حول المعاهدة الدولية لتجارة السلاح

حول المعاهدة الدولية لتجارة السلاح - الكاتب: عبدالجليل المرهون

undefined 

أخفقت الأمم المتحدة في التوصل إلى إجماع على المسودة الخاصة بمعاهدة تجارة السلاح، بعد جولة جديدة من المفاوضات عقدت في مقر المنظمة الدولية بنيويورك على مدى ثلاثين يوماً، وجرى اختتامها في 27 يوليو/تموز 2012.

أولاً: فلسفة المعاهدة وأهدافها
في خلفيات التحرك الجديد، يُمكن أن نشير إلى  أن خطوات عديدة قد بذلت في هذا الاتجاه منذ بضع سنوات، بهدف الوصول إلى معاهدة لتجارة السلاح، يشار إليها اختصاراً بالحروف (ATT). وبات مبدأ إبرام المعاهدة متفقا عليه من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة.

وتحقق هذا الإجماع بعد أن جرى التعهد بأن تدار المفاوضات التمهيدية على أساس توافق الآراء، مع منح كل دولة حق الفيتو ضد أي بند في مشروع المعاهدة ترى فيه تصادماً مع مصالحها الوطنية.

وكانت فكرة المعاهدة قد ولدت في الأصل من مبادرة أطلقتها أربع شخصيات عالمية حاصلة على جائزة نوبل للسلام. ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2006، صوتت 153 دولة إلى جانب بدء العمل من أجل وضع معاهدة عالمية لتجارة الأسلحة. وفي السنة التالية، قدمت الدول المختلفة ردودها إلى الأمين العام للأمم المتحدة. 

إقرار اتفاقية تجارة الأسلحة -بأي صورة من الصوّر- يتطلب تصديق 65 بلداً عليها حتى تدخل حيز التنفيذ، الأمر الذي يعني أن العالم بصدد أعوام أخرى قادمة من الانتظار

وفي عام 2008، شكلت الأمم المتحدة مجموعة الخبراء الحكوميين (GGE) لدراسة وتفحص إمكانية بلورة معاهدة دولية ملزمة لتجارة الأسلحة. ومنذ ذلك الحين بدأ العمل الفعلي من أجل بلورة الأفكار المختلفة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2009 أجازت الجمعية العامة للأمم المتحدة إجراء محادثات رسمية بين الدول لصياغة المعاهدة المنشودة. وقد اختتمت بنيويورك في 23 يوليو/تموز 2010 الجولة الأولى من المحادثات الرامية لصياغة هذه المعاهدة، التي تقدمت بمشروع القرار المتعلق بصياغتها كل من الأرجنتين وأستراليا وكوستاريكا وفنلندا واليابان وكينيا وبريطانيا.

ومنذ البدء، تبدت إحدى المشكلات المثارة في غياب التوافق على طبيعة النشاط الذي يُمكن تعريفه بأنه تجارة سلاح. وبرز خلاف حول ما إذا كان ذلك يتضمن -على سبيل المثال- الذخائر العسكرية، والأسلحة المؤجّرة للدول الأخرى، والهدايا والتبرّعات، ونقل التكنولوجيا لإنتاج الأسلحة والأجهزة العسكرية، والتطويرات التي تدخل على الأسلحة الموجودة، وخدمات نقل الأسلحة.

وفي النقاشات المتعاقبة -التي جرت بشأن المعاهدة- استخدم البعض صيغة الأمم المتحدة الخاصة بسجل الأسلحة التقليدية، المعروفة بـ"7 + 1″. ويشير الرقم (7) إلى سجل الأسلحة التقليدية الرئيسية التي تشمل: الدبابات القتالية، والآليات المدرعة، والمدافع ذات العيار الثقيل، والطائرات الحربية، والمروحيات العسكرية الهجومية، والسفن الحربية، والصواريخ والقذائف الصاروخية.
 ومن ناحيته، يشير الرقم (1) إلى الأسلحة الصغيرة والخفيفة.

وهناك، في الوقت ذاته، الرقم (1+)، الذي يشير إلى الذخيرة الحربية. وبإضافة الرقم الأخير، تصبح المعادلة الجديدة هي (7+1+1+). وهذه المعادلة هي التي تطالب بها المنظمات غير الحكومية، وغالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.  

