تفجيرات أوغندا والدور العربي المفقود

العنوان: تفجيرات أوغندة والدور العربي المفقود



محاولة للفهم والتفسير
الأبعاد والدلالات
الغياب العربي

بينما كان عشاق كرة القدم العالمية يتابعون بشغف بالغ المباراة الختامية بين إسبانيا وهولندا مساء الأحد الموافق 11 يوليو/تموز الحالي، هزت العاصمة الأوغندية كمبالا أصوات انفجارات مرعبة لم تعهد البلاد مثلها منذ سنوات طويلة. وقد نجم عن هذه التفجيرات العنيفة مقتل نحو (74) شخصاً وجرح مثل هذا العدد، وهو ما يجعل هذا الحدث هو الأسوأ في تاريخ أوغندا الحديث.

على أن ارتباط هذه التفجيرات بعناصر تنظيم القاعدة التابعة لحركة الشباب المجاهدين -التي تكاد تسيطر على معظم أرجاء الصومال- يطرح العديد من التساؤلات حول الأبعاد والدلالات التي يعكسها هذا التطور الفارق في المشهد الصومالي، إذ يلاحظ أن تفجيرات أوغندا تمثل أول عمل عنيف تقوم به حركة الشباب الصومالية خارج نطاقها الوطني الصومالي حتى بمعناه الكبير.

محاولة للفهم والتفسير
لم يكن مثل هذا الهجوم مستبعداً على الإطلاق من قبل أي متابع لتطورات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي. فقد دأب قادة وشيوخ الحركات الجهادية في الصومال منذ عامين على دعوة المجاهدين إلى استهداف مواقع مختارة داخل الأراضي الأوغندية والبوروندية، نظراً لمشاركة هذين البلدين في قوات حفظ السلام الأفريقية العاملة في الصومال (أميسوم).

وعادة ما ينظر في خطب وأدبيات حركة الشباب الصومالية إلى كل من أوغندا وبوروندي وإثيوبيا على أنها تمثل "بلاد الكفر" في أفريقيا. وبعد انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال أوائل عام 2009 انصب جام غضب المجاهدين الصوماليين على أوغندا بحسبان أنها تساهم بالنصيب الأكبر في قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال (نحو 2700 جندي أوغندي). وعليه فلم يكن مستغرباً أن يعرب الشيخ يوسف شيخ عيسى أحد قادة الشباب عن سعادته بوقوع هجمات كمبالا. يقول الرجل أمام وفد من الصحفيين: "إن أوغندا واحدة من أبرز أعدائنا. وإن ما يبكيهم يسعدنا".

"
بات واضحاً من نجاح تخطيط وتنفيذ عملية كمبالا، أن حركة الشباب المجاهدين أصبحت قادرة على تهديد منظومة الأمن الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي، من خلال استهداف أمن دول الجوار الأفريقية
"

على أنه من الملاحظ قبل هجوم كمبالا أن تهديدات الشباب المجاهدين لم تكن تؤخذ على محمل الجد، باعتبار أن نطاق عمليات مجاهديهم لا تتجاوز الأراضي الصومالية. ولا أدل على ذلك من أن الشيخ مختار روبو أبو منصور قد دعا صراحة في الخامس من يوليو/تموز 2010، أي قبل أيام قلائل من هجوم كمبالا، كل المقاتلين المسلمين في كافة أنحاء العالم إلى مهاجمة سفارات كل من أوغندا وبوروندي في العواصم العالمية.

وبدهي أن موقف الشباب المجاهدين يستند إلى مبررات أيدولوجية ووطنية من وجهة نظرهم. إذ تمثل القوات الأفريقية في مقديشو العقبة الوحيدة أمامهم للسيطرة على كامل الصومال وإعلان دولة الإمارة الإسلامية. فحكومة الشيخ شريف شيخ أحمد تبدو عاجزة ومنقسمة على نفسها، وهي فوق ذلك كله حبيسة ضاحية واحدة من ضواحي مقديشو، وتحيط بها القوات الأفريقية من كل صوب وجهة.

وعلى أي حال فإن توقيت ومكان تفجيرات أوغندا يدعو إلى إقامة علاقة ارتباطية بينها وبين إعلان دول الهيئة الحكومية للتنمية -المعروفة باسم إيغاد- والتي تضم ست دول في شرق أفريقيا أثناء قمتها الأخيرة في أديس أبابا عن التزامها بزيادة عدد القوات الأفريقية العاملة في الصومال بنحو ألفي جندي. وعليه فإن حركة الشباب المجاهدين أرادت توجيه رسالة تحذيرية لكل دول الجوار الأفريقية بعدم التورط عسكرياً في الشأن الصومالي.

