المصالحة بأفغانستان في ستة أشهر!؟

المصالحة بأفغانستان في ستة أشهر!؟

undefined

 

أميركا

باكستان

إيران

الحكومة الأفغانية

المعارضة المسلحة

 

أسفرت المحادثات الثلاثية التي أجريت في لندن بين بريطانيا وباكستان وأفغانستان بدعوة من رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون يوم 4 فبراير/شباط الجاري، عن تعهد أعلنه كل من الرئيس الأفغاني حامد كرزاي ونظيره الباكستاني آصف علي زرداري بأن كابل وإسلام آباد ستحاولان إعادة الاستقرار إلى أفغانستان خلال الأشهر الستة القادمة، عبر التوصل إلى اتفاقية صلح بين أطراف الصراع هناك.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن التوصل إلى المصالحة بين أطراف الصراع خلال ستة أشهر؟ وهل جميع الأطراف المعنية بهذه القضية لها رغبة صادقة في إنهاء الصراع وإعادة الاستقرار إلى أفغانستان؟

 

مما لا شك فيه أن الاستقرار في أفغانستان سيؤثر إيجابا على استقرار دول المنطقة، بل وعلى كثير من دول العالم، كما أنه مطلب لجماهير الشعبين الأفغاني والباكستاني، لأنه بالمصالحة والاستقرار سيقضى على الفوضى العارمة التي تجتاح المنطقة، وستُحقن الدماء التي تهرق منذ نحو عقد من الزمن.

ومن المؤكد أيضا أنه يمكن أن يستتب الأمن في أفغانستان خلال فترة قصيرة جدا إن اقتنعت الأطراف المعنية بضرورة ذلك، ونقصد بالأطراف المعنية تلك التي لها دور حاسم في القضية الأفغانية، وهي الولايات المتحدة وإيران وباكستان والحكومة الأفغانية والمعارضة المسلحة عموما وحركة طالبان بصورة أخص. وبمعرفة دقيقة لمواقف هذه الأطراف نستطيع أن نحدد مدى جدية الإعلان المذكور، أم أنه كان لغرض الاستهلاك الإعلامي لا غير.

يبدو أن هذا الإعلان استند إلى تلك مذكرة التفاهم التي اتفقت عليها الحكومتان الأفغانية والباكستانية، والتي تسربت إلى وسائل الإعلام باسم "خارطة طريق المصالحة من عام 2012 إلى 2015".

لكن الذي يبدو من تلك المذكرة ومن هذا الإعلان، أن الحكومة الأفغانية تعاني من سياسة غير متوازنة لأنها أحيانا تتناسى تماما الدور الباكستاني في القضية الأفغانية فلا تعيره أي اهتمام، وفي بعض الأحيان تعتبر باكستان الجهة الوحيدة المؤثرة في القضية كما فعلت في تلك المذكرة!

وكما يبدو من الإعلان الذي صدر عقب المحادثات الثلاثية في لندن -مع أن باكستان جهة من الجهات المتعددة المؤثرة في القضية الأفغانية- فإن الدور الباكستاني مهم للغاية لكنه ليس حاسما بحيث يكون الاهتمام به سببا لإهمال أدوار الجهات المؤثرة الأخرى، وليعلق الشعب الأفغاني جميع آماله على موافقة إسلام آباد على إعادة الاستقرار إلى بلاده.

استمرار وجود القوات الأميركية بأفغانستان يعطي الذريعة للدول المجاورة والقوى الإقليمية أن تؤلب الناس على مقاومتها

لنرجع إلى البحث عن جواب السؤال الأساسي وهو: هل الجهات المعنية في القضية الأفغانية مستعدة للتنازل عن مواقفها السابقة التي هي سبب استمرار الحرب؟ لو دققنا النظر في مواقف تلك الجهات لأدركنا أننا لا نجد على أرض الواقع أي بوادر تغيير فيها، ومن هنا فإننا نستطيع أن نقول إن هذا الإعلان مثل القرارات الكثيرة التي صدرت من وقت لآخر من المحافل الدولية، وأما المواقف التي تعيق عودة الاستقرار في أفغانستان واستتباب الأمن فيها فهي كالتالي:

أميركا
تعتقد واشنطن بأن لها مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية كبيرة وكثيرة في المنطقة، وكل هذه المصالح تقتضي بقاءها في أفغانستان، وبقاؤها هناك -بأي شكل كان- يسعّر الحرب فيها.

