لوط بوناطيرو: حان الوقت لوضع قانون للمخترع

المخترع الجزائري لوط بوناطيرو يحمل شهادة تقدير على اختراعين شارك بهما في معرض سيول الدولي للإبداع والاختراع.
بوناطيرو طالب علماء الدين بإصدار فتاوى لتمويل الاختراعات من أموال المسلمين أسوة بتمويل بناء المساجد والمستشفيات (الجزيرة نت)

حاورته أميمة أحمد-الجزائر

حصل الدكتور لوط بوناطيرو الأستاذ بجامعة البليدة الجزائرية، على عشر جوائز عن اختراعين هما "البنيان المرصوص" و"الساعة الكونية" في "معرض الاختراعات الدولي" بالعاصمة الكورية الجنوبية سول الذي نظمته جمعية المخترعين الكورية خلال الفترة من 28 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 2 ديسمبر/كانون الأول 2014، بمشاركة 450 مخترعا عرضوا 750 اختراعا، بينها اختراعات عربية.

الجزيرة نت التقت بوناطيرو (رئيس المنظمة الوطنية للإبداع والبحث العلمي) الذي تحدث عن فوائد اختراعيه، وطالب بإصدار "قانون المخترع" لحماية المخترعين واختراعاتهم، ودعا إلى تأسيس هيئة عربية إسلامية للمخترعين تنبثق عنها لجنة لتقييم المشاريع البحثية والاختراعات لتمويلها، كما طالب علماء الدين بالإفتاء لتمويل البحث العلمي والاختراعات من صناديق الزكاة. 

نطالب بتبني نمط البناء العربي الإسلامي في العمران، فهو بناء مرصوص يمكن تحديثه وفق معايير العصر

undefined في معرض سول الدولي للاختراعات نلت عشر جوائز عن اختراعين أحدهما هو "البنيان المرصوص" فما هو هذا الاختراع؟

فكرة البنيان المرصوص جاءت من حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" وشبك الرسول الكريم أصابعه وأمال كفيه يمينا ويسارا. استوقفنا شبك الكفين وإمالتهما يمنة ويسرة في حركة تشبه حركة الزلزال. ولاحظنا أنه لا توجد دراسة علمية في العالم تعرف البنيان المرصوص، فبعد زلزال بومرداس عام 2003 الذي دمر أغلب المدينة وقتل زهاء ألف شخص، شكلنا فريق بحث لمعرفة ماهية البنيان المرصوص، وتوصلنا عام 2005 لنتيجة بأن البنيان المرصوص يقوم على ثلاثة عناصر هي شكل البناء ومادته ومكن البناء.

فالشكل إما مربع أو مثلث متساوي الأضلاع أو دائري، وما عدا ذلك من أشكال هندسية لا يناسب البنيان المرصوص، واكتشفنا مادة البناء "الخلطة الصحيحة" أو الأسمنت المسلح فطورناها لتصبح "الأسمنت المدرّع" بأن تكون قضبان الحديد مضفورة ومرنة كالنوابض، لتكون طيعة عند حدوث الزلازل، أما مكان البناء فيجب أن يكون بعيدا عن الأودية والمناطق الزلزالية.

هذه شروط  البناء المرصوص التي يمكن بموجبها بناء عشرة طوابق في مناطق زلزالية، وناطحات سحاب في المناطق المستقرة. وما نراه اليوم من أبنية حديثة يعتبر بناء فوضويا لعدم احترامها شروط البناء المرصوص.

undefined هل خضع البناء المرصوص لتجربة زلزالية؟

توجد في المختبرات منصات اهتزازية جرّبنا فيها المشروع بأشكال هندسية مختلفة، كما توجد برامج إلكترونية تعطي عند تزويدها بمعطيات البطاقة التقنية للبناء مدى قوة مقاومة البناء للزلزال. ووفق التجارب المخبرية فإن البنيان المرصوص يتحمل زلزالا بقوة ثماني درجات دون أن ينهار.