وفي مداولات الجولة الأخيرة -التي جرت في نيويورك- اعترضت الصين على شمول الاتفاقية بند الأسلحة الصغيرة والخفيفة. كما تحفظت كل من الصين والولايات المتحدة وروسيا على بند الذخيرة، داعية إلى وضع "رقابة وطنية" خاصة عليها فحسب. وثار خلاف -من ناحية ثالثة- حول مشروعية التمييز بين تجارة الأسلحة، وبين تسليمها في صورة هبات ومساعدات.

وأياً يكن الأمر، فثمة احتمال حالياً بأن يجري طرح مسودة الاتفاقية على الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإقرارها بأغلبية الثلثين. وقد يتم التصويت عليها بحلول نهاية عام 2012. ويبقى هذا الاحتمال ضعيفاً على أي حال. 

كذلك، فإن إقرار الاتفاقية -بأي صورة من الصوّر- يتطلب تصديق 65 بلداً عليها حتى تدخل حيز التنفيذ، الأمر الذي يعني أن العالم بصدد أعوام أخرى قادمة من الانتظار.

ثانياً: الانتقالات الدولية للسلاح 
إن الحديث عن ضرورة الإسراع في إقرار اتفاقية دولية ملزمة لتنظيم تجارة الأسلحة ينبع من التداعيات الكارثية لانتشار السلاح، وغياب الضوابط المحددة لاستخدامه. ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد بلغ إجمالي تجارة السلاح الدولية خلال الفترة ما بين عاميْ 2007 و2011 ما مجموعه 128343 مليون دولار. 

وارتفع حجم الانتقالات الدولية للأسلحة بنسبة 24% خلال الفترة ما بين 2007 و2011، قياساً بالفترة ما بين 2002 و2006. وبلغت قيمة تجارة السلاح الدولية 29954 مليون دولار عام 2011، صعوداً من 24535 مليون دولار عام 2010.

وكان للأزمة المالية العالمية دورها في التراجع النسبي، الذي شهدته الصادرات الدولية من الأسلحة التقليدية في الفترة ما بين عامي 2007 و2010، قبل أن يعود المعدل للارتفاع في عام 2011. 

وتشمل الأرقام المتعلقة بقيمة الأسلحة التقليدية الصفقات الخاصة بالسلاح والعتاد العسكري، لكنها لا تتضمن بالضرورة برامج التدريب وصيانة السلاح. كما لا تشمل الهبات والمساعدات.

وبموازاة ذلك، يُمكن النظر إلى السوق السوداء للسلاح باعتبارها سوقاً رديفاً ومعززاً لسوقه الرسمي. بل ومتفوقاً عليه في بعض القطاعات، كما هو الحال بالنسبة لتجارة الأسلحة الصغيرة.

وقد جاء تصنيف أكبر خمسة مصدّرين للأسلحة التقليدية عام 2011، على النحو التالي: الولايات المتحدة، بنسبة 30% من إجمالي صادرات السلاح العالمية، روسيا (24%)، ألمانيا (9%)، فرنسا (8%) وبريطانيا (4%).

بلغ الإنفاق العسكري العالمي عام 2011 ما مجموعه 1738 مليار دولار, ويساوي هذا الرقم 2.5% من الناتج الإجمالي العالمي، أو ما يعادل 249 دولارا لكل فرد في المعمور

وعلى مستوى القائمة الخاصة بأكبر مائة شركة منتجة للسلاح في عام 2010، حلت شركة لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) الأميركية في المرتبة الأولى عالمياً، بإجمالي مبيعات قدرها 45.8 مليار دولار، بينها 35.73 مليار دولار مبيعات عسكرية، صعوداً من 33.43 مليار دولار عام 2009. أي أن نسبة المبيعات العسكرية لدى الشركة بلغت 78% من إجمالي المبيعات.

