الملاكمة في كوبا.. شغف شعبي

الملاكمة شغف شعبي في كوبا
undefined

في صالة فقيرة للألعاب الرياضية في "ألكوتورو"، الحي الشعبي الواقع بضواحي العاصمة الكوبية هافانا، يصرخ المدرب "حرك رأسك"، وذلك ردا على تلقي لاعبه لكمة في الوجه جعلته يتأرجح، لكنه يتعافى سريعا ويتقدم باتجاه منافسه، فليكس البالغ 12 عاما، يعرف كيف يتصرف بين الحبال مثل الكبار.

وفي صالة "إنريكي غارموري" في "ألكوتورو"، تهب رياح خانقة في الخامسة مساء، ورغم ذلك هناك أكثر من عشرين فتى يجتمعون في الصالة لخوض سلسلة من المباريات الودية بين شباب تصل أعمارهم إلى 16 عاما.

ويظل مدرب فليكس يصرخ فيه "الرأس"، بينما تزداد الحرارة والرطوبة المميزتان للمناطق المدارية، ويضئ كشافان معلقان في السقف القاعة، التي لا يوجد بها نوافذ أو تهوية.

وفي رافاييل تريخو، في هافانا القديمة وسط الجزيرة، لا تبدو الظروف أفضل بكثير. فصالة الألعاب الرياضية، التي كانت مقرا شهيرا للبطولات عندما كانت هافانا واحدا من أهم مقرات الملاكمة المستأجرة في العقود الأولى من القرن العشرين، تبدو شبيهة بالأطلال.

المدرجات الخشبية الموضوعة في الهواء الطلق تبدو في حالة سيئة، ومن داخل الحلبة يمكن رؤية حبال الملابس والحوائط المشققة للمنازل المجاورة.

لكن الفناء يشهد يوميا تدريبات، ولا تزال تقام بطولات بانتظام. في "التريخو" يصعد إلى الحلبة ملاكمون هواة أجانب، ومشجعون في الأربعين والخمسين من العمر، وشبان من المنطقة يحلمون بالمنافسة عبر اللكمات.

ويقول لويس (27 عاما) "هنا قمت بهزيمة العديد من الأجانب بالضربة القاضية"، مشيرا إلى الحلبة الفارغة، ففي ذلك اليوم تدرب مع ثلاثة أشخاص آخرين فقط.

ورغم أن مهنته هي التمثيل، سيشارك لويس قريبا في بطولة إقليمية، ويأمل أن ينطلق بعد ذلك على المستوى الوطني.

ويأتيه المثل من مدربه نفسه، فقد كان ناردو مايستري (60 عاما) عضوا في المنتخب الوطني لوزن 48 كيلوغراما، حيث لعب مع ستيفنسون، البطل الأسطوري صاحب الذهبيات الأولمبية الثلاث لكوبا.

وكملاكمين كثيرين معتزلين، يعمل مايستري حاليا في التدريب بصالات الحي المنتشرة في الجزيرة.

ملاكمو كوبا سيتوجهون إلى لندن بحثا عن الذهب (الألمانية)
ملاكمو كوبا سيتوجهون إلى لندن بحثا عن الذهب (الألمانية)

هواة الحلبة
وفي صالات الألعاب الرياضية المتواضعة في أنحاء كوبا، يتدرب يوميا أطفال تبدأ أعمارهم من ثمانية أعوام وحتى ملاكمين هواة يصعدون إلى الحلبة في أوقات فراغهم.

فالملاكمة تتمتع بعراقة في كوبا، حيث لا يفوقها شعبية سوى البيسبول، فقد قدمت 32 لقبا أولمبيا -من إجمالي 67- حصلت عليها كوبا، ومنحت البلاد نجوما كبارا مثل الراحل تيوفيلو ستيفنسون أو فليكس سافون.

ولا تمثل الملاكمة ستارا لحماية الأشقياء في حي ما في كوبا. بل هي بالأحرى شغف شعبي وطريقة حياة، فبحسب أحمد أونير، وهو رئيس شركة ألمانية مهتمة بالتعاقد مع ملاكمين من المنطقة لتحويلهم إلى محترفين، فإن "الرب خلق شعبا كي يلاكم، وذلك الشعب هو الكوبي".

وتراهن منظومة الرياضة الكوبية على الانتشار الجماعي وتستبعد المنافسة الاحترافية، فبالبطولة تلو الأخرى، وعبر الموهبة المناسبة، يمكن فتح الطريق لاحقا أمام الانضمام للمدرسة الكوبية للملاكمين، الواقعة في واخاي بضواحي هافانا.

وبعيدا عن الأضواء، يتم إعداد الرياضيين الكبار ليس فقط على المستوى البدني، وإنما التعليمي أيضا، ويقول أرنولد، أحد مسؤولي صالات التدريب، "نقوم هنا بعمل كبير". ويضيف حول الخطر المعتاد من عمليات الهروب بين الرياضيين الكوبيين الذين يشاركون في بطولات أجنبية، حيث لا تسمح الجزيرة برياضات المحترفين "لذلك، عندما يسافرون إلى الخارج ويرون ما هناك يبقون".

وبعد نتيجة متواضعة في دورة بكين 2008 مقارنة بتاريخها -أربع ذهبيات وأربع برونزيات- تأمل الملاكمة الكوبية في العودة إلى المنافسة على الألقاب في لندن 2012، واستأثر الملاكمون الثمانية الذين سيشاركون في الدورة بجميع الجوائز في آخر البطولات الإعدادية بهافانا.

وفي البطولة التقليدية ، التي شارك فيها ملاكمون سيسافرون إلى لندن من دول مثل السويد أو تركيا، ظهرت مرة أخرى المهارات الكلاسيكية للملاكمين الكوبيين، السرعة والفعالية والقوة.

ووفقا لمدرب الفريق رولاندو أسيبال فإن ثمانية رياضيين سيتوجهون إلى الألعاب الأولمبية، وكلهم يحملون في أذهانهم البحث عن ميدالية ذهبية.

المصدر : الألمانية