الجاذبية المضادة.. حقيقة أم خيال؟

Retired sprinter Usain Bolt and French astronaut Jean-Francois Clervoy, CEO of Novespace, enjoy zero gravity conditions during a flight in a specially modified plane above Reims, France, September 12, 2018. REUTERS/Benoit Tessier
إذا ثبت وجود الكتلة المضادة فسيتمكن العلماء من بناء حقل جاذبية صناعي في أي نقطة من الفضاء (رويترز-أرشيف)
حسب الجاذبية يتحرك كل جسم في هذا الكون وفقا لنفس قواعد تسارع الجاذبية أو نفس قواعد الانحراف في الزمكان (الزمان-المكان) مهما كانت خصائص هذا الجسم، لكن هناك ظواهر فيزيائية تظل في مستوى التنظير ويصعب قياسها.
 
وقد نشرت مجلة "فوربس" الأميركية مقالا لعالم الفيزياء الفلكية إيثان سيغل جاء فيه أن الفوتونات والجزيئات العادية والمستقرة تتحرك وفق حقول جاذبية معروفة، حيث تجعل الأرض كل الأجسام المحيطة بها تتسارع نحو مركزها بسرعة يمكن احتسابها بالاعتماد على قاعدة رياضية.
 
لكن في المقابل، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها العلماء فإنهم لم يتمكنوا لحد الآن من قياس تسارع جاذبية المادة المضادة.

والجاذبية المضادة هي فكرة خلق مكان أو جسم حر من قوى الجاذبية، ولا تشير إلى عدم وجود وزن تحت تأثير الجاذبية في السقوط الحر أو في المدار، ولا إلى تحقيق التوازن بين قوة الجاذبية مع بعض القوى الأخرى مثل القوة الكهرومغناطيسية أو الرفع الهوائي. 

وذكر الكاتب أن الافتراضات تشير إلى أن سرعة الجاذبية المضادة تعادل سرعة الجاذبية العادية المعروفة، ولكن إلى أن يتم قياسها بشكل دقيق فإنه لا يمكن الجزم بهذا الأمر، وهناك حاليا تجربة تهدف إلى حسم هذا الأمر بشكل نهائي، والتي وبحسب ما ستسفر عنه قد تكون نتائجها إيذانا بثورة علمية وتكنولوجية.
 
ويفيد الكاتب بأن التجربة الجديدة مصممة لحساب تحركات المادة المضادة التي لها علاقة بالجاذبية، ويسمى هذا المشروع "ألفا"، وهو يجري في منشأة المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) الواقعة عند الحدود السويسرية الفرنسية التي تعد أضخم مختبر في العالم لفيزياء الجسيمات.

سيرن تملك مصادم الهادرونات الكبير الذي يعد أضخم مختبر في العالم لفيزياء الجسيمات ويمتد على طول 27 كيلومترا تحت الأرض بشكل أسطوانة دائرية (رويترز)
سيرن تملك مصادم الهادرونات الكبير الذي يعد أضخم مختبر في العالم لفيزياء الجسيمات ويمتد على طول 27 كيلومترا تحت الأرض بشكل أسطوانة دائرية (رويترز)

وأعلن الكاتب عن أن واحدة من أعظم الخطوات التي تم القيام بها مؤخرا في هذه التجربة هي النجاح، ليس في تكوين جزيئات المادة المضادة فقط، بل وفي الحصول عليها في حالتها المحايدة والمستقرة أيضا. 
 
لقد أصبح بالإمكان تكوين بروتونات مضادة وإلكترونات مضادة، ثم إبطاء حركتها وإجبارها على التفاعل فيما بينها حتى تنتج ذرات محايدة من الهيدروجين المضاد، ومن خلال استخدام مزيج من الحقول المغناطيسية والكهربائية أمكنهم السيطرة على هذه الذرات وإبقائها مستقرة بعيدا عن المادة التي قد تسبب لها الفناء.
 
وأكد الكاتب أن العلماء نجحوا في المحافظة على استقرار هذه المادة المضادة لمدة عشرين دقيقة في كل مرة، وهي مدة أطول بكثير من الوقت الذي تعيشه المادة المضادة في حالتها غير المستقرة التي تقاس بالجزء من مليون من الثانية.
 