لقد بات واضحاً من نجاح تخطيط وتنفيذ عملية كمبالا، إضافة إلى ما أحدثته من تداعيات وتأثيرات أن حركة الشباب المجاهدين باتت قادرة على تهديد منظومة الأمن الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي، من خلال استهداف أمن دول الجوار الأفريقية. وربما يعزى ذلك لأكثر من عامل واحد. فقد استطاعت الحركة زيادة وتنويع مصادر تمويلها من خلال ابتزاز رجال الأعمال والشركات التجارية والحصول على بعض موارد الموانئ، وتحويل جانب كبير من المساعدات الإنسانية لصالحها. ومن جهة أخرى تستفيد حركة الشباب من تعاونها مع بعض الجماعات الجهادية المسلحة في اليمن.

ويلاحظ أن مصادر التمويل المادية الأخرى للشباب المجاهدين تشمل بعض دول الجوار الأفريقية والعربية، بالإضافة إلى الجاليات الصومالية في الخارج. كما تعمد الحركة كذلك إلى تجنيد مزيد من الشباب داخل الصومال وخارجه.

الأبعاد والدلالات
قد يميل البعض إلى تصوير تفجيرات أوغندا بأنها مجرد عمل إرهابي حتى يتم استخدامها مبررا ومسوغا للحملة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية باسم الحرب ضد الإرهاب. كما أن رد فعل الحكومة الأوغندية بأنها لن ترضخ للتهديد أو الترهيب، وأنها عازمة على الاستمرار في قوات حفظ السلام الأفريقية بالصومال، يدفع إلى ضرورة التركيز على الأبعاد الأخرى لهذه التفجيرات ولاسيما تلك المتعلقة بالأمن الإقليمي في منطقة شرق أفريقيا بمعناها الواسع. وهنا تمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات المهمة:

1- لقد استطاعت حركة الشباب المجاهدين أن توجه رسالة قوية إلى دول الجوار الأفريقية والمؤسسات الدولية المنخرطة في الشأن الصومالي بضرورة الابتعاد وعدم تدويل القضية الصومالية. إذ إن تهديدات الحركة اكتسبت ولأول مرة نوعاً من المصداقية. وربما يفكر البعض الآن في مصداقية التهديدات التي أطلقتها القاعدة عام 2007 باستهداف القوات الدولية العاملة في إقليم دارفور. وإذا علمنا مدى ضعف وهشاشة الدول الأفريقية فإن مثل هذه التهديدات سوف تكون مبرراً كافياً لامتناع هذه الدول عن تقديم الدعم والمساعدة في عمليات إحلال السلام وإعمار الصومال، نظراً للكلفة السياسية والأمنية التي ينطوي عليها مثل هذا التورط في الملف الصومالي.

2- يمثل الهجوم على أوغندا فرصة مناسبة لضرورة التأكيد على البعد الإقليمي والدولي للصراع في الصومال. وقد أرادت حركة الشباب من تنفيذ هذا الهجوم التعبير عن إحباطها من الإستراتيجيات الإقليمية والدولية التي تعاطت مع الملف الصومالي منذ البداية. وقد اتسمت الحلول الدولية والإقليمية للدراما الصومالية بعدم الفهم وعدم الإدراك الواعي لطبيعة النزاع وأسبابه الحقيقية. ولا أدل على ذلك من القرار الإثيوبي غير المدروس بغزو الصومال أواخر عام 2006. وعليه فإن هذا الهجوم يمثل درساً مهماً حول أهمية بناء منظومة أمنية متكاملة تشمل كافة الأطراف والقوى الفاعلة في دول المنطقة.

"
يطرح هجوم أوغندا العديد من التساؤلات حول طبيعة الصراعات التي شهدتها العديد من الدول في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وهو ما يشير إلى ضرورة مراجعة مفهوم وجدوى حفظ السلام الدولي
"

3- يطرح هجوم أوغندا كذلك العديد من التساؤلات حول طبيعة الصراعات التي شهدتها العديد من الدول في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وهو ما يشير إلى ضرورة مراجعة مفهوم وجدوى حفظ السلام الدولي. لقد اتسمت هذه الصراعات البينية داخل الدول والتي تتجاوز في كثير من الأحيان حدودها الإقليمية بوجود جماعات وتنظيمات فاعلة غير الدول تستطيع أن تشكل تهديداً حقيقياً للأمن الأفريقي. وتعطي الصومال مثالاً واضحاً في هذا السياق. وعليه فإن إرسال قوات دولية لحفظ السلام في مثل هذه السياقات والمواقف يعد أمراً غير ذي جدوى إذا لم يتم البحث في الأسباب الحقيقية المفضية للصراع.

