العلاقات الأطلسية الروسية بعد القمة الستينية

العلاقات الأطلسية الروسية بعد قمة الستينية



عناصر العلاقة بين الحلف والاتحاد الروسي
طبيعة العلاقات قبل القمة الستينية
العوامل المؤثرة على القمة
موقف القمة من القضايا
المتوقع في العلاقات الروسية الأطلسية

انعقدت قمة حلف شمال الأطلسي في كل من ستراسبورغ بفرنسا وكيهل بألمانيا في الفترة من الثالث إلى الرابع من أبريل/ نيسان 2009، وتميز الاجتماع بأنه ينعقد بمناسبة مرور ستين عاما على توقيع معاهدة واشنطن عام 1949 التي أنشأت الحلف.

وإذا كانت المعاهدة قد أنشئت لمواجهة التهديد الذي كان يمثله الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت لكل من أوروبا وأميركا، فإن الظروف التي انعقدت فيها قمة الحلف عام 2009 لم تكن خالية من موضوعات التوتر بين الحلف والاتحاد الروسي الذي ورث القسم الأكبر من الاتحاد السوفياتي الذي انهار بنهاية عام 1991.

عناصر العلاقة بين الحلف والاتحاد الروسي

"
اشتملت عناصر العلاقة بين الحلف والاتحاد الروسي على أوجه تعاون كما اشتملت على أوجه خلاف، بينما هناك قضايا خلاف دون أن يكون لأي منهما علاقة مباشرة مثل الموقف من المشروع النووي الإيراني والبرنامج الصاروخي لكوريا الشمالية
"

اشتملت عناصر العلاقة بين الحلف والاتحاد الروسي على عدة قضايا يمكن حصرها في الموقف حول كوسوفو، ومكافحة الإرهاب والتعاون العسكري من خلال التدريبات المشتركة وتدريب الأفراد، والتعاون في أفغانستان بتدريب ضباط من أفغانستان ووسط آسيا في دورات مكافحة المخدرات بالتعاون مع الأمم المتحدة، ونقل شحنات غير عسكرية لدعم عملية الحلف في أفغانستان والتعاون الصناعي، والتعاون في مجال تبادل العمليات، وفي مجال منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ووسائل توصيلها إلى أهدافها، ومجالات أخرى مثل دوريات القاذفات بالقرب من المياه الإقليمية للجانبين وحاملات الطائرات واستقلال كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية باعتبارهما أجزاء من جورجيا وضرورة انسحاب القوات الروسية من بعض مناطق جورجيا وفقا لطلب الحلف، وامتداد الحلف شرقا في دول حلف وارسو وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقين، وإقامة عناصر الدرع الصاروخي الأميركي بالقرب من الحدود الروسية في كل من بولندا وتشيكيا، والالتزام بمعاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا.

وهي قضايا اشتملت على عناصر تعاون بين الحلف والاتحاد الروسي كما اشتملت على أوجه خلاف، بينما هناك قضايا اختلف موقف الاتحاد الروسي عن الحلف دون أن يكون لأي منهما علاقة مباشرة مثل الموقف من المشروع النووي الإيراني والبرنامج الصاروخي لكوريا الشمالية.

طبيعة العلاقات قبل القمة
اشتملت العلاقات الروسية الأطلسية على عناصر تعاون وأخرى خلافية، ولكن العلاقات كانت تتسم بالتوتر خاصة بعد أزمة جورجيا والتي جاءت بعد الموافقة على إعلان استقلال كوسوفو وهو ما عارضه الاتحاد الروسي.

ويمكن تلخيص عناصر التعاون في: تدريب الاتحاد الروسي لضباط افغان وآخرين على مكافحة المخدرات، ومكافحة الإرهاب، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ونقل شحنات غير عسكرية لدعم عملية الحلف في أفغانستان والتعاون الصناعي، والتعاون في مجال تبادل العمليات.

أما الخلافات بين الاتحاد الروسي وحلف شمال الأطلسي فتشتمل على باقي العناصر وأهمها امتداد حلف شمال الأطلسي شرقا، وإقامة الدرع الصاروخي في دول قريبة من حدود الاتحاد الروسي بولندا وتشيكيا، ثم الصراع الذي دار في جورجيا واعتراف الاتحاد الروسي باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وتعليق الاتحاد الروسي لالتزامه بمعاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا.

هناك أيضا استئناف الاتحاد الروسي لدوريات القاذفات الإستراتيجية بالقرب من المياه الإقليمية للولايات المتحدة وحاملات طائراتها، وقيام طائرات أميركية بدوريات قرب الحدود الروسية.