وأفضل تجربة للبنيان المرصوص نجدها في التاريخ، حيث توجد أبنية مرصوصة عمرها آلاف السنين وما زالت تقاوم الكوارث الطبيعية، مثل الأهرامات بمصر، والمئذنة الملوية في العراق، والضريح الموريتاني بالجزائر، كما يوجد في قطر مبنى ضخم وفق معايير البناء المرصوص أنشئ عام 2008 على شكل هرم وقاعدته دائرية. لذا نطالب بتبني نمط البناء العربي الإسلامي في العمران، فهو بناء مرصوص يمكن تحديثه وفق معايير العصر، وتكاليفه تزيد 10% على كلفة البناء العادي، فندفعها ثمن الأمن والأمان المفقود في الأبنية العادية. 

undefined لماذا لا تنفذ الجزائر هذا البناء المضاد للزلازل وهي بلد زلزالي؟ 

لا تنفذه الجزائر بسبب ما أسميه "التجارة الموازية" التي يمارسها تجار الحاويات، يستوردون كل شيء من الخارج بأموال النفط، ويتقاضون عمولة 10% على الصفقات، بينما البنيان المرصوص يُبنى بمواد تُصنع محليا، وبالتالي يضر بمصالحهم،  لهذا يحاربوننا بل يحاربون الاختراع عموما لأنه يخلص الجزائر من التبعية للخارج. هؤلاء عقبة أمام الاختراع في الجزائر ولا يريدون أن تنتج ما يحقق أمنها في المجالات الغذائية والصناعية والعلمية وغيرها، الآن تراجعت أسعار النفط، وهذا شيء أعتبره شخصيا أمرا إيجابيا للجزائر لأن السرقة ستنخفض وسيبدأ الناس الاعتماد على قدراتهم الذاتية لتصنع المواد التي نستوردها بالعملة الصعبة. 

النظام الشمسي لا أصل له، ففيه نقائص كبيرة لأن ساعته الزمنية غير مضبوطة، فنحن نضطر إلى إضافة يوم كامل في فبراير/شباط كل أربع سنوات

undefined حدثنا عن الاختراع الثاني "الساعة الكونية" ما هو هدفه؟

نعيش حاليا فوضى الزمن، فلا توجد ساعة تساير الفصول ويسير عليها العالم في تسيير الاقتصاد والبورصة والفلك والتنجيم، فأصبح كل بلد يضيف ساعة أو ساعتين كما يشاء للتوقيت العالمي الحالي غرينتش وفق حاجته الاقتصادية، وهذا لا يناسب عصر العولمة الذي أصبح العالم فيه قرية صغيرة، ويحتاج إلى ساعة عالمية واحدة لتسيير شؤونه.

بدأت فكرة الساعة الكونية عام 1992، فأخذت أدرس حركة الشمس والقمر خلال قرن ونصف قرن مضى، وبالحساب وجدت أن متوسط المنحنى يقع في الخط العاشر من خطوط الزمن البالغة 24 خطا، وهو خط مكة المدينة، ففيه تنتظم حركة الشمس والقمر، أي أن الزمن الصفري علميا يبدأ بمكة، والزيادة الساعية تكون مع حركة الكواكب من الشرق إلى الغرب وفق خطوط الطول.

وهدف الاختراع تصحيح الزمن علميا لأن نظام غرينتش فرضته الهيمنة البريطانية، ولم يكن على أساس علمي مثل خط مكة المدينة، وأشير إلى أن المملكة العربية السعودية أضافت الساعة الكونية لمشروع توسعة مكة، لتكون التقويم العالمي بدلا من غرينتش، وصرح المسؤولون بذلك، فاحتج الغرب وطلب تفسيرا لذلك من السعودية، فكان الرد حكيما "إنها ساعة للتقويم القمري وليست للتقويم الشمسي".

undefined كيف ذلك والعالم يمشي على التقويم الشمسي؟

النظام الشمسي لا أصل له، ففيه نقائص كبيرة لأن ساعته الزمنية غير مضبوطة، فنحن نضطر إلى إضافة يوم كامل في فبراير/شباط كل أربع سنوات، فما هذه الساعة التي تتأخر يوما كاملا عن حركة الشمس كل أربع سنين؟