4- إن حقيقة ما يجري في الصومال هي أنه حرب شاملة أقرب ما تكون إلى الحالة العبثية التي وصفها المفكر البريطاني جون هوبز بأنها "حرب الكل ضد الكل". وعليه فإنه لا يمكن فهم طبيعة وجود قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال. إذ ليس ثمة سلام لكي يحفظ. والمثير للاستغراب كذلك أن خيار التدخل العسكري غير قادم. وفي اعتقادي أن الدرس الذي طرحه إقليم أرض الصومال -الذي أعلن استقلاله من طرف واحد عام 1991- يمثل نموذجا مهماً في كيفية بناء توافق وطني صومالي دون تدخلات خارجية.

5- تحتاج الأطراف الإقليمية والدولية اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة النظر والتفكير في مبدأ التدخل الدولي لأغراض إنسانية وأمنية، وذلك على ضوء الفشل في الخبرة الصومالية. فقد وقعت أخطاء واضحة في تجربة التدخل الأممي في الصومال منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تارة تحت غطاء "اليونوسوم"، وتارة أخرى تحت غطاء قوات إعادة الأمل للصومال بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.

فالمجتمع الدولي بحاجة ماسة إلى صياغة إستراتيجية متكاملة ذات أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية للتعامل مع الملف الصومالي، بهدف بناء السلم والأمن في كافة أنحاء الصومال. ويعني ذلك ببساطة شديدة أن التعامل مع ما يمكن أن نسميه "المرض الصومالي" ينبغي أن يتجاوز مرحلة الوقوف عند الأعراض مثل القرصنة وانعدام الأمن وانتقال عدواه إلى دول الجوار، وعوضاً عن ذلك يتم التعامل مع الأسباب الحقيقية المفضية إلى هذا المرض.

بالإضافة إلى الأبعاد السابقة، فإن تفجيرات أوغندا تحمل دلالتين أساسيتين لهما تأثير واضح على مستقبل الصومال والمنطقة عموماً، أولاهما أن الحكومة الصومالية الانتقالية قد أضحت عاجزة تماماً وفي حالة موت سريري، فمؤسساتها بما فيها البرلمان تكاد لا تؤدي عملها الروتيني. أضف إلى ذلك أنها تعاني من أزمة شرعية وأزمة قيادة.

ففي 17 مايو/أيار 2010 أدى صراع السلطة مع رئيس الوزراء إلى استقالة رئيس البرلمان. أما الدلالة الثانية فإنها ترتبط بالاتحاد الأفريقي ودول الجوار، حيث أصبح الجدل الدائر هنا يشير إلى الحكمة من الاستمرار في دعم حكومة صومالية ضعيفة ومنقسمة على نفسها. وعليه يصبح السؤال المطروح متعلقا بجدوى استمرار قوات حفظ السلام الأفريقية في ظل عدم وجود أفق واضح لعملية سياسية وسلمية فاعلة في الصومال.

الغياب العربي

"
الجميع حاول أن يجرب حظه مع المعضلة الصومالية، حتى تركيا استضافت هذا العام مؤتمراً دولياً حاشدا من أجل إعادة إعمار الصومال، أما نحن العرب فجعلنا نصب أعيننا دائماً المثل العامي الدارج "أذن من طين وأخرى من عجين"
"

لعل ما يثير الدهشة والاستغراب أن العالم العربي -الذي فشل في التعاون مع أزماته التي تنال مناطق القلب فيه مثل فلسطين والعراق- يكاد يهمل أطرافه في الصومال والسودان ليتركها تسير في طريق المجهول.

لقد حاول الجميع أن يجرب حظه مع المعضلة الصومالية، حتى تركيا استضافت هذا العام مؤتمراً دولياً حاشدا من أجل إعادة إعمار الصومال، أما نحن العرب فجعلنا نصب أعيننا دائماً المثل العامي الدارج "أذن من طين وأخرى من عجين"، وأصبح الملف الصومالي على خطورته -كما هو الحال بالنسبة للملف السوداني- لا يتجاوز نطاق التصريحات والبيانات المكررة من قبل القادة والمسؤولين العرب.

أحسب أن منطقة شرق أفريقيا تشهد اليوم تغيرات جيوإستراتيجية خطيرة سوف تفضي في الأجل القصير إلى إعادة رسم خريطة المنطقة، وهو ما يؤثر يقيناً على الأمن القومي العربي. فالاستفتاء المقرر في جنوب السودان أوائل العام القادم أغلب الظن أنه سوف يؤدي إلى دولة جنوبية تميل من حيث الهوى والجغرافيا إلى الارتباط بمنظومة شرق أفريقيا، كما أن تفجيرات أوغندا سوف تعزز من تصميم دول شرق أفريقيا على تقوية توجهاتها الاندماجية الخاصة بالتكامل الإقليمي لمواجهة هذه التهديدات الأمنية الخطيرة.

فأين العرب من كل هذا؟ أظن أن الاكتفاء بدور المتفرج سوف يجعلنا دائماً خارج هذه التفاعلات والتطورات التي تجري من حولنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.