الثورات العربية بين المساجد وساحات التحرير
" كان الدين الإسلامي دائما دافعا قويا ومصدرا لطاقة المقاومة بالنسبة للجماعات والأفراد حينما يجدون أنفسهم في موقف تصارعي مع أي طرف يرون فيه خطرا على حريتهم وهويتهم وكرامتهم " |
كان الدين الإسلامي دائما دافعا قويا ومصدرا لطاقة المقاومة بالنسبة للجماعات والأفراد حينما يجدون أنفسهم في موقف تصارعي مع أي طرف يرون فيه خطرا على حريتهم وهويتهم وكرامتهم، وعادة ما يزداد حجم دور الدين وحضوره في الصراع كلما أحس هؤلاء بقوة الخصم وتفوقه ماديا أو عدديا وذلك كمعادل معنوي ونفسي في مواجهة التفوق المادي، وهذا ما يبدو عليه الحال في مشهد الصراع بين الشعوب العربية الثائرة وحكامها الأقوياء الذين تتمثل مصادر وعوامل قوتهم في:
1- سيطرتهم المطلقة وتعميرهم في السلطة حيث تجاوز بعضهم مثل القذافي أكثر من أربعة عقود، وهذا أتاح لهم الفرصة للتغلغل في نسيج المجتمع وبناء علاقات مع بعض الفئات الاجتماعية التي أصبحت مراكز قوة تعكس العلاقة غير السوية بين المال والسلطة, ورغم أن هذه الفئات تمثل أقلية في المجتمع فإنها الأكثر قوة وفاعلية عندما تقف بجانب النظام.
2- عدم وجود كوابح قيمية وأخلاقية تردع تصرفات وأفعال هؤلاء الحكام في صراعهم مع شعوبهم، وبما أنهم يملكون قوة الحديد والنار ويسيطرون عليها داخل الإقليم فإن هذه الشعوب تجد نفسها أمام آلة قتل عمياء تخيرهم بين الذبح أو الاستسلام للعبودية, فإن حاولت هذه الشعوب التمرد على هذين الخيارين فليس أمامها سوى محاولة الدفاع عن نفسها بما يقع بين يديها من وسائل، أي مبادلة العنف بالعنف على طريقة الثورة الليبية.
3- ارتباط هؤلاء الحكام بعلاقات إقليمية ودولية طيلة عقود وجودهم في السلطة، فقد نشأت علاقات متشابكة بينهم وبين مؤسسات وشركات وعصابات عابرة للحدود تتحدى قرارات ومواقف حكومات بلدانهم لتقدم لهؤلاء الحكام كل ما يحتاجونه في صراعهم مع شعوبهم كما هو واضح من الحالة الليبية حيث لا يزال القذافي يحصل على كل ما يحتاجه من سلاح ومواد تعينه على حربه ضد الشعب الليبي رغم قرارات الحظر وتجميد الأموال.
" وجدت الشعوب العربية نفسها في مواجهة حكام يتمترسون خلف قلاع سلطتهم مزودين بكل أسباب القوة المادية مجردين من كل وازع أخلاقي " |
لقد وجدت هذه الشعوب نفسها في مواجهة حكام يتمترسون خلف قلاع سلطتهم مزودين بكل أسباب القوة المادية مجردين من كل وازع أخلاقي فبدت المواجهة بين طرفين أحدهما قوي وظالم والآخر ضعيف وصاحب حق, وبالتالي فإن هذا الأخير عليه إذا كان مصمما على التحدي، أن يبحث عن مصادر القوة التي في متناول يده ومن هنا يأتي الدين أحد هذه المصادر التي تزود الفرد بشحنة معنوية ونفسية وتشحذ همم الجماعة في لحظة التحدي لشعورها بالتماهي مع قوة الله التي هي أعظم من قوة الظالم الفانية.
أولا- أنهما يتحركان على ذات المساحة الواقعة بين المسجد والساحة وكلاهما يحتاج إلى الآخر رغم المزاحمة لأنه ليس كل من يرتادون المسجد مرجعياتهم السياسية دينية وبنفس القدر فإنه ليس كل من يرتادون الساحة هم ذوو مرجعيات سياسية مدنية، فالذين يكبرون في المساجد قليل منهم يحلمون بدولة دينية وكذا الأمر بالنسبة لمن يرددون الهتافات في ساحة التحرير فهؤلاء أيضا لا يطالبون جميعهم بدولة مدنية.
" في التغيرات والصراعات المجتمعية كثيرا ما يكون الدين حاضرا بشكل أو بآخر وذلك عبر محاولة توظيفه من قبل بعض أطراف الصراع أو محاولة تحييده من جانب الأطراف الأخرى " |
عندما انتفضت شعوب أوروبا الشرقية ضد أنظمتها السياسية الشمولية كان للدين دور ملحوظ في تعبئة مشاعر الجماهير الثائرة، ففي بولندا لعبت الكنيسة دورا كبيرا في مساندة نقابة التضامن البولندية حتى أصبح "مون سنيور غليم" رئيس كنيسة عموم بولندا يتمتع بشعبية لا تقل عن شعبية "ليش
فاليسا" رئيس نقابة التضامن، غير أن هذا الدور لم يتجاوز حد التعبئة المعنوية والروحية إبان مرحلة الصراع ثم تراجع عندما بدأت مرحلة رسم ملامح المستقبل السياسي لتلك المجتمعات.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.