيين أو غير سياسيين إليها، وأحيانًا قامت نزاعات بينها بعضها مسلح وتركت تأثيراتها على تطور علاقات بعضها مع بعض.

ويحيل أصل كلمة لاجئ إلى قدسية مبدأ الحماية، فكلمة "ملجأ" تعني المكان المقدس الذي يأوي إليه الإنسان بحثًا عن الحماية أو الحصانة، وفي اللغة العربية نقول الملاذ الآمن. وهي غالبًا ما تستخدم كملجأ للغريب الذي يطلب الإجارة، وقد ورد في القرآن الكريم ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سورة التوبة ( الآية- 6).

وعلى الرغم من وجود أعراف قديمة لدى المزدكية والبوذية والهندوسية والتاوية (الصينية) والمسيحية وغيرها بخصوص اللجوء، فإن المفهوم لا يزال غامضًا حسب د. هيثم منّاع (الإمعان في حقوق الإنسان/ ج2) بل ويثير جدلاً حتى في القانون الدولي الإنساني نظرًا لاشتباكه مع مفهوم سيادة الدولة وعلاقتها بالمجتمع الدولي ومفهوم عدم التدخل وغيرها.

الأزمة السورية كانت أسوأ كارثة إنسانية واجهتها الأمم المتحدة منذ الحرب الباردة حسب تقديراتها، خصوصا أن نصف سكان سوريا مهدّدون بالتهجير

وفي اليوم العالمي للاجئين يستحضر الإنسان عددًا من حالات اللجوء على المستوى العالمي، ولا سيما جانبها الإنساني من جهة، ومن جهة أخرى تقصير المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة وعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والإنسانية في توفير الآليات اللازمة لحماية اللاجئين والدفاع عن حياتهم وحقوقهم طبقًا للقوانين الدولية الإنسانية في زمن الحرب أو السلم.

ولعلّ من أكثر حالات اللجوء الإنساني مأساوية حالات اللجوء الفلسطيني، حيث لم يصادر الاحتلال حق الإنسان في وطنه وفي تقرير مصيره فحسب بل حقه في العودة إلى أرضه وذلك بحرمانه من حق جماعي وفردي.

وفي بلدان الشتات لا يزال يعيش نحو خمسة ملايين لاجئ وتتعرض حقوقهم الإنسانية: المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للانتهاك، ولا سيّما حقوقهم الجماعية وفي المقدمة منها حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة، إضافة إلى حقهم في العودة الذي هو غير قابل للتنازل تلك الحقوق التي كفلها القرار الدولي رقم 194 لعام 1948.

وكانت مأساة اللاجئين العراقيين طويلة ومضنية، وقد استمرت ما يزيد على ثلاثة عقود، فقد كانت هجرتهم الأولى لأسباب سياسية شملت بضعة آلاف في أواخر السبعينيات. وفي فترة الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988 اضطّر عشرات الآلاف إلى الهجرة وطلب اللجوء بسبب الحرب، فضلاً عن تهجير الآلاف منهم وفقًا لقوانين متخلفة للجنسية بالعودة "إلى الأصول" السحيقة.

وكانت فترة الحصار الدولي الجائر من أكثر فصول اللجوء بؤسًا، وخصوصًا بفعل العامل الاقتصادي، حيث اضطر مئات الآلاف إلى طلب اللجوء السياسي والإنساني، ولكن فترة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وخصوصًا خلال فترة التطهير الطائفي المذهبي 2006-2007، كانت الأقسى والأسوأ، حيث شملت مئات الآلاف من اللاجئين في الخارج ومئات الآلاف من النازحين في الداخل.

وعلى الرغم من عودة الكثير من النازحين وبعض اللاجئين إلى العراق أو انتقالهم إلى بلدان لجوء بعيدة، فإن وضع اللاجئين العراقيين على الصعيد العالمي لا يزال مميّزًا ويشار إليه بالبنان، خصوصًا في سنوات ما بعد الاحتلال.

وكذلك حالات لجوء الأفغان التي زادت على مليونين وحالات لجوء الصوماليين بسبب الحرب الأهلية، وحالات لجوء السودانيين بسبب النزاعات المسلحة وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، وحالات لجوء الروانديين، وحالات النزوح بعد انشطارات يوغسلافيا السابقة ونزاعاتها المسلحة ومجازرها الرهيبة، كل هذه حالات مميّزة ومعروفة وموثّقة على الصعيد العالمي وقد طرحت مسألة حقوق اللاجئين على بساط البحث والمسؤولية الدولية.

ولعلّ الأزمة السورية كانت أسوأ كارثة إنسانية واجهتها الأمم المتحدة منذ الحرب الباردة حسب تقديراتها، خصوصا أن نصف سكان سوريا مهدّدون بالتهجير، وقد جاء ذلك بمناسبة اليوم العالمي للاجئين الذي احتفلت به المفوضية العليا للاجئين في 20 يونيو/حزيران الماضي.

في اليوم العالمي للاجئين لا يكفي استذكار المعاناة الإنسانية، بل لابدّ من تطوير الآليات الدولية لكي تتفق مع مبادئ الحماية التي توفّرها قواعد القانون الدولي الإنساني

وقال رئيس المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين أنتونيو غوتيريس إن الأزمة السورية ليست الأسوأ إنسانيًّا فحسب بل الأكثر خطورة، إضافة إلى مخاطر امتداداتها وآثارها السلبية إلى دول المنطقة كلّها.

وتقول بعض الإحصاءات إن عدد السوريين اللاجئين قارب مليونين، أكثر من 75% منهم نساء وأطفال، ويوجد من بين هذا العدد 570 ألفا في الأردن، وفي لبنان 535 ألفا، وفي تركيا 485 ألفا، وفي مصر 190 ألفا، وفي العراق 130 ألفا.