كما أنه في كل أربعة قرون يضاف يوم آخر إلى فبراير/شباط، وهذا عشناه في دخول الألفية الثالثة عام 2000، يومها كان فبراير/شباط 29 يوما، وهناك تعديل ثالث بالتقويم الشمسي لم نصل إليه بعد، كل 3333 سنة ينقص فبراير/شباط يوما، فساعة التقويم الشمسي إذن ليست دقيقة في تحديد الزمن، في حين أن التقويم القمري ليس فيه تصحيح للزمن، فأيام الأشهر إما 29 أو ثلاثون يوما، والهلال هو الذي يحدد مدة الشهر، لذا الساعة الكونية للتقويم القمري تحدد الزمن بدقة.

undefined ما هي فوائد استخدام توقيت مكة مقارنة بتوقيت غرينتش القائم على التقويم الشمسي؟

ساعة مكة ثورة في عالم الزمن منذ عهد آدم عليه السلام وحتى اليوم. فالزمن وفق التقويم الشمسي يسبب الارتباك، مثلا عندما تشتري تذكرة طائرة لتسافر إلى بلد ما فأنت قد تجهل ساعة الوصول بالتوقيت المحلي لذلك البلد، لأن التوقيت في كل دولة يرتبط بسياستها الاقتصادية، فالتذاكر الدولية لا تتحكم بها ساعة عالمية. أما ساعة مكة فتتيح للشخص معرفة توقيت البلد دون الحاجة لتغيير عقارب ساعته حيث يتغير التوقيت تلقائيا باستعمال تقنية تحديد المواقع الجغرافية "جي بي إس" فهي ساعة المستقبل.

وساعة مكة تحتاجها سوق البورصة أيضا، فتعطي التوقيت لكل منطقة جغرافية، ولا داعي لعدد الساعات في البورصة لكل منطقة جغرافية.

وليس هذا فحسب، فمكة مركز عدة أشياء ولهذا كانت تسمى "أم القرى" أي أنها أم العالم في الزمان والمكان، ودراسات عديدة أثبتت أن مكة هي متوسط يابسات القارات كلها، وهذا يعني انعدام المجال المغناطيسي للأرض في مكة المكرمة، وبداية الجاذبية فيها، وكانت مكة قديما مركز الاقتصاد العالمي، يأتي إليها الناس من كل فج عميق لبيعوا بضاعتهم وبنفس الوقت يحجون ثم يعودون إلى بلدانهم.

فساعة مكة ضرورة لتوحيد التوقيت العالمي للاقتصاد، وللتجارة الإلكترونية، فهي باعتقادنا ضرورة لإنجاح العولمة، التي تمر عبر ساعة عالمية تعطي توقيتا عالميا ثابتا وتوقيتا لكل بلد وفق شروق الشمس فيه، واستخدامها سهل يمكن تثبيت الساعة الكونية على الحاسوب كما يمكن تصنيعها.

ليس كل باحث مخترعا، فالباحث يمضي عمره بأبحاث ودراسات نظرية، بينما المخترع يبحث ويخترع أشياء جديدة في المختبرات، فالفضل يعود للمخترعين أكثر من الباحثين

undefined حدثنا عن المشاركة العربية في معرض سول للاختراعات؟

حضر شخص واحد من كل بلد عربي مشارك في المعرض، في حين أن دولا إسلامية مثل ماليزيا وإندونيسيا شارك كل منهما بأكثر من عشرين شخصا من الجامعات ومراكز البحث العلمي، كان تمثيلنا كعرب رمزيا وعلى حسابنا الخاص. لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد مخترعون بالجزائر أو الدول العربية، ولكن إمكاناتهم لا تسمح لهم بالسفر للمشاركة في المعرض، فالمشاركون كانوا من السعودية وعُمان وسوريا والعراق والجزائر والمغرب.

 undefined ما نوعية الاختراعات العربية؟

المخترع ابن بيئته، فالاختراعات الخليجية كانت في ميدان البترول والغاز، والسورية في طب زراعة الأسنان، والجزائرية بالبناء المضاد للزلازل. وقد تواصلنا كمخترعين عرب مع كوريا وماليزيا لأجل تعميق التعاون العلمي بيننا.

