تلسكوبات قطرية عالمية تراقب السماء وتصورها

تلسكوب المتابعة والتحقق بقطر 50 سم يعمل على مراقبة أجرام السماء وتصويرها والتحقق من اكتشاف الكواكب النجمية
تلسكوب التحقق والمتابعة بقطر 50 سم يعمل على مراقبة أجرام السماء وتصويرها والتحقق من اكتشاف الكواكب النجمية (الجزيرة)

هاني الضليع*

كثيرة هي المراصد الفلكية المنتشرة حول العالم وفوق رؤوس الجبال الشاهقة البعيدة عن التلوث الضوئي والرطوبة العالية ومسارات الطائرات والغيوم، إذ هكذا يتم اختيار المواقع التي توضع فوقها التلسكوبات التي ترصد السماء وتصور أجرامها وتتابع حركات الكويكبات التي يمكن أن تقترب منا يوماً فتشكل خطراً داهماً علينا.

عيون الفلكيين مفتوحة دائما على السماء، وهذه العيون التي تمثلها المراصد الفلكية عادة ما تتبع مراكز بحوث أو جامعات عالمية تنشر اكتشافاتها بين الحين والآخر في المجلات العلمية المحكمة.

وفي الوطن العربي ثمة مراصد منتشرة، لكنها لا تحقق شروط اختيار الموقع الفلكي لعدم وجود مراكز بحث فلكية عربية متخصصة. غير أن استثناءً واحداً -على حد علمنا- يمكن ذكره في هذا السياق ويخص دولة قطر، هذا البلد العربي الصغير الذي يملك منظومة تلسكوبات مكونة من خمسة مراصد فلكية موزعة فوق رؤوس جبال تقع على نفس خط العرض الجغرافي (32 درجة) في ثلاث قارات هي أميركا وأوروبا وآسيا، تراقب السماء على مدار الساعة بحثاً عما يعرف بالكواكب النجمية التي تدور في المجرة حول نجوم غير شمسنا.

ويتحكم علماء "برنامج قطر للبحث عن الكواكب النجمية" في جامعة حمد بن خليفة بقيادة الفلكي القطري الدكتور خالد السبيعي بمنظومة التلسكوبات هذه واستقبال بياناتها ومن ثم تحليلها من خلال برمجيات حاسوبية فلكية تم تطويرها حصراً لهذه التلسكوبات بأسماء محلية مثل "سدرة" و"الدوحة"، أخذت بعد نشرها في المجلات العلمية طابعاً عالمياً يستخدمها الفلكيون لتحليل بياناتهم كذلك.

وللمنظومة الفلكية القطرية مهام أخرى، وهي البحث عن الثنائيات النجمية وتفسير ألغازها، وكذلك البحث عن كويكبات جديدة في المجموعة الشمسية.

سديم النسر أحد سدم الإشعاع التي تعد محاضن تولد فيها النجوم الجديدة ويمتد في الفضاء لمسافة 70 سنة ضوئية (الجزيرة)
سديم النسر أحد سدم الإشعاع التي تعد محاضن تولد فيها النجوم الجديدة ويمتد في الفضاء لمسافة 70 سنة ضوئية (الجزيرة)

التحقق والمتابعة
أحد تلسكوبات المنظومة القطرية هذه موجود على ارتفاع 2250 مترا في ولاية نيو مكسيكو الأميركية حيث تتجمع مراصد فلكية كثيرة تتبع مؤسسات وجامعات عالمية شتى. ويعرف هذا المرصد باسم "تلسكوب التحقق والمتابعة"، وهو تلسكوب احترافي يبلغ قطر مرآته التي تجمع الضوء 50 سنتمترا، وتكمن وظيفته في التحقق من الإشارات التي تجمعها التلسكوبات الأربعة الأخرى بوجود كوكب يدور حول نجم، حيث يعيد رصد النجم المطلوب وتحليل الطيف الضوئي القادم منه في اليوم والساعة المحددين لعبور الكوكب من أمام نجمه, فإذا ما تأكدت الإشارة أعلن الفريق عن اكتشاف كوكب جديد.

وعلى أرض الواقع، يتحقق التلسكوب حاليا من وجود كوكب يدور حول أحد نجوم المجرة، لوجود إشارة التقطها أحد تلسكوبات المنظومة. وإذا ما تأكد صدق هذه الإشارة، فإن كوكباً نجمياً سادساً تابعاً لهذه المنظومة سيعلن اكتشافه قريباً، مما سيضع قطر في المرتبة الخامسة عالمياً في عدد الكواكب النجمية التي تتسابق معاهد البحوث الفلكية على اكتشافها.

"الدوامة" إحدى المجرات الحلزونية ذات النشاط المركزي وتبعد عن مجرتنا قرابة 25 مليون سنة ضوئية (الجزيرة)

ولأنه مزود بأحدث أجهزة التصوير الرقمية التي تعمل كلياً بالتحكم عن بعد، فإن ثمة إنجازات أخرى سجلت له، وهي التقاط عدد كبير من الصور الفلكية لأجرام خافتة في السماء تعد من بدائع المناظر الكونية في مجرتنا وخارجها، أمثال سديم النسر وسديم الجبار والسديم الثلاثي ومجرة الدوامة وبعض المذنبات الزائرة للمجموعة الشمسية.

والسديم هو دخان وغازات أساسها عنصرا الهيدروجين والهيليوم، وهو الحاضنة التي تولد فيها النجوم. ولأن هذه الحواضن أو السدم مادة غير شفافة فإنها أحياناً تحجب ما خلفها من نجوم حتى تخفيها تماما، لتُعرف باسم السُدم المظلمة، لكن أمثلتها محدودة في السماء كسديم كيس الفحم وسديم القارب.

غير أن شدة سطوع النجوم تعمل أحياناً أخرى على توهيج هذه السدم من خلفها، ليصبح اسمها سدم الإشعاع، ومن أمثلتها سديم النسر. وجميع السدم الكوكبية ناتجة عن انتثار أشلاء نجم بحجم الشمس في الفضاء بعدما استنفد كامل وقوده، وهو ذاته مستقبل شمسنا بعض بضعة مليارات من السنين.

وفي الصورة أدناه سديم الأثقال الكوكبي في كوكبة الثعلب ويبعد عنا 1400 سنة ضوئية، وهو ناتج عن انتثار أشلاء نجم بكتلة شمسنا ليضاء بعد ذلك من نجمه الذي تحول إلى قزم أبيض في مركز السديم.

سديم ألأثقال الكوكبي ناتج عن انتثار أشلاء نجم بكتلة شمسنا (الجزيرة)
سديم ألأثقال الكوكبي ناتج عن انتثار أشلاء نجم بكتلة شمسنا (الجزيرة)

وأخيراً هناك سديم الانعكاس، وهو الذي تعكس غيومه أشعة نجم ساطع قريب منها، وأهم أمثلته هو عنقود الثريا النجمي الشتوي الذي يراه صاحب البصر الحاد سبعة نجوم متراصة بجانب بعضها البعض.

وإلى جانب عمله على التحقق من وجود كوكب قطر النجمي السادس، والتصوير الفلكي الاحترافي، فإن ثمة لغزاً حول ظاهرة تتعلق بالمنحنيات الضوئية لبعض النجوم الثنائية لم يستطع علماء الرصد الفلكي حله لأكثر من سبعين عاما، ويقوم العلماء في برنامج قطر للبحث عن الكواكب النجمية باستخدام بيانات هذا التلسكوب لوضع اللمسات النهائية في سبيل فك سر هذا اللغز.
_______________
* عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

المصدر : الجزيرة