العوامل المؤثرة على القمة
كان من أهم العوامل التي أثرت على أعمال قمة الأطلسي عموما والعلاقات الروسية الأطلسية ضمنها ما يلي:

*الأزمة المالية العالمية التي جعلت الأعضاء لا يقبلون على التعهد بالتزامات جديدة حتى ولو كان ذلك لتنفيذ قرارات وافقوا عليها، هكذا بدت القرارات كما لو كانت مجرد تأكيد لقرارات سابقة أو لمبادئ عامة دون التزام حقيقي بتقديم ما يمكن أن يساعد على تنفيذ القرارات وتطبيق المبادئ العامة.

"
من أهم العوامل التي أثرت على أعمال قمة الأطلسي والعلاقات الروسية: الأزمة المالية العالمية, وتولي إدارة أميركية جديدة تعتمد التغيير شعارا لها، وانضمام دول جديدة إلى الحلف, وعودة فرنسا إلى أجهزة الحلف 
"

*القرارات السابقة التي وافق عليها بعض الرؤساء والزعماء الحاليين، حيث لم يجر تغييرهم، كانت حائلا دون تغيير جذري في أية قضية حيث يعني تناقضا مع ما سبقت الموافقة عليه.

*تولي إدارة جديدة للولايات المتحدة الأميركية تعتمد التغيير شعارا لها، وهو ما دفع إلى اتخاذ قرارات تتسم ببعض المرونة والغموض بما يوفق بين ما سبقت الموافقة عليه، وبين ما يهدف إليه الإدارة الأميركية الجديدة.

*انضمام دول جديدة إلى الحلف لها آراء مسبقة حيال بعض القضايا نتيجة مواقف سابقة حول البلقان.

*عودة فرنسا إلى أجهزة الحلف بما يدعو إلى الاعتقاد بأن الحلف على ما يبدو نحو مناسب لما اشتهر به الرئيس الفرنسي.

موقف القمة من القضايا
يبدو موقف الحلف من خلال كل من "الإعلان عن أمن الحلف" وكذا "إعلان قمة ستراسبورغ/كيهل" اللذين صدرا عن الاجتماع المذكور، وقد يلخص ما جاء في "الإعلان عن أمن الحلف" الأمر، حيث جاء ذكر العلاقة مع الاتحاد الروسي قرب نهاية الإعلان، كما أنه اكتفى بالإشارة إلى مبادئ اتفاق تأسيس العلاقات بين روسيا والحلف عام 1997، وإعلان روما عام 2002 وأنهما يخدمان أمن المنطقة الأوروبية الأطلسية بأحسن ما يكون، وأن الحلف "على استعداد للتعاون مع روسيا لمقابلة التحديات المشتركة التي نواجهها"، وهو ما يعني أن الحلف لا يرى ما يحتاج إلى عمل أو إعادة نظر، وكل الأمر هو تنفيذ ما سبق الاتفاق عليه.

وقد تأكد ذلك في المادة 33 من إعلان القمة حيث أشار إلى أن الشراكة الأطلسية الروسية كانت قد اعتبرت عنصرا إستراتيجيا في دعم الأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية، وعبر الحلف عن التزامه بذلك الحوار والتعاون بينه وروسيا، وتمسكه بمبادئ الاتفاق السابق عام 1998 واتفاق روما عام 2002، وأشار الإعلان إلى أن الحوار والتعاون مع روسيا قد عانى من اختلافات هامة حول عدد من الموضوعات منذ القمة السابقة، وأن الحلف سيستمر في تقييم التطورات في العلاقة مع روسيا بما يعني أن الحلف لم يصل إلى تقييم نهائي ولا تصور للحلول.

وفي المادة 35 من الإعلان نفسه نجد الحلف يشير إلى عناصر التعاون مع روسيا باعتبارها موضوعات ذات اهتمام مشترك، ولم يتطرق لا إلى مستوى التعاون ولا إلى تطوره، واكتفى بالقول إنه يتطلع إلى إعادة عقد اجتماعات مجلس الحلف-روسيا كمنتدى للحوار السياسي حول الموضوعات بما في ذلك الاجتماع على المستوى الوزاري، وأن الحلف مقتنع بأن مجلس الحلف-روسيا لم يستنفد قدراته، وأنه مستعد لتقييم إمكانيات جعلها أكثر فاعلية وأداة ثمينة للحوار السياسي والتعاون العملي.

وقد كانت هذه هي المادة الوحيدة التي اشتملت على تغير في سياسة الأطلسي، حيث كان الحلف قد أوقف اجتماعات مجلس الحلف-روسيا على أثر أزمة جورجيا.

وقد ذكرت هنا عناصر الاهتمام المشترك بأنها: استقرار أفغانستان، وضبط التسلح، ونزع السلاح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك وسائل توصيلها، وإدارة الأزمات، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة المخدرات، ومكافحة القرصنة.

 بينما أهمل دور روسيا في إمداد قوات الحلف في أفغانستان باحتياجات غير عسكرية، والتعاون الصناعي والتعاون في تبادل العمليات، وإدارة الأزمات.