وتشير المفوضية إلى أن أعدادا من اللاجئين السوريين غير مسجلين على قوائمها، وأن نسبة أخرى تزيد على هذا العدد تعتبر في عداد النازحين داخل سوريا.

وحسب أنجلينا جولي المبعوثة الخاصة للمفوضية، يعتبر نصف سكان سوريا مهاجرين أو بحاجة إلى مساعدة جراء أسوأ كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين.

جدير بالذكر أن عدد اللاجئين يزيد اليوم -وحسب إحصاءات الأمم المتحدة- على 45.2 مليون شخص، وأن عام 2012 وحده شهد فرار 1.1 مليون شخص عبر الحدود الدولية، في حين نزح نحو 6.5 ملايين داخل أوطانهم.

وحسب التقارير الدولية، فهذا يعني أن الحروب والنزاعات الأخرى أجبرت شخصًا واحدًا على الفرار من وطنه كل 4.1 ثوان خلال العام الماضي وهي أرقام مثيرة، بل مفزعة تجعل من قضية اللجوء حالة إنسانية ماثلة وشاخصة أمام أعيننا.

أما بخصوص الآليات، ولا سيما أننا في الألفية الثالثة، فإن العالم بحاجة لمراجعة آليات الحماية المعمول بها، التي اعتمدت على اتفاقية عام 1933 بخصوص اللاجئين، واتفاقية عام 1951 وملحقها بروتوكول عام 1967ويمكن إضافة اتفاقية دبلن لعام 2003، وذلك لتطوير آليات حماية اللاجئين ومشكلة حماية النازحين، بما يستجيب للتطور الدولي.

فاللاجئ هو الشخص الذي يترك بلده ويطلب اللجوء والإقامة في بلد آخر غير موطنه لأسباب تتعلق بالحروب والنزاعات المسلحة الإثنية أو الدينية أو الطائفية أو غيرها، أو لأسباب سياسية تتعلق بأفكاره ومعتقداته، تسبب له الملاحقة والاضطهاد الأمر الذي يضطر معه إلى مغادرة بلده طلبًا للجوء وتأمينًا للحماية، وأحيانًا لأسباب اقتصادية تتعلق باستشراء الفقر وانعدام سوق العمل وتردي الوضع المعيشي واستحالة العيش دون موارد.

ونظرا لما سبق فلا بدّ من النظر إلى قضية اللاجئين باعتبارها قضية دولية تتحتم معالجتها ضمن إطار دولي يضمن تضافر جهود الأسرة الدولية، خصوصًًا أن أعدادهم الكثيرة والمنتشرة في أكثر من رقعة من العالم، آخذة في التأثير على اقتصاديات العديد من البلدان وتطوّرها، ناهيك عن تردّي أحوالهم الصحية والتعليمية والنفسية في بلدان اللجوء، وخاصة منهم الأطفال والنساء الشريحتين الأكثر تضررا من حياة التشرد واللجوء. الأمر الذي يستوجب البحث الجدي عن حلول ناجعة اقتصادية واجتماعية وسياسية في بلدان اللجوء وفي بلدان الأصل بما يؤمن الحقوق الإنسانية لأصحابها.

في حين تتخذ بعض البلدان التدابير الضرورية لحماية اللاجئين، لا تزال أخرى تقصّر في اعتماد الآليات الدولية، بل تؤدي بعض إجراءاتها إلى إلحاق ضرر باللاجئين

ولعلّ ولاية المفوضية في تقديم الحماية الدولية ووضع المعالجات لمشكلة اللاجئين، بالتعاون مع بلدان اللجوء مسألة أساسية، سواء في أوضاع اللجوء، أو في تأمين عودة طوعية وسالمة للاجئين، أو حتى في حياة ما بعد العودة من اللجوء ضمانا لاندماجهم في مجتمعاتهم وتجاوزهم نفسيا وإنسانيا للظروف التي عاشوها خلال رحلة التشرد واللجوء.

وهي مسؤولية تستدعي توفير المساعدة المادية، إضافة إلى الرعاية الصحية والتعليم وغير ذلك من الخدمات الاجتماعية، وتطوير البرامج الخاصة بمساعدة بعض الفئات مثل النساء والأطفال وكبار السن والمعوّقين (ذوي الاحتياجات الخاصة).

وينبغي شمول النازحين بما يشمل اللاجئين، وهنا يمكن تطبيق بروتوكولي جنيف بخصوص اللاجئين والنازحين بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة والمنازعات المسلّحة غير الدولية، ولا سيّما للأطراف الواقعة تحت سلطة أحد المتنازعين، وتفرد الاتفاقيات الدولية حقولاً خاصة بالأطفال والنساء، إضافة إلى التحديات التي يواجهها اللاجئون بشكل عام.

وفي حين تتخذ بعض البلدان التدابير الضرورية لحماية اللاجئين، لا تزال العديد من البلدان تقصّر في اعتماد الآليات الدولية، بل تؤدي بعض إجراءاتها إلى إلحاق ضرر باللاجئين ومنها بعض البلدان العربية التي لم توقّع حتى الآن على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وملحقها لعام 1967، وهو الأمر الذي يحتاج إلى تدارك لتخفيف المعاناة الإنسانية ولوضع المعايير الدولية موضع التطبيق، علمًا بأن هذا يتفق مع مبادئنا وقيمنا الدينية السمحة.

وفي اليوم العالمي للاجئين لا يكفي استذكار المعاناة الإنسانية، بل لابدّ من تطوير الآليات الدولية لكي تتفق مع مبادئ الحماية التي توفّرها قواعد القانون الدولي الإنساني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.