الانتخابات الفلسطينية.. الدلالات والنتائج

الانتخابات الفلسطينية.. الدلالات والنتائج


رائد نعيرات

– الدلالات
– الأسباب والنتائج
– ملفات تنتظر حماس

حسمت الانتخابات التشريعية الفلسطينية جملة من الجدليات، سواء على المستوى الوطني أو الدولي أو العربي.

فعلى الصعيد الوطني الفلسطيني حسمت انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني ونتائجها جدلية أي برنامج يريده الشعب الفلسطيني، وكذلك المحاصصة الفصائلية التي طالما ادعت القوى الفلسطينية أنها تمثلها.

أما على الصعيد العربي والعالمي فقد حسمت الانتخابات التشريعية جدلية الديمقراطية العربية ومقدار قدرتها على إحياء ديمقراطية فلسطينية. فقد كان لشفافية وديمقراطية العملية الانتخابية دلالات على القدرة الفلسطينية على بناء نموذج حضاري وديمقراطي قادر على أن يكون مثالا على مثالية النزاهة وأفلاطونية الديمقراطية المعاصرة ليس فقط على مستوى العالم الثالث، بل إنه يضاهي وقد يتفوق على الشفافية في الديمقراطيات العتيدة.

"
خسارة فتح ليست رقمية فقط، فقد كانت الخسارة الكبرى بعدم قدرة رموزها التاريخيين على المنافسة على صعيد الدوائر، وكذلك توسيع جدلية برنامجها وسلوكها السياسي الذي طالما كان الفتيل الذي أشعل نار الفرقة داخل الحركة على مدار السنوات السابقة
"

الدلالات
وكأي انتخابات تجرى فإنها لا بد أن تحمل في جعبتها ما هو جديد على مختلف الصعد، إلا أن الانتخابات الفلسطينية تعلو في منسوب دلالاتها وذلك للأسباب التالية:

أولا: مقدار الأصوات التي حصلت عليها حركة حماس على الرغم من أنها تشارك في الانتخابات لأول مرة.

وثانيا: غياب القدرة السياسية الفعالة للأطياف السياسية الأخرى، سواء من المستقلين أو الأحزاب السياسية التقليدية الفلسطينية ممثلة بقوى اليسار، أو القوائم الجديدة التي تشكلت كتيارات منافسة لما أطلق عليه على لسان أصحاب هذه القوى "إلغاء الهيمنة الفصائلية".

ثالثا: الانهيار السريع لحزب السلطة في أول انتخابات تنافسية تجرى على مستوى الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومن هنا سيقوم هذا التحليل بتناول المحاور التالية للوقوف على نتائج ودلالات الانتخابات التشريعية الفلسطينية.

النتائج والأسباب
عند قراءة نتائج الانتخابات، وكما أعلنتها اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية، يمكن ملاحظة التالي:

حصلت حماس على 80 مقعدا في المجلس التشريعي من أصل 132 مقعدا، (فقد حصلت حماس على 76 مقعدا، وحصل مسقلوها الذين تدعمهم على أربعة مقاعد).

وحصل جميع مرشحي قائمة الإصلاح والتغيير على أعلى الأصوات حتى في المناطق التي فاز بها بعض المرشحين عن قائمة فتح، بحيث كان الفارق كبيرا في عدد الأصوات بين المرشحين الفائزين من حماس والمرشحين الفائزين من فتح.

كما أنه على مستوى الدوائر، كان هناك حسم كامل أو شبه كامل لحماس في أكثر من 95% من الدوائر الست عشرة. إلا أن هناك ملاحظة، وهي أن حماس قد خسرت دائرتين، وهما دائرة قلقيلية ودائرة رفح، على الرغم من أن الحركة فازت في كلتا المحافظتين في الانتخابات البلدية.

"
عذرية أفراد حماس ومرشحيها أهلتها لأن تكون ورقة ناصعة بعيون المواطنين، خاصة أن أغلب مرشحيها هم ممن عرفوا في مواقع الخدمة المجتمعية ويتمتعون بمصداقية عالية في أوساط الجماهير
"

أما على صعيد حركة فتح فقد حصلت على 43 مقعدا (16 مقعدا في الدوائر، 27 مقعدا للقائمة)، إلا أن خسارة فتح ليست خسارة رقمية وعددية فقط، إذ كانت الخسارة الكبرى لفتح بعدم قدرة رموزها التاريخيين على المنافسة على صعيد الدوائر، وكذلك زيادة وتوسيع جدلية البرنامج والسلوك السياسي الفتحاوي الذي طالما كان الفتيل الذي أشعل نار الفرقة داخل صفوف الحركة وكوادرها على مدار السنوات الخمس السابقة.

أما فيما يخص الصورة الأخرى للنتائج، فهي ما يمكن تسميته الفشل الذريع الذي منيت به القوائم والفصائل الأخرى، التي كان مجموع ما حصلت عليه هو تسعة مقاعد فقط، وكذلك عدم تمكن أي من المرشحين المستقلين من الفوز في أي دائرة سوى المستقلين الذين كانوا محسوبين على حماس، وهم أربعة مستقلين (واحد في طولكرم، وثلاثة عن دائرة غزة).