 undefined برأيكم والحالة هذه للمشاركة العربية بمعرض دولي للاختراعات، ما هي عوامل النجاح المطلوبة للإبداع في الجزائر والوطن العربي عموما؟

بداية، يجب التفريق بين الباحث والمخترع، فليس كل باحث مخترعا، فالباحث يمضي عمره بأبحاث ودراسات نظرية، بينما المخترع يبحث ويخترع أشياء جديدة في المختبرات، فالفضل يعود للمخترعين أكثر من الباحثين.

لا يوجد في الجزائر قانون للباحث والمخترع على غرار قانون الصحافي وقانون الفنان والرياضي، فهم في الواقع غير مهتمين بالمخترعين، لكن حان الوقت لوضع قانون للمخترع يحميه ويوفر له الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، ويجب الاهتمام به أكثر من حيث توفير المختبرات إضافة لتمويل إنجاز اختراعات، كما ينبغي إشراكه في الاستشارات للمخططات التنموية الخماسية وغيرها من مشاريع لبناء البلد، بهذا يرقى الإبداع ويتحسن وضع العالم العربي والإسلامي.

وحفاظا على المخترعين أدعو إلى إنشاء هيئة للباحثين والمخترعين في العالمين العربي والإسلامي تنبثق عنها "هيئة تقييم المشاريع البحثية والاختراعات" وعلى الدول إنشاء "وزارة الاختراع والبيئة" وهو أضعف الإيمان للاهتمام بالمخترعين والبيئة.

ولنجاح الإبداع لا بد من التمويل، واقترح التمويل الذاتي بتنظيم حملة جمع تبرعات (تيليثون) في التلفزيون لتمويل المشاريع البحثية، وبطلبنا الدعم من الشعب لا من الدولة قد نستفز أصحاب القرار ليولوا اهتماما أكثر بالبحث العلمي والاختراع.

ويمكن تمويل الباحثين لإنجاز اختراعاتهم من صناديق الزكاة ففيها أموال كثيرة، وأطلب من رجال (علماء) الدين فتاوى لتمويل الاختراعات من أموال المسلمين، فكما نبني المساجد والمشافي للمجتمعات الإسلامية نبني لهم ما هو علمي يفيدهم في حياتهم. 

undefined أنت ترأس المنظمة الوطنية للإبداع والبحث العلمي في الجزائر، فمتى تأسست؟ وما هي أنشطتها؟

تأسست منظمتنا عام 2010، وهي الوحيدة بالجزائر التي تُعنى بالاختراع، ينتسب إليها 130 مخترعا من الولايات الجزائرية الـ48، ولدينا زهاء 250 متعاطفا مع المنظمة من جامعيين ومثقفين، وهدفها تعزيز وتطوير الإبداع لإدخاله في الآلة الصناعية للجزائر، لأن الاختراع عماد تقدم الأمم.

ولدى المنظمة اختراعات عديدة، منها "الوثيقة البيومترية" التي اخترعها جزائري يقيم بفرنسا، وقد تعرض لمحاولة اغتيال عند سطوهم على ملف الاختراع الذي أصبح مشروعا دوليا في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة عملت عليه فرنسا وألمانيا وأميركا، بينما يعيش صاحب الفكرة مهمشا لا يجرؤ على المطالبة ببراءة اختراعه، وهو معنا بالمنظمة.

وتملك المنظمة أيضا اختراعات في مجال الطاقات المتجددة وتقليص نسبة الغازات الملوثة للجو، المسببة للانحباس الحراري، واختراع تخفيض نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وسلامة الإعلام الإلكتروني لحماية المواقع الحساسة من الاختراق، غيرها.

ونقوم بتنظيم معارض وطنية لمخترعاتنا، لكن عندما أردنا تنظيم مؤتمر دولي للاختراعات لم نتلق الموافقة، وهذا برأينا تضييق على الإبداع.

المصدر : الجزيرة