ومن ناحيتها، حلت شركة سيستمز (BAE Systems-UK)، في المرتبة الثانية عالمياً. وقد بلغت القيمة الإجمالية لمبيعاتها 34.6 مليار دولار، بينها 32.88 مليار دولار مبيعات عسكرية، صعوداً من 32.54 مليار دولار تحققت في عام 2009، أي أن نسبة المبيعات العسكرية إلى إجمالي المبيعات تبلغ 95%.

وعلى صعيد كبار المستوردين الدوليين للأسلحة التقليدية، خلال الفترة ما بين 2007 و2011، حلت الهند في المرتبة الأولى عالمياً، حيث استوردت ما نسبته 10% من إجمالي المبيعات العسكرية الدولية. ومن ناحيتها، حلت كوريا الجنوبية في الترتيب الثاني عالمياً، بواقع 6%، ثم باكستان (5%)، والصين (5%).

وعلى النحو الذي تمكننا رؤيته اليوم، فإن الظروف المالية، أو المساعدة العسكرية الأجنبية، ليست العامل الوحيد الذي يؤثّر على واردات الأسلحة. فهذه الواردات تتأثر بما قد يعتقد أنه مخاطر داخلية أو خارجية، والحاجة لاستبدال أو تطوير الترسانة العسكرية، وتطوير الصناعات الحربية المحلية عن طريق الإنتاج أو التجميع من خلال رخص خاصة، وتأثير العسكريين الذين يلعبون أدواراً مهمة في سياسات استيراد الأسلحة، والرغبة في تطوير الروابط السياسية مع موردي السلاح، والسعي لتعزيز المكانة الدولية والإقليمية.

ومن جهتها، تسعى الدول المصدّرة -قبل السماح بتصدير السلاح والعتاد- إلى تقييم المكاسب الاقتصادية المحتملة، والتأثير المحتمل للصادرات على مصالحها الإستراتيجية وسمعتها الدولية، ومدى تأثير الصادرات على خيارات الدول المستوردة، وتعزيز موقعها في هذه الخيارات.

ولا تعتبر قيمة الواردات العسكرية -من الأسلحة والذخيرة والمعدات التقنية والمستلزمات اللوجستية- تعبيراً رديفاً للإنفاق العسكري، بل هي جزء منه فحسب، فالإنفاق العسكري أو الدفاعي يشتمل على أمور عدة إضافية، من بينها تشييد البنية التحتية الأمنية، وخدمات تصليح وصيانة للأسلحة، والرواتب والمستحقات المالية لعناصر الأجهزة العسكرية، ومن في حكمهم من قوات شبه نظامية، وقوات احتياط.

وعليه، فإن الإنفاق على مشتريات الأسلحة لا يستحوذ -بالنسبة للعديد من الدول- سوى على حصة محدودة من إجمالي الإنفاق العسكري. وعلى الرغم من ذلك، فإن كل من زيادة مشتريات السلاح وزيادة الإنفاق العسكري الإجمالي تعبران عن دلالة واحدة، هي تضخم الهواجس الأمنية للدولة.   
  
ووفقاً للبيانات الجديدة الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد بلغ الإنفاق العسكري العالمي عام 2011 ما مجموعه 1738 مليار دولار. ويساوي هذا الرقم 2.5% من الناتج الإجمالي العالمي، أو ما يعادل 249 دولارا لكل فرد في المعمورة. 

ثالثاً: سوق الأسلحة الصغيرة والخفيفة
وإضافة للمعضلة الخاصة بمشتريات الأسلحة الرئيسية، الدالة على تضخم الهواجس الأمنية لدى العديد من الدول، تبرز التجارة المتعاظمة للأسلحة الصغيرة، باعتبارها تعبيراً عن أزمة أمنية واجتماعية مزدوجة، وعن فشل عميق لمشروع الدولة وفلسفتها.

ووفقاً للأرقام الدولية، فإن حجم التجارة العالمية في الأسلحة الصغيرة يبلغ نحو أربعة مليارات دولار سنوياً، يتجه قسم هام منها للأسلحة الفردية. ويشير مصطلح الأسلحة الصغيرة بصورة أساسية إلى البنادق والمدافع الرشاشة، والقنابل اليدوية، وغيرها من الأسلحة المعدة للاستخدام العسكري من قبل الأفراد، العسكريين والمدنيين.

