الائتلاف الوطني السوري.. المنظور الإستراتيجي

الائتلاف الوطني السوري والمنظور الإستراتيجي . الكاتب : مهنا الحبيل

 undefined

حسابات دقيقة أمام الثوار
مؤتمر الدوحة والتقييم السياسي
مسؤوليات مهمة للائتلاف

لم تكن الثورة السورية على مفترق طرق ينقل مشروع سوريا الجديدة إلى مسار منظور لحسمه النهائي، كما هو الوضع ما بعد الرسائل السياسية لمؤتمر الدوحة, وهو المؤتمر الذي يعد الإنجاز الميداني للثورة السورية وخاصة الجيش السوري الحر, الذي وصل الآن وبرأي غالبية المراقبين إلى عمليات الحصار الأخيرة لمواقع النظام والتهاوي السريع للمراكز الأمنية في مواقع ومدن متعددة حيث نجح الحصار العسكري للثوار في قطع إمداداتها العسكرية, وفشل النظام في الوصول إليها, إضافة إلى احتدام معارك أحياء دمشق واختناق النظام فيها.

إذن هذا التداعي الدولي والإقليمي والعربي, الذي كان يُحاصَر بموقف دولي مزدوج بين الغرب وموسكو استفادت منه إيران بالدعم المطلق والتاريخي للنظام, لم يكن ليقبل بقواعد لعبة جديدة للتعاطي مع الثورة السورية لولا رسالة تقدم الثورة المتوجه للحسم, والذي وصل إلى قطاع الجولان وإسقاط مواقع النظام في مقابل الجولان المحتل, وهو ما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى أن يعلن ذلك بنفسه ويؤكد استنفار القطاع العسكري في الجولان المحتل, وهو ما لم يتم بهذا المستوى طوال الثورة السورية, علما بأن هذا الإعلان سبق العدوان الأخير على غزة بثلاثة أيام فقط.

تتقدم الثورة إلى قطف الثمرة دون أن تُسقِط معايير الحذر من أي تدخلٍ كان أو شروط غربية في حين يَغتنم الثوار العبور من التقاطعات بمشروع الثورة وهدف الشعب المركزي

حسابات دقيقة أمام الثوار
أمام هذا البعد الإستراتيجي الزاحف أمام العالم حَصَلَت جولات مفاوضات عديدة بين عواصم عربية وتركيا قادت بمجملها إلى مرحلة خضوع من المعسكر الدولي إلى الإقرار بقضية زحف الثوار, وفُسح للتحالف العربي التركي للتقدم نحو مدار يسمح بالفعل لكي تستفيد الثورة السورية مما حققه جيشها على الأرض, ومن المهم للغاية أن لا يُستخدم الرصد لأي طرف ثوري أو أنصاره كمقاييس تفاعل عاطفي مجردة عن القراءة السياسية الدقيقة, وهي القراءة التي ستُعطي الصورة وضوحاً يجعلها تُقدّر أين هي فوائد التقدم السياسي في مشروع الائتلاف الوطني السوري.

وبالتالي تتقدم الثورة إلى قطف الثمرة دون أن تُسقِط معايير الحذر من أي تدخلٍ كان أو شروط غربية في حين يَغتنم الثوار العبور من التقاطعات بمشروع الثورة وهدف الشعب المركزي، وهو الخطة السياسية المفترضة لأي ثورة أو مشروع مقاومة, فالعبور السياسي الناجح سواءً جاء من ثوّار الداخل أو من مفوضيهم في العمل السياسي الخارجي هو جزءٌ من العمل الثوري لإقامة دولة العدل والاستقرار بحسب حضارة الشعب وهويته وتحريره من محتليه, والتمسّك بالرفض السياسي المطلق ليس بالضرورة مبادرة نجاح بل قد يكون كارثة على المشروع الثوري.

مؤتمر الدوحة والتقييم السياسي
في غمرة الازدحام الشديد للمواقف وأمطار التصريحات الغربية والإسرائيلية القلقة من صعود الثورة على المشهد وتهديدات الروس المنهارة أمام تصدع النظام، يذهب التصور الأولي فقط نحو قبول تعاطي الغرب مع منتج المبادرات إلى تصوّر تآمري مع إسقاط المشهد على ظروف هذا التقاطع الذي ذكرناه, في حين يُغفَل عن مصالح الثورة والشعب المهم أخذه بالاعتبار الأول في الرواق السياسي وهو ما تحصّل الآن بتقديري فعليا على الأرض ويبرز ذلك بالعناصر التالية:

1- العمق الدولي بكل عواصمه الرئيسية كان قبوله وحضوره الاضطراري لتأمين أي وضع ممكن لمفاهيمه الإستراتيجية للمنطقة، وفرق هنا بين الممكن والمطلوب الذي لم يعد بإمكانهم تحقيقه.