إن استمرار وجود القوات الأميركية في أفغانستان يعطي الذريعة للدول المجاورة وللقوى الإقليمية لأن تؤلب الناس على مقاومتها، وأن تقدم المساعدات للجهات المقاومة للوجود الأميركي في أفغانستان.

كما أن الجهات المعارضة لهذا الوجود تجعل منه ذريعة لتجنيد الشباب في صفوفها، فما لم تقتنع الولايات المتحدة بأن وجودها الفعلي في أفغانستان -بأي صورة كان- يثير المشاكل ويؤدي إلى استمرار الحرب، وما لم تقتنع بأنه يجب عليها سحب قواتها من الأراضي الأفغانية كاملة ودعمها لكابل عبر القنوات الدبلوماسية لتتحول من دولة فاشلة إلى دولة ناجحة، وتتمتع الحكومة القائمة فيها بتأييد جميع فئات الشعب الأفغاني.. ما لم يحدث ذلك فلن يعود الصلح إلى أفغانستان، ولن تهدأ ولن يستتب الأمن فيها. وما لم تستقر أفغانستان، فلن تهدأ المنطقة بأكملها، بل ولن يهنأ العالم كله بالأمن والاستقرار.

باكستان
الموقف الباكستاني من أهم ما يساعد على التوصل إلى المصالحة في أفغانستان واستعادة الأمن فيها، فما لم تخرج باكستان من عقدة الهند في سياستها تجاه القضية الأفغانية، وما لم تتخل عن ربط المصالحة الأفغانية بالقضايا التاريخية العالقة بينها وبين جارتها النووية حول رسم الحدود بينهما (مشكلة ما يسمى خط ديورند الشهيرة)، وما لم تنظر إلى أفغانستان كدولة موحدة مستقلة، فإنه من الصعب جدا أن يحدث أي تغيير إيجابي في المواقف السياسية الباكستانية تجاه القضية الأفغانية.

كذلك، ما لم تتغير المواقف الباكستانية الحالية يصعب جدا أن يحدث أي تقدم في أمر المصالحة وعودة الأمن إلى أفغانستان، وذلك لأن إسلام آباد تسعى دائما إلى ربط علاقاتها بكابل بعلاقات الأخيرة بنيودلهي، فكلما قويت العلاقات الأفغانية الهندية أثرت سلبا على العلاقات الباكستانية الأفغانية. كما أن باكستان تريد أن تصل إلى حل بخصوص مشاكلها الحدودية مع أفغانستان بالاستفادة من الظروف الحالية.

لا شك أن تلك المشاكل يجب أن تحل عبر المحادثات الجادة، لكن بعد أن تستقر أفغانستان وتخرج من أتون الحرب، وبعد أن تحظى بحكومة تؤيدها جميع فئات الشعب، ومن جهة أخرى تحاول باكستان أن تعوض سوء علاقتها بالحكومة الأفغانية بحسن العلاقة بالجهات الأفغانية المختلفة، وهذا له تأثيرات سلبية كبيرة على العلاقة بين البلدين.

ومن هذا المنطلق، يجب على باكستان أن تراعي الأعراف الدبلوماسية في علاقاتها بأفغانستان، وأن تنظر إلى الأخيرة على أنها دولة موحدة.

إلى جانب ما سبق، ترى باكستان أن الوجود الأميركي في أفغانستان خطر على أمنها القومي وعلى سلاحها النووي، وأن الوجود الأجنبي يسبب لها مشاكل في إقليم بلوشستان ويقوّي الحركة الانفصالية فيه.

لكل هذه المصالح تريد باكستان أن تكون بيدها ورقة ضغط تمكنها من تحقيق هذه المصالح، وتلك الورقة يوفرها لها استمرار الحرب الأفغانية، فهل تغيرت مواقف إسلام آباد حول هذه القضايا ليتغير موقفها من المصالحة؟

يجب على إسلام آباد أن تراعي الأعراف الدبلوماسية في علاقاتها بكابل، وأن تنظر إلى أفغانستان كدولة موحدة

لا شك أن الجهات الإستراتيجية الباكستانية تعلم أن الفوضى وموجات العنف في باكستان ناتجة عن استمرار الحرب في أفغانستان، ولكنها تتحمل ذلك رغبة في تحقيق مصالحها، وعليه فإنه ما لم تتغير هذه المواقف لن تتغير السياسة الباكستانية تجاه المصالحة الأفغانية، وما لم يحدث هذا يصعب جدا إعادة الأمن والاستقرار إلى أفغانستان.