وحسب تصريحات حنان عشراوي، فقد أعلنت أنه آن الأوان لأن تعترف هذه القوى بما فيها قائمتها بأنها لم تستطع أن تؤثر في المواطن الفلسطيني.

وعند الوقوف على أهم الأسباب التي أدت إلى إحداث هذا التغيير الكوبرنيكي يمكن إجمال أبرز الأسباب فيما يلي:

– على صعيد حركة حماس: فقد تميزت هذه الحركة بتمتعها برسالة واضحة استطاع مرشحوها أن يوصلوها ببساطة إلى الجمهور الفلسطيني، فبدت الحركة أنها منسجمة ولديها رؤية واضحة، وعلى مقدرة عالية من التخطيط لإدارة أمورها، وبالذات التخطيط للحملة الانتخابية، بدءا من اختيار أسماء مرشحيها وانتهاء بانضباط كافة أعضائها ومناصريها والتزامهم بقرار الحركة بعدم الترشح كمستقلين.

كذلك فإن عذرية أفراد الحركة ومرشحيها أهلها لأن تكون ورقة ناصعة بعيون المواطنين، خاصة أن أغلب مرشحيها عرفوا في مواقع الخدمة المجتمعية ويتمتعون بمصداقية عالية في أوساط الجماهير.

علاوة على ذلك فإن أداء الحركة السياسي على صعيد البلديات وقدرتها على تشكيل الائتلافات التي لم تحسم بها قوائمها، منحها رصيدا جماهيريا عاليا من الصدقية في شعار "الشراكة السياسية" وعدم التفرد، وهو الشعار الذي رفعته قائمة الإصلاح كعنوان لها، وأكد عليه جميع مرشحيها.

"
طغى على حملة مرشحي فتح اللهجة الهجومية على مرشحي قوائم الإصلاح والتغيير، والتخبط التنظيمي الذي اكتنف الحركة سواء في تشكيل قائمتها أو في تبني مرشحيها على الدوائر
"

– على صعيد حركة فتح: لعبت عوامل عدة في خسارة حركة فتح لموقعها القيادي أولا والتنافسي ثانيا. ومن أبرز هذه العوامل عدم امتلاك الحركة رؤية سياسية واضحة ومنسجمة. بل العكس، فقد طغى على مرشحي حركة فتح اللهجة الهجومية على مرشحي قوائم الإصلاح والتغيير، والتخبط التنظيمي الذي اكتنف الحركة، سواء في تشكيل قائمتها أو في تبني مرشحيها على الدوائر.

كذلك العدد الكبير لمرشحي فتح على مستوى الدوائر، حيث إن هناك 120 مرشحا مستقلا هم في الأصل من داخل تنظيم فتح. وفي بعض الاحيان لم يكن هؤلاء من ذوي المصداقية الفتحاوية بدرجة أعلى ممن تبنتهم فتح في الدوائر، حيث إن بعضهم فاز في البرايمرز ولكن لم تتبنه الحركة. وهذا العدد لكبير قد أفقد فتح على الأقل مقعدا في كل دائرة.

إلا أن القضية الأهم باعتقادي هي التحدي المزدوج بين فتح والمواطن الفلسطيني العادي. فالمواطن الفلسطيني، وحسب كل الاستطلاعات، كان يرفض أن يكون مرشحه القادم ممن هم في أجهزة السلطة، أو ممن هم أعضاء مجلس تشريعي سابقين. وعند النظر إلى القوائم، وبالذات في الدوائر، كان أغلب مرشحي فتح يتبعون هذه الفئات.

كذلك فإن الشارع الفلسطيني حاسب فتح، عبر صناديق الاقتراع، على السلوك السياسي للسلطة خلال الأعوام السابقة. وظهر واضحا أن المواطن العادي يرفض أن يمنح هذا النهج والسلوك السياسي السابق شرعية إضافية. وهذا ما يفسر حصول حماس على أصوات بعض المناطق التي هي في الأصل مسيحية، كمنطقة المصيون في رام الله، والتي حصلت فيها حماس على 70% من أصوات المقترعين، على الرغم من أن 50% من سكان المنطقة مسيحيون.

– على صعيد الفصائل والقوى الأخرى: فقد انقسمت هذه القوى إلى نوعين، قسم مثل الطبقة العليا في المجتمع ولم يستطع أن يحاكي باقي طبقات المجتمع، خاصة عند الإجابة على موضوعات مثل المقاومة أو طبيعة علاقتهم بالخارج والتمويل والدعم الخارجي الموجه لهذه القوى.