أما الأسلحة الخفيفة، فهي أسلحة قابلة للحمل، ومصممة للاستخدام من قبل عدة أشخاص يقومون بالخدمة كطاقم واحد، مثل المدافع الرشاشة الثقيلة، وقاذفات القنابل اليدوية المنصوبة، والأسلحة الصاروخية المحمولة المضادة للطائرات، والأسلحة النارية المحمولة المضادة للدبابات، ومدافع الهاون، والألغام المضادة للأفراد أو الدبابات. 

ويفيد تقرير دولي بوجود 650 مليون قطعة سلاح صغيرة في أيدي المدنيين حول العالم. ويعني هذا الرقم أن هناك قطعة سلاح صغير لكل عشرة أشخاص من سكان المعمورة. 

وقد حلت اليمن في المرتبة الثانية عالمياً من حيث نسبة الأسلحة الصغيرة لعدد السكان، بمعدل 61 سلاحاً نارياً لكل 100 مواطن. وحل العراق في المرتبة الخامسة، بمعدل 39 سلاحاً لكل 100 فرد. أما في أفغانستان فيوجد نحو 10 ملايين قطعة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة. وفي غرب أفريقيا يُقدر عدده هذه الأسلحة بسبعة ملايين قطعة.

وفي بعض الدول الأفريقية، يُمكن شراء بندقية رشاشة مقابل عشرين دولارا فقط. ومما يزيد تفاقم المشكلة أن الأسلحة الصغيرة والخفيفة يمكن أن تظل قيد الاستخدام لمدة تصل إلى 40 عاماً أو أكثر، عبر قدر محدود من الصيانة.

وفي إعلان الألفية -الذي اعتمدته قمة الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول من عام 2000- قررت الدول الأعضاء "اتخاذ إجراءات متضافرة من أجل القضاء المبرم على الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، ولا سيما بزيادة الشفافية في عمليات نقل الأسلحة ودعم تدابير نزع السلاح على الصعيد الإقليمي".

لا بد من البحث عن سبل كفيلة بتنظيم تجارة السلاح, وقد يكون الالتزام بالنظام الدولي لتعليم وتعقب الأسلحة خطوة حيوية على هذا الطريق، على أمل الوصول يوماً إلى معاهدة دولية متكاملة لتجارة السلاح

وعلى الرغم من ذلك، فإن المعضلة لا تزال قائمة. ولا يزال ضحايا الأسلحة النارية في ازدياد مطرد. وقد قتل منذ عام 2006 أكثر من مليون شخص – أغلبهم من المدنيين- نتيجة اللجوء لهذه الأسلحة. وذهب أكثر من سبعمائة ألف من هؤلاء القتلى ضحية نزاعات سياسية.

ومع نهاية عام 2010، تشرد أكثر من 27.5 مليون شخص داخلياً بسبب النزاعات المسلحة، بينما لجأ ملايين آخرون إلى دول مجاورة.  

إننا اليوم بصدد فوضى غير مسبوقة على صعيد انتشار السلاح، وجدت إحدى خلفياتها في تدفق بركان الأسلحة المسروقة والمهربة من دول الاتحاد السوفياتي السابق، التي قدرت قيمتها السوقية بعشرات المليارات من الدولارات. والتي تمتد صنوفها من البنادق الشخصية إلى الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات، وما هو أكثر من ذلك. 

وأياً يكن سوء الواقع الدولي اليوم، فلا مناص من التصدي الحازم للمشكلات القائمة، والعمل على معالجتها. والبداية دائماً من البحث عن سبل كفيلة بتنظيم تجارة السلاح. وقد يكون الالتزام بالنظام الدولي لتعليم وتعقب الأسلحة خطوة حيوية على هذا الطريق، على أمل الوصول يوماً إلى معاهدة دولية متكاملة لتجارة السلاح.

إن المطلوب هو المحافظة على حياة الإنسان وحمايتها من شتى صنوف العنف. ولا بد من أن يكون ذلك هدفاً سامياً أعلى للأسرة الدولية، بكافة قواها الحية والفاعلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.