وقد تم تعريض هذه الجزيئات للفوتونات، وهو ما أظهر أن لها نفس خصائص إرسال وامتصاص الضوء مثل الذرات، والخلاصة هي أن هذه التجربة أكدت أن خصائص المادة المضادة هي الخصائص التي توقعتها الفيزياء التقليدية تماما باستثناء مسألة الجاذبية. 
 
ثورة في عالم الفيزياء
وأوضح الكاتب أن مكشاف "ألفا-جي" الذي بني في مركز "ترايونف" في كندا ونقل إلى "سيرن" في وقت سابق من هذا العام من المنتظر أن يغير تسارع جاذبية المادة المضادة ويخفضها إلى الحد المطلوب، ومن المنتظر أن تقدم هذه العملية الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بتسارع المادة المضادة، وهو ما سيحقق ثورة حقيقية في عالم الفيزياء.
 
وبحسب الكاتب، فإن المادة المضادة لكل مادة موجودة في هذا الكون من المفترض أن تكون لها الكتلة ذاتها، ونفس درجة التسارع في حقول الجاذبية، ونفس الشحنة الكهربائية المضادة، ونفس حركة الدوران المعاكسة، ونفس الخصائص المغناطيسية أيضا.

جانب من مصادم الهادرونات الكبير التابع لمنظمة سيرن (رويترز-أرشيف)
جانب من مصادم الهادرونات الكبير التابع لمنظمة سيرن (رويترز-أرشيف)

كما من المفترض أن المادة والمادة المضادة ترتبطان بالطريقة نفسها مع الذرات والجزيئات والأجسام الأكبر حجما، ولهما نفس سلسلة انتقالات الإلكترونات المضادة في مختلف الحالات.
 
وأوضح الكاتب أن بعض هذه الجوانب قيست منذ وقت طويل، مثل الكتلة السالبة للمادة المضادة، وشحنتها الكهربائية، وخصائصها الدورانية والمغناطيسية التي تعتبر كلها معروفة للعلماء، كما قيست خصائصها الثابتة والانتقالية في مجسات أخرى ضمن مشروع تجربة "ألفا"، وقد جاءت النتائج متطابقة مع توقعات فيزياء الجسيمات.
 
وأكد الكاتب أنه عند إيجاد الجاذبية المضادة فإن كل شيء سيتغير، فإذا كانت المادة المضادة تتحرك فعلا عكس الجاذبية، بمعنى أنها تسقط نحو الأعلى وليس نحو الأسفل فإن قوة الجاذبية في هذه الحالة ستعتبر أن هذه المادة مصنوعة من الكتلة المضادة أو الطاقة المضادة.
 
وفي قوانين الفيزياء المعروفة لحد الآن فإن كميات مثل الكتلة المضادة والطاقة المضادة غير موجودة، ويمكننا فقط تخيلها والحديث عن كيفية تحركها، لكن من المتوقع أن المادة المضادة ستكون لها كتلة عادية وطاقة عادية عندما يتعلق الأمر بالجاذبية.
 
وتوقع الكاتب أنه إذا كانت الكتلة المضادة موجودة فعلا فإن هذا سيفتح الباب أمام سلسلة من التطورات التكنولوجية العظيمة التي كان مؤلفو قصص الخيال العلمي يتخيلونها منذ أجيال، وستصبح بشكل مفاجئ ممكنة من الناحية الفيزيائية، إذ إنه في هذه الحالة يمكننا بناء موصل جاذبية لعزل أنفسنا عن قوى الجاذبية، كما يمكننا أيضا بناء مكثف للجاذبية في أي نقطة من الفضاء ليكون لدينا حقل جاذبية اصطناعي.
 
وبحسب رأي الكاتب، فإن الإجابة عن تسارع جاذبية المادة المضادة ستكون ممكنة خلال سنوات قليلة من خلال تجربة في منتهى البساطة، وهي وضع ذرة مضادة في حقل للجاذبية، ومراقبة الاتجاه الذي ستسقط فيه.

المصدر : مواقع إلكترونية