جاءت أزمة جورجيا بالمرتبة التالية في الإعلان النهائي حيث حث الحلف روسيا بأن "تفي بالتزاماتها باحترام جورجيا على نحو ما اتفق عليه مع توسط الاتحاد الأوروبي يوم 12 أغسطس/ آب و8  سبتمبر/ أيلول 2008″، وفي هذا السياق رأي الحلف أن "انسحاب روسيا من المناطق التي تعهدت بتركها ضروري".

كما رحب الحلف بالخطوات التي اتخذت لتطبيق هذه الالتزامات، وأن الانسحاب ما يزال غير كامل. وأدان اعتراف روسيا بمناطق أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا كدول مستقلة، ويستمر في دعوة روسيا إلى الرجوع عن الاعتراف الذي يتناقض مع القيم والمبادئ المؤسسة للمجلس الروسي الأطلسي، ومبادئ منظمة السلم والتعاون في أوروبا التي قام عليها أمن أوروبا، وقرارات مجلس أمن الأمم المتحدة المتعلقة بوحدة أراضي جورجيا وهو ما سبق أن وافقت عليها روسيا، بالإضافة إلى ذلك فإن تنامي الوجود العسكري الروسي في مناطق جورجيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية دون موافقة حكومة جورجيا يثير اهتمام الحلف.

هكذا تجاهل الحلف أن جديدا قد نشأ في جورجيا، وأن هذا يتطلب إعادة النظر فيما سبق، وألا ينتظر أن تستجيب روسيا لطلباته لمجرد الطلب. بل إن القمة قد دعت إلى تفويض جديد لقوة مراقبي الأمم المتحدة في جورجيا، وإلى تفويض جديد لمهمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وإلى حرية وصول مراقبي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى كل مناطق جورجيا بما فيها أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.

"
عالجت القمة الأطلسية قضايا امتداد الحلف شرقا بنفس الروح السابقة حيث أكدت قرار بوخارست بأن تصبح كل من أوكرانيا وجورجيا أعضاء في الحلف, بما يعني أن الحلف لم يسع إلى طمأنة روسيا الاتحادية بتوقف امتداده شرقا إلى حدودها
"

عالجت القمة الأطلسية قضايا امتداد الحلف شرقا بنفس الروح السابقة، حيث أكدت قرار بوخارست بأن تصبح كل من أوكرانيا وجورجيا أعضاء في الحلف وتأكيد القرار بكل عناصره، وتشجيعهما على التقدم في إصلاحاتهما المتعلقة بالانضمام لعضوية الحلف بما يعني أن الحلف لم يسع إلى طمأنة روسيا الاتحادية بتوقف امتداده شرقا إلى حدودها.

لم تغير القمة موقف الحلف من قضية الدفاع الصاروخي حيث كلفت المجلس في انعقاده الدائم بتقديم توصياته التي تشتمل على البدائل المقتبسة من العناصر المعمارية التي سبقت دراستها، وأن يحدد العمل السياسي والعسكري والفني المتعلق بأي دور ممكن لبرنامج دفاع المسرح الصاروخي النشيط متعدد الطبقات لحماية قوات الحلف المنتشرة لاحتواء الدفاع الإقليمي الصاروخي، بما يعني في الحقيقة الاستمرار في البرنامج السابق اتخاذه والذي لم يوافق عليه الاتحاد الروسي.

استمر الموقف بالنسبة لمعاهدة الأسلحة التقليدية بدون تغيير حيث أكدت القمة التزامها بالمعاهدة وفقا لإعلان ريجا وبيانات الحلف التي تعكس التطورات التالية، وعبر الحلف عن قلقه العميق من تعليق روسيا لالتزاماتها وفقا للمعاهدة، ولم يقدم الحلف على أي إجراء يمكن أن يلزم روسيا أو يغريها بالعودة إلى المعاهدة.

المتوقع في العلاقات الروسية الأطلسية
بناء على ما سبق فإن التطور الرئيسي بين الحلف وروسيا في الفترة القادمة حتى قمة البرتغال هو استئناف اجتماعات مجلس الحلف-روسيا، وهو ما لا ينتظر أن يحقق اقترابا بين الحلف والاتحاد الروسي إلا بمقدار ما يتم من اقتراب بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة حيث من الواضح أن اتجاهات الرئيس الأميركي أكبر من استعداد الحلف، ولكن الحلف لن يعارض ما تصل إليه الدولتان خاصة في مجال نزع السلاح النووي وباقي أسلحة الدمارالشامل، وكذا الدفاع الصاروخي.

في حين يبدو أن الموقف في جورجيا قابلا للتغيير بعد تغيير في قيادة جورجيا، ولكن من الصعب تصور تراجع روسيا عن الاعتراف بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، لذا فإن أي تغيير لا بد أن يكون مرحليا وجزئيا.

وقد نرى توقفا في امتداد حلف شمال الأطلسي شرقا دون قرار معلن على أساس استكمال الإصلاحات في كلتا الدولتين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.