هل يغير زر "عدم الإعجاب" فيسبوك للأبد؟

زر عدم الإعجاب يغير وجه فيسبوك
إضافة زر "عدم الإعجاب" سيغير بنية العلاقات الشخصية والاجتماعية بين ملايين الأصدقاء في فيسبوك (رويترز)

أنس حسن

لم يعد موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك" مجرد موقع للهواة والراغبين في قضاء وقت ممتع على شبكة الإنترنت فقط، بل أصبح مؤثرا بشكل واسع على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في العالم كله وفي منطقتنا العربية بشكل خاص، كما أصبح مكانا رئيسيا لتواجد الشركات والمنتجين وأصحاب السلع، مما دفع شركات التسويق العالمية لتطوير هياكلها وأفكارها لتتناسب مع احتلال الفيسبوك هذه المساحة الضخمة في حياة ملايين الأفراد حول العالم.

ولذلك لا نستغرب من الضجة التي أثارها مجرد خبر عن نية إدارة الموقع إضافة زر "عدم الإعجاب" لتفاصيل الموقع، فقد أصبح أدنى تغيير في فيسبوك يؤثر على إستراتيجيات الدعاية لدى الشركات الكبرى والصغيرة، كما أنه سيشكل تحديا لمستقبل الكتاب الصحفيين الذين انتقلوا من عالم الصحافة التقليدية إلى صحافة التواصل الاجتماعي، وكذلك بنية العلاقات الشخصية والاجتماعية بين ملايين الأصدقاء على هذا الموقع.

وإضافة زر "عدم الإعجاب" على فيسبوك سيغير بشكل كامل فلسفة التواصل الاجتماعي على الموقع، حيث إن الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الرفض في الفيسبوك كانت عبر التعليق الناقد للمحتوى، كما كان بإمكان صاحب المحتوى حذف التعليقات المعادية أو المعارضة، مما يمنحه سلطة للحفاظ على صورة محتواه بشكل أو بآخر، أما في حال إضافة زر "عدم الإعجاب" فسنكون أمام عملية تكثيف لسلطة الرأي بيد الجمهور لا صاحب المحتوى.

هذا التعديل سيعطي الجمهور سلطة ونفوذا أكبر، وسيخضع عددا كبيرا من صناع الرأي لسلطة الجماهير الذين سيصبح بمقدورهم فعليا إسقاط أي محتوى لا يعجبهم أو لا يرونه مناسبا، سواء كان ذلك بالتعبير الفردي أو بعمليات الهجوم المنسق على مصادر المحتوى

سلطة الجماهير
وبهذا فإن جمهور فيسبوك سيمتلك سلطة أكبر على أصحاب المحتوى مما سيخضع عددا كبيرا من صناع الرأي لسلطة الجماهير الذين سيصبح  بمقدورهم فعليا إسقاط أي محتوى لا يعجبهم أو لا يرونه مناسبا، سواء كان ذلك بالتعبير الفردي أو بعمليات الهجوم المنسق على مصادر المحتوى على الفيسبوك، وهذا لا يهدد فقط بإخضاع جيل الكتاب الحاليين على الفيسبوك للجمهور، بل ربما يمثل مقدمة لاستبدالهم بجيل جديد يجيد التعامل مع هذا التحدي في توسيع سلطة الجماهير.

كذلك ستكون حملات الدعاية الخاصة بالشركات في خطر كبير، فالاحتمالات المتاحة سابقا أمام أي حملة دعائية لمنتج ما كانت إما النجاح والانتشار الواسع أو الانتشار المحدود الذي يدفع الشركات لمزيد من الإبداع والتجديد لنشر منتجها عبر حملات أكثر جاذبية.

إلا أنه -وبعد الحديث عن زر "عدم الإعجاب"- سيكون المنتج الذي تقوم الشركة بترويجه معرضا لتحقيق أثر سلبي كبير في حال هاجمه الجمهور، مما سيزيد كلفة الدعاية على الشركات واضطرارها لاحقا لحملات تحسين الصورة الذهنية، بجانب تلافي أثر فشل منتجها أو حملتها الدعائية.

ورغم إصرار إدارة فيسبوك على التصريح بحرصها على نصح المتابعين بعدم تحويل الخدمة الجديدة لأداة تصويت على كل شيء، مما قد يضر بمجتمع المستخدمين على الفيسبوك وربما يؤدي في النهاية لتراجع بيئة الفيسبوك ذاتها؛ فإنه وفق معطياتنا المجتمعية -وبخاصة في بلداننا العربية- فإن المستخدم العربي يولد دوما طريقته الخاصة لاستخدام أدوات التواصل الاجتماعي.

ويذكر أن العرب كانوا من أول من حول الفيسبوك من أداة تواصل اجتماعية شبابية عادية إلى أداة سياسية وثورية وحشدية، مما يمنح المستخدم العربي مركزا متقدما في بيئة مواقع التواصل.

يشير محللون مختصون في مجال مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن الأداة الجديدة يستهدف بها "فيسبوك" إتاحة فرصة للجمهور للتعبير عن حزنه أو عدم رضاه في المواقف الإنسانية

التعبير عن الحزن
وفي سياق آخر، يشير محللون مختصون في مجال مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن الأداة الجديدة يستهدف بها "فيسبوك" إتاحة فرصة للجمهور للتعبير عن حزنه أو عدم رضاه في المواقف الإنسانية التي كان آخرها ملف اللاجئين السوريين وقضية الطفل أيلان الكردي، وبالتالي لم يعد بمقدور زر الإعجاب أن ينقل صورة التعاطف هذه بشكل مناسب للحالة، وهو ما دفع إدارة الفيسبوك -بحسب محللين- إلى التفكير جديا في إضافة زر "عدم الإعجاب".

إلا أنه في مثل هذه الحالة سيكون أمام إدارة الفيسبوك فرصة حقيقية للحد من التحول الجذري في مفهوم الاستخدام اليومي لمواقع التواصل، عبر تمكين المستخدم من التحكم بالمنشورات التي يرغب في إتاحتها لزر عدم الإعجاب وبين أخرى لا يرغب في وضعها تحت طائلة التصويت، وبهذا ربما يمكن لاحقا تأجيل حدوث تحول جذري في بيئة مواقع التواصل لم يكن الأفراد والكتاب والشركات في استعداد حقيقي له.

وفي كل الأحول، نحن نشهد يوميا تزايدا للسيطرة الواسعة لوسائل التواصل على حياتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية والتجارية، وهذه السيطرة أصبح يؤثر في شكلها ومضمونها أقل تغيير في آلياتها، كما أن سلطة الجمهور تتوسع يوما بعد آخر وليس أمام مسؤولي النشر والدعاية إلا الخضوع تدريجيا لمزاج الجمهور، وإلا فالاصطدام به سيكون مكلفا على كل حال.

المصدر : الجزيرة