2- وضح بجلاء بعد مؤتمر الدوحة قوة التحالف الوطني الإسلامي في الائتلاف الذي ضمّ أطرافا عديدة مع المجلس الوطني من الداخل والخارج، وهو ما قوبل بفتور من موقف الغرب بعد ترحيبه الأول والتحفظ بما في ذلك باريس التي أعلنت تجاوبها مع قضية التسليح ثم اشترطت, وبرز ذلك في وصف الرئيس أوباما التسليح بأنه خطير لأنه قد يصل لأعداء إسرائيل في الجيش السوري الحر.

3- رضوخ الغرب وترحيبه الفاتر من مصلحة الثورة، وليس مطلوبا سياسيا أبدا استعداء الغرب بل القبول بمستوى ترحيبه الحذر لأجل مصلحة سوريا الجديدة.

4- الدعم السياسي الرئيس للمشروع الانتقالي والبعد الأساسي في تسهيل التسليح أعتقد أنه بدأ يتفاعل تدريجيا وهو مرتبط بموقف أنقرة القلق جداً من تسليم النظام المناطق ذات الغالبية الكردية لـ "بي كي كي" (حزب العمال الكردستاني) عبر فرع سوري له ووجود مكثف لعناصره, وقد أدرك الأتراك بعد نجاح الثوار في إحباط مشروع "بي كي كي" المركزي وتطويقهم له أهمية قوة الجيش السوري الحر.

5- تنفيذ الجيش السوري الحر واجباته الثورية والوطنية والعربية بحماية وحدة الأراضي السورية بالتنسيق مع التكتلات الوطنية والإسلامية للأكراد هي ضمن عقيدته القتالية المبدئية، ولا يمنع ذلك من الاستفادة من موقف أنقرة للخشية على الأمن القومي، وهذا أحد الأسباب الجوهرية لمساندة أنقرة للائتلاف.

6- مجمل المخاوف التركية تصاعدت من استثمار إيران لتطويل زمن الحرب ورقعتها وبالتالي سعت إلى دعم الدوحة والرياض لإنجاز مؤتمر الدوحة لتوحيد المعارضة.

ضم المؤتمر فريقا وطنيا مناضلا في طليعته هيثم المالح وغالبية قيادات التنسيقيات وممثلين شرعيين لقيادات من الجيش السوري الحر وتكتلاته الرئيسية, ستسهم في دعم المسيرة الانتقالية

7- الرياض والدوحة وكما شرحنا في المقال السابق بات من مصلحة استقرار الأمن القومي لمنطقتهم أن يدعموا هذا التوجه في تشكيل مشروع وطني انتقالي عاجل وإيجاد تحالف قوي يَعبر الفيتو الدولي وإن لم يُستجب لكل مطالباته.

8- أسقط التحالف الوطني الإسلامي شرطيْ ضغط على توحيد المعارضة في مسارين, استباق تعهدي لأمن إسرائيل وتطبيع سلام مع تل أبيب وإلزام الشعب بشرط دستوري غير انتخابي لعلمانية متطرفة تُلزم بها الثورة في حين تمسّكت القوى الوطنية بحق الشعب الحر بميثاقه الدستوري, والوعي الإسلامي السوري قادر على تحقيق دستور مدني حر لكل أبناء شعبه دون مصادمة لقطعيات الشرع.

9- ضمِن المؤتمر ضم فريق وطني مناضل في طليعتهم هيثم المالح وغالبية قيادات التنسيقيات وممثلين شرعيين لقيادات من الجيش السوري الحر وتكتلاته الرئيسية, كلها أوجدت فضاءً أكبر من المجلس الوطني للمساهمة في المرحلة الانتقالية الكبرى لدعم مسيرة الائتلاف.

10- حافظ المجلس الوطني على قدراته ووجه رسالة وطنية وإنسانية بالغة وبمشاركة أصوات الإخوان بانتخاب المناضل الوطني الثوري المسيحي جورج صبرا الذي هتفت له المساجد في بلدته السورية, في حين خرج المجلس من التوافق إلى الاختيار الحر وأضحى أقوى من مرحلته السابقة كضامن رئيس لصمود الائتلاف الوطني.

11- تمّ اختيار شخصية إسلامية وهو الشيخ والمفكر معاذ الخطيب كرئيس انتقالي يمثل الضمير الوطني والإسلامي للثورة السورية بحسب توجهات الشعب وذات حضور فكري وحقوقي وإنساني فاعل أمام كل مكونات الشعب السوري مع موازنة لمساعديه تمثل أطياف الشعب.

12- أقر الائتلاف الوطني ثلاثة هياكل رئيسية تُمهّد لاستلام فعلي للثورة وتأسيس لضبط الشارع المدني والقتالي عند أول سقوط النظام وبالتالي التأسيس المهم جدا للمرحلة الانتقالية.