إيران
تعتبر إيران جهة مؤثرة في القضية الأفغانية ولها مصالح اقتصادية وأمنية وطائفية، وهي ترى أن الوجود الأميركي على الأراضي الأفغانية خطر كبير على مصالحها الإستراتيجية، وعليه فإنها لن تترك الأوضاع تهدأ، ولن تسمح لنار الحرب أن يخبو سعارها في أفغانستان، لتجبر بذلك الولايات المتحدة على الانسحاب من الأراضي الأفغانية.

وفي نفس الوقت، تعتبر إيران أفغانستان سوقا كبيرا لاستهلاك السلع الإيرانية، وهي بذلك تنافس باكستان عليها، ومن هنا فهي لا تريد أن تنتهي الحرب بشكل تتضرر به اقتصاديًّا وطائفيا. فهل إيران مستعدة للتنازل عن مصالحها هذه؟ فإن كان الجواب بالنفي فكيف يمكن التوصل إلى المصالحة في ظل هذه الأوضاع؟

الحكومة الأفغانية
يبدو من تصريحات المسؤولين الأفغان عموما وتصريحات الرئيس كرزاي خصوصا أنهم يريدون الاستفادة من قضية المصالحة لإطالة عمر الحكومة الحالية التي تريد من جهة أن تبقى قضية المصالحة مع طالبان في قبضتها، ومن جهة أخرى لا تريد أن تنجح المحادثات وتصل إلى مصالحة حقيقية.

ودمجت الحكومة بين المجلس الأعلى للسلام الذي كان يرأسه الأستاذ برهان الدين رباني وبين المؤسسة التي كانت تعمل لإعادة دمج أفراد حركة طالبان في العملية السياسية، لئلا ينجح المجلس الأعلى في عمله.

والهدف من وراء ذلك إيصال رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن المصالحة لا تكون إلا بأيدي الحكومة الأفغانية، وأن الانتخابات لا تجدي نفعا ما لم يتوصل الشعب الأفغاني إلى الوفاق الوطني، وما لم ترض الأطراف كلها بالمشاركة في الانتخابات. ومن هنا يجب أن تعطى الإدارة الحالية وقتا كافيا قبل إجراء الانتخابات للوصول إلى هذا الوفاق.

الجهات السياسية لم تقتنع بأن هناك تغييرا في قناعات حركة طالبان حول إدارة البلد في المستقبل، وهذا يعرقل عملية المصالحة

ليس كرزاي فقط، بل هناك مجموعة كبيرة من المستفيدين من الأوضاع الحالية، وهم يعرقلون حركة المصالحة ولا يتركونها تسير في طريق نجاحها. فهل غيّر كرزاي ومن حوله موقفهم هذا؟ وهل تنازل هؤلاء عن مصالحهم؟ إذا تغيرت هذه المواقف يمكن حينها التوصل إلى اتفاقية صلح خلال ستة أشهر، ولكن يبدو أن تلك المواقف ما زالت على حالها لم يتغير فيها شيء.

المعارضة المسلحة
تقف المعارضة المسلحة في وجه القوات الأجنبية بأفغانستان وتعتبرها قوات غازية محتلة، وما لم تنسحب هذه القوات فلن تشارك هذه المعارضة في أي مصالحة، فهل القوات الأجنبية مستعدة للانسحاب من البلاد؟ ومتى سيتحقق ذلك؟

إلى جانب ذلك، فإن المشكلة الأساسية التي تمنع الجانب الحكومي والجهات السياسية الأفغانية الأخرى من التصالح مع فئات المعارضة عموما وحركة طالبان خصوصا، هي تأكيدهم المستمر على بقاء أفغانستان تحت إدارتهم حصريا دون أن يشاركهم فيها غيرهم، لأنهم لم يقتنعوا حتى الآن بأن البلاد بيت مشترك لجميع الأفغان، وأنه يحق لكل أفراد الشعب المشاركة في إدارتها عبر نواب يختارهم في انتخابات عامة نزيهة. كما أن الجهات السياسية الأخرى لم تقتنع بأن هناك تغييرا في قناعات طالبان حول إدارة البلد في المستقبل، وهذا يعرقل عملية المصالحة. فهل تغيرت هذه القناعات ليمكن التوصل إلى المصالحة خلال ستة أشهر؟

خلاصة القول أن هذه الأطراف لو شعرت بمصائب الشعب الأفغاني ومشاكله وتنازلت عن مصالحها، لكانت عملية المصالحة سهلة للغاية، وما لم يحدث ذلك فإن الصلح وإعادة الاستقرار إلى أفغانستان يمكن أن يكونا حلما جميلا، لكن لن يكونا واقعا معيشا في الأشهر الستة القادمة كما يقول الإعلان المذكور.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.