أما القسم الآخر فهي فصائل منظمة التحرير أو اليسار الفلسطيني. وباعتقادي فإن هذه الفصائل لم تستطع أن تأتي بما هو جديد وخلاب من شأنه أن يجذب المواطن. بل بالعكس، فمن الملاحظ أن النفس الإسلامي طغى على الخطاب السياسي لهذه الفصائل. ومن هنا أصبح المواطن يتساءل: ما الجديد الذي تقدمه هذه الفصائل؟

"
حماس قد تتبنى معادلة التفاوض غير المباشر مع إسرائيل عبر بعض الأطراف، وبالذات الأوروبية، خاصة أن الجانب الإسرائيلي الآن غير جاهز لأي عملية سلمية
"

ملفات تنتظر حماس
أيا كانت النتائج والأسباب، نجد أنفسنا أمام مفترق نوعي يجب أن توضح فيه كل الحسابات القديمة، والتقييمات السياسية التي كانت تبنى عليها المقادير وتصورات الإسقاطات السياسية.

ومن هنا يبرز سؤال: ماذا بعد؟ وبالذات فيما يخص حركة حماس. فحماس تنتظرها جملة من الملفات الساخنة التي يجب على الحركة أن تجيب عليها بنفس السرعة التي حصلت بها على أصوات الناخبين. وهذا يشكل عبئا كبيرا لحركة تدخل العمل السياسي الواسع لأول مرة. وتنقسم هذه الملفات إلى جزأين: الأول داخلي والثاني خارجي.

الملفات الداخلية:
1- استقطاب حماس لحركة فتح، وعدم إتاحة المجال لبعض القوى الفتحاوية التي ترفض المشاركة في الحياة السياسية، للتهرب من الشراكة السياسية. والسبب هو أن عدم مشاركة هذه القوى سيعني خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني الذي سيضطر للعيش مرة أخرى في ظل برنامج واحد. كذلك فإن هذه الشراكة ستمنح حماس القدرة على التعامل مع أفراد فتح في التشريعي، وبالذات الذين فازوا في القائمة، حيث إن نوعية هؤلاء الأفراد ممن يصعب التعاطي السياسي معهم أحيانا، وذلك للخلفيات التنظيمية والأدوار التي لعبوها خلال حياتهم السياسية.

2- استقطاب الجهاد، أو التوصل إلى أي حل مع الجهاد، بحيث يتيح لحماس الفرصة في حلحلة المشاكل العالقة، وألا تقوم حركة الجهاد بإحراج حركة حماس عبر القيام ببعض العمليات التي من شأنها أن تجبر حماس على اتخاذ بعض المواقف التي تشبه إلى حد ما ما قامت به السلطة سابقا، مما يضعف نفسية المواطنين في تقبل الإصلاحات التي تعزم حماس إحداثها.

3- تشكيل حكومة تكنوقراط ممن يتمتعوا بصدقية في الشارع الفلسطيني، وتمثل مختلف أطياف اللون السياسي الفلسطيني.

"
المعادلة التي على حركة حماس أن تعمل على حلها هي المواءمة بين الثوابت التي حظيت على أساسها بثقة المواطن الفلسطيني، وبين المرونة السياسية التي يجب أن تتمتع بها لبناء العلاقة مع العالم، وللتقدم في تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني
"

الملفات الخارجية:
1- العلاقة مع الاحتلال. فحماس بحاجة إلى إرسال بعض الرسائل التطمينية التي من شأنها أن تتيح لحماس القدرة على الانشغال بالإصلاحات الداخلية. وعلى رأس هذه الرسائل قد يكون ملف المفاوضات.

وهنا أعتقد أن حماس قد تتبنى معادلة التفاوض غير المباشر، عبر بعض الأطراف وبالذات الأوروبية، خاصة أن الجانب الإسرائيلي الآن غير جاهز لأي عملية سلمية. وهذا يتطلب على الأقل فترة من ثلاثة إلى ستة شهور قبل البدء أو الكلام في هذه المواضيع بسبب الانتخابات الإسرائيلية القادمة وما يمكن أن يترتب عليها من تبعات.

2- العلاقة مع الدول المانحة والولايات المتحدة الأميركية، حيث إن من الأولويات في هذا الملف قضية اختراق جدار التحفظ على الدعم الأوروبي والأميركي، على اعتبار أن هذا الدعم لا يقدم لحماس أو لفتح، بل هو للشعب الفلسطيني. ويجب على هذه الدول أن تحترم خيار وقرار الشعب الفلسطيني.

لا شك في أن انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني مثلت انقلابا سياسيا بكل المعايير. ورغم كل التحليلات فإن الأيام القادمة تحمل الكثير من التطورات التي من الصعب التكهن بها. ولكن مع ذلك يمكن القول إن المعادلة التي على حركة حماس أن تعمل على حلها هي المواءمة بين الثوابت التي حظيت على أساسها بثقة المواطن الفلسطيني، وبين المرونة السياسية التي يجب أن تتمتع بها لبناء العلاقة مع العالم، وللتقدم في تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، في ظل واقع محلي وإقليمي ودولي بالغ التعقيد.
ـــــــــــــــ
كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.