13- قبلت الأطراف العربية وتركيا بنتائج مقررات الائتلاف الوطني وبادرت بالاعتراف به ممثلا شرعيا وحملت ذلك للجامعة العربية وأطراف عديدة، ولم يعد يضر الائتلاف التحفظ الغربي لكون الميدان هو المهم وقد أعلن الميدان تأييده بجمعة دعم الائتلاف الوطني السوري.

هنا وبعد هذا العرض التفصيلي يتبين لنا أن المنظور الإستراتيجي للمشروع يصب في صالح الثورة والشعب قبل أي طرف آخر, شريطة أن تحافظ الأطراف السورية على روح التوازن والشراكة مع توقعات بأن تفي الدوحة والرياض وأنقرة بوعود تسهيل وصول السلاح النوعي للجيش السوري الحر.

مسؤوليات مهمة للائتلاف
هذه الحصيلة مخزون نظري مهم يحتاج إلى عدة خطوات لتحويله إلى مسار تنفيذي شامل من قبل هيئة الائتلاف الوطني، وهي كالتالي:

أولاً: الهدف المركزي هو تمكين الجيش السوري الحر من الحسم وعدم التقاعس عنه بأي عمل سياسي مع زيادة الاندماج السياسي معه وملاصقة شأنه, والتأسيس للمرحة الانتقالية ببرنامج مدني ودستوري.

ثانياً: التوجه الفاعل الحيوي نحو القوى السلفية المحلية وطمأنة من تحفّظ منها وتأكيد شراكتها الحيوية سواءً داخل ألوية الجيش السوري الحر أو خارجه.

رابعاً: فيما يتعلق بجبهة النصرة أو أي مقاتل عربي، وهم قلة قليلة دخلوا لدفع الصائل كما هي التسمية الشرعية المتداولة لديهم، فمن ليس له مشروع سياسي دولي يصر على تنفيذه رغماً عن إرادة الشعب, يجب أن يكرم وتتاح له فرصة الخروج الآمن والتقدير لتضحياته، وأفضل من تعامل مع هذه الظاهرة رئيس البوسنة علي عزت بيغوفيتش قبل أن يغدروا بهم بعد رحيله.

المهم في هذه المرحلة الحاسمة أن نحذر من إعطاء تواريخ سريعة للحسم ومن التخفيف من أهمية التمشيط لما بعد سقوط النظام, مع أهمية تجسيد التشكيل الوطني للتفاعل شعبيا مع المجتمع

ومن المهم أن تعي وزارات الداخلية العربية قضية عدم مطاردة هؤلاء الشباب حين يرجعون لبلدانهم بعد تحرير سوريا كأشخاص لا علاقة لهم بأي تنظيم أتوا بدافع التضامن, وفَسح المجال أمامهم للانسجام المدني مع أهاليهم، فالتصعيد عليهم سيخلق مشكلة لهم ولبلدانهم، في حين مبادرتهم أتت في فورة تضامن لمشاعر صادقة ثم اختتمت بهدوء, رغم موقفنا المعروف المكرر من رفض توجه الشباب العربي لسوريا أو لأي بلد وترك المقاومة لأهلها للمصلحة الشرعية والوطنية العليا.

خامساً: أمام الرئيس الانتقالي وفريقه وقت ضيّق لاتخاذ قرار الدخول إلى سوريا والتنقل منها وإليها بعد أن تم تأمين مناطق واسعة منها, فتوثيق وجود مكتب للرئيس ولو تردد عليه في الداخل دون إقامة دائمة أمر مهم جداً, لعقد الاجتماعات والتنسيق مع قوى الداخل كلها.

والمهم، وفي هذه المرحلة الحاسمة التي تؤكّد كل المؤشرات على انهيار النظام، أن نحذر من إعطاء تواريخ سريعة للحسم ومن التخفيف من أهمية التمشيط لما بعد سقوط النظام, مع أهمية تجسيد هذا التشكيل الوطني للتفاعل شعبيا مع المجتمع, وأهم ما سيحفظ طريق النصر بعد نهر الدماء أن يقدموا للشهداء دليل وحدتهم مع هذا المشروع بالحفاظ على الوحدة والتنازل عن الطموح الشخصي لأي ثائر سياسي أو عسكري.

فحق الشهداء وتمام رحلة النضال لكل ثائر أن تتقدم أو تتأخر حين تختارك الثورة، ومصلحة الشعب وليس لمصلحة تنظيمك أو لوائك، حينها لن يُحبط جهادك وسعيك, ويتقدم لواء سوريا الحرة العربية الذي قدم الشهداء أرواحهم قرابين لها وضحّت لأجلها حرائرهم وأنفسهم